عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Feb-2025

هل العلويون مهددون في سورية؟

 الغد

فابريس بالونش* - (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 2025/1/29
 
 
 
في الوقت الذي يبدي فيه الغربيون مخاوفهم بشأن استيلاء الإسلاميين على السلطة في دمشق، ستقدم طريقة تعامل العرب السنة مع القاعدة العلوية الأوسع لعائلة الأسد رؤية ثاقبة عن الموقف الحقيقي للحكومة الناشئة من قضايا التسامح الديني، والعدالة الانتقالية، وبناء الدولة.
على مدى أكثر من نصف قرن، ارتبط مصير العلويين في سورية بأبناء دينهم ورعاتهم في عائلة الأسد. وفي العام 2011، مكنهم تضامنهم مع نظام بشار الأسد من قمع التمرد والحفاظ على حكمه المتداعي حتى تدخلت روسيا في العام 2015. ولكن بحلول تشرين الثاني (نوفمبر) 2024، كانت الطائفة العلوية قد استُنزفت بعد ثلاثة عشر عاما من الصراع، حيث فقدت ثلث مقاتليها الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والخمسين عاما في المعارك.
 
 
 
وكانت النتائج حتمية: عندما قادت "هيئة تحرير الشام" فصائل المعارضة الأخرى في هجومها الكاسح قبل بضعة أسابيع، لم يُبدِ الفصيل العلوي في الجيش مقاومة تُذكر. ولم تقاوم حمص، المدينة التي يقطنها العلويون بنسبة كبيرة، لأكثر من بضعة أيام فقط. ثم استولت "هيئة تحرير الشام" على المنطقة الساحلية، التي تعد معقل الطائفة العلوية، لكنها لم تبدِ أي مقاومة رغم التوقعات التي أشارت إلى احتمال تشكيلها جيبا دفاعيا لحماية العلويين الفارين من أعمال انتقامية محتملة من قبل السلطات الإسلامية الجديدة في سورية.
 
 
 
من ضحايا إلى جلادين: هل تعود الكرة؟
 
غالباً ما تُصنف العقيدة العلوية على أنها نسخة مبتدعة من الإسلام الشيعي، مع اعتقاد أساسي بعقيدة التناسخ (انتقال الأرواح) التي ترفضها السلطات الإسلامية الأرثوذكسية في الطائفتين الشيعية الاثني عشرية والسنية. كما أن معظم العقيدة العلوية يتألف من مزيج مستمد من الديانات التوحيدية الكبرى (بما فيها الإسلام) والزرادشتية، إضافةً إلى أن الكثير من طقوسها سرية وغامضة، مما جعلها موضع ارتياب كبير على مر القرون. حتى أن عالم الدين الإسلامي الشهير، ابن تيمية، دعا إلى القضاء على هذه الطائفة.
 
لم يُعترف بالعلويين كمسلمين رسميًا حتى العام 1932، عندما أصدر مفتي فلسطين، الحاج أمين الحسيني، فتوى تهدف إلى تقويض النفوذ الاستعماري الفرنسي في سورية، حيث أنشأت فرنسا دولةً علوية صغيرة على الساحل في العام 1920 على غرار النموذج اللبناني، وكان الهدف منها أن تكون ملاذًا للعلويين من الاضطهاد السُّني المُتصوَّر. وقد وفرت فتوى الحسيني للعلويين ضمانات بالمساواة في سورية مستقلة يهيمن عليها السنة. لكن هذا الحكم الظرفي فشل في إقناع الكثيرين من الأغلبية السنية بأن العلويين ليسوا "زنادقة".
 
 
لم تتحسن الظروف الاجتماعية للعلويين إلا مع صعود "حزب البعث" في العام 1963 -خاصة بعد تولي حافظ الأسد السلطة في العام 1970 وتعيينهم بشكل منهجي في مناصب رئيسية في الجيش والمخابرات ووزارات الدولة. ومن خلال القضاء على زعماء العشائر الذين تمردوا على سلطته، جعل الأسد من الطائفة العلوية كيانًا موحدًا. كما استُخدم العلويون في حملات القمع التي شنها النظام، بما في ذلك مذبحة حماة في العام 1982، عندما قمع الأسد تمرداً قاده "الإخوان المسلمون"، مما أسفر عن مقتل 30 ألف شخص.
 
 
 
 
وواصل بشار، نجل حافظ، هذه الإستراتيجية لسنوات، ثم جعل من العلويين ركيزة لسياساته في مكافحة التمرد بعد العام 2011. وردًا على هذا التاريخ الطويل من الانتهاكات، يُرجح أن العديد من عناصر القيادة السنية الجديدة في دمشق وأتباعها يحملون إرثًا من العداء الديني والاجتماعي للعلويين بشكل عام. وقد تواجه الطائفة خطر العقاب الجماعي، بمن في ذلك العلويون الذين عارضوا الأسد ولم يدعموه.
 
 
من المتوقع أن تبدأ القيادة الجديدة بتطهير الجيش والبيروقراطية المدنية. وبالفعل، يمكن رؤية بوادر ذلك بعد أن بدأ المتمردون في السيطرة على الأراضي مع تقدمهم نحو العاصمة. في ظل حكم الأسد، كان أكثر من 80 في المائة من العلويين يعملون لصالح الدولة، حيث شكلوا معظم ضباط الجيش والمخابرات، ومعظم كبار الإداريين في الحكومة، ومعظم المديرين في الصناعات العامة. وخلال الحرب الأهلية، حصلت زوجات وأبناء القتلى من الجنود العلويين على وظائف عامة للتعويض عن خسائرهم، مما أدى إلى تضخم أعداد الذين يعتمدون على الدولة وعائلة الأسد في معيشتهم.
 
 
استخدم زعيم "هيئة تحرير الشام"، أبو محمد الجولاني، (المعروف أيضًا باسم أحمد الشرع) استراتيجية مماثلة منذ فترة إشرافه على معقل الهيئة في محافظة إدلب -ولكن لصالح السنة المتعاطفين معه وليس العلويين. وتحت ذريعة تنفيذ عملية "اجتثاث البعث" داخل الجيش والحكومة، من المرجح أنه سيشرع في عملية "اجتثاث العلويين". وهذا يعني أنه سيتعين على المنطقة الساحلية العلوية أن تعيد اكتشاف قدراتها كملاذ أمن.
 
 
 
 
ومن المرجح أن يشعر العديد من العلويين الذين يعيشون في دمشق وحمص والمناطق الداخلية المحيطة بها بأنهم مضطرون للعودة إلى منازلهم هناك -تلك العقارات التي أقاموها ليس فقط كملاذ لقضاء العطلات، بل كضمان للمستقبل. أما إذا ظلوا في المناطق الأخرى من سورية، فقد تصبح حياتهم صعبة، بل وخطيرة للغاية في ظل عودة النازحين السنة الذين قد يسعون للانتقام.
 
 
في نهاية المطاف، شهدت المناطق المختلطة بين حمص وحماة العديد من أسوأ المجازر الطائفية التي ارتكبها النظام خلال الحرب، حيث تسببت القوات التي يقودها العلويون في نزوح عدد كبير من السنة باتجاه إدلب ولبنان وتركيا. كما قام المقاتلون العلويون شبه العسكريين بنهب المنازل على طول الطريق؛ حتى أنه في طرطوس ظهر سوق لبيع الممتلكات المسروقة أطلق عليه اسم "سوق السنة".
 
 
 
وتم إخلاء مناطق سنية بأكملها من السكان وتدميرها، مثل باب العامر في حمص والقصير وقلعة الحصن على سفوح القلعة الصليبية الشهيرة. وبالطبع، عانت بلدات علوية من مصير مماثل على يد الإسلاميين السنة في أماكن مثل العريمة (اللاذقية) في آب (أغسطس) 2013، والزارة (حمص) في أيار (مايو) 2016. وفي كلتا الحالتين، كانت "جبهة النصرة" -السلف المباشر لـ"هيئة تحرير الشام" متورطة في مذبحة المدنيين العلويين.
 
 
 
التداعيات السياسية
 
عند تقييم ما قد يحدث بعد ذلك، سيتعين على المسؤولين الأجانب أن يأخذوا بعين الاعتبار أن العقيدة العلوية تختلف بشكل كبير عن العقيدة السلفية التي تتبناها السلطات السورية الجديدة. ومن نواح عملية عديدة، يختلف نمط الحياة العلوي عن أسلوب الحياة الذي قد يقدمه الجولاني و"هيئة تحرير الشام" وعناصر الإسلام السياسي السنية الأخرى الآن -وهو تباين لا يظهر في إدلب فحسب، بل في جميع أنحاء المناطق السنية المحافظة التي كانت تشكل جزءا كبيرا من البلاد قبل الحرب.
 
 
في الماضي، كانت سلطة الدولة توفر للأقليات الحماية في هذه المناطق، لكن السؤال المطروح الآن هو: هل ستكون الحكومة المقبلة على استعداد لضمان الوجود الآمن للعلويين في سورية؟ وهل ستكون قادرة على تطبيق هذا الضمان؟
 
 
في المقابل، قد تشكل السياسات الحكومية الجديدة بحد ذاتها تهديدا لأسلوب حياة العلويين. على سبيل المثال، هل ستُفرض قيود دينية جديدة مثل إلزامية النقاب في مدن مثل طرطوس واللاذقية؟ هل سيتم حظر استهلاك وإنتاج الكحول؟ ما هو مصير الأضرحة العلوية المنتشرة في المناطق الريفية، والتي تُعد أماكن للعبادة الشعبية؟ في الواقع، دفع تدمير أحد الأضرحة العلوية في حلب في 25 كانون الأول (ديسمبر) آلاف العلويين إلى النزول في شوارع حمص، واللاذقية، وجبلة، وطرطوس.
 
 
 
 
وأخيراً، هل ستطلق وزارة الشؤون الدينية الجديدة خطة لبناء المساجد في المجتمعات العلوية ووضعها على المسار الصحيح؟ يجدر التذكير بأن العثمانيين جربوا مثل هذا المسار في القرن التاسع عشر بعد أن سارعت الإرساليات البروتستانتية الأميركية إلى تحويل العلويين إلى المسيحية بسرعة، بفضل فقر العلويين وثروة البعثات البروتستانتية. وفي المقابل أغلقت السلطات العثمانية المدارس والكنائس الإنجيلية وطردت المبشرين، وأجبرت معظم العلويين على العودة إلى عقيدتهم القديمة. إلا أن محاولات توجيههم إلى المذهب السني باءت بالفشل.
 
 
حتى الآن، أكدت "هيئة تحرير الشام" باستمرار أن العلويين سيكونون جزءًا من سورية الجديدة، وأنها لن تكون هناك أعمال انتقامية ضدهم، وأن المتورطين في جرائم نظام الأسد سيحاسبون عبر النظام القضائي وليس عبر الاقتصاص منهم.
 
 
 
كما يعقد مسؤولو "الهيئة" اجتماعات مع ممثلي العلويين المحليين. وقد صرح الجولاني نفسه مرارًا وتكرارًا بأن "الهيئة" لن تفرض قيودًا شرعية على الأقليات. وفي الوقت نفسه، أنشأت السلطات الجديدة مراكز مصالحة حيث يمكن لأفراد القوات المسلحة التابعة للنظام السابق تسجيل أنفسهم وتسليم أسلحتهم -وهي خطوة أساسية في أي عملية عفو. ونأمل ألا يكون ذلك مقدمة لاعتقالهم الجماعي في نهاية المطاف أو تصفيتهم بشكل سري بمجرد نزع سلاحهم.
 
 
ترتبط جهود المصالحة هذه أيضًا بمسألة العدالة الانتقالية الأوسع نطاقا للعلويين وغيرهم من اتباع الأسد الذين ارتكبوا الفظائع ضد السنة كجزء مما أسماه النظام "مكافحة التمرد". ويجد العلويون، الذين وصفهم الجغرافي الفرنسي جاك ويولرسه في العام 1940 بأنهم "منسيون من التاريخ"، أنفسهم الآن في قلب أحد أكثر الفصول دموية في تاريخ سورية. وكما ذُكر أعلاه، قد يتعرضون لعقاب جماعي نتيجة لذلك، وهو ما قد يرقى إلى مستوى التطهير العرقي.
 
 
بل إن فكرة انسحاب العلويين من أجزاء أخرى من سورية بالكامل وإقامة جيب على الساحل قد لا تكون ممكنة. وتمت دراسة هذه الفكرة في مراحل مختلفة في الماضي، لكنها لم تتحقق أبداً بسبب عوامل داخلية وخارجية مختلفة. والأهم من ذلك أن سادة دمشق الجدد لن يتخلوا أبداً عن المنفذ البحري الوحيد للبلاد لهذا الغرض فقط.
 
 
في الوقت الذي يشكك فيه الغربيون في استيلاء "هيئة تحرير الشام" على دمشق، فإن تعامل الهيئة مع العلويين سيوفر مؤشرات ملموسة عن موقفها الحقيقي من التسامح الديني والعدالة الانتقالية وبناء الدولة. كما ينبغي أن تكون المساعدات الإنسانية والعلاقات الدبلوماسية مع الحكومة المقبلة مشروطة بضمان المساواة في الحقوق للأقليات، وإلا فإن سورية قد تصبح مرة أخرى نقطة ساخنة لإراقة الدماء الطائفية التي لا نهاية لها.
 
 
*فابريس بالونش: أستاذ مشارك ومدير الأبحاث في "جامعة ليون 2"، وزميل زائر في معهد واشنطن.