عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Apr-2021

عن قناة السويس ونقاط الاختناق

 الغد-جورج فريدمان* – (جيوبوليتيكال فيوتشرز) 30/3/2021

 
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
كنت قد كتبت في كثير من المرات عن نقاط الاختناق -تلك الممرات الضيقة، في البر أو البحر، التي تعد ضرورية لحركة البضائع والأشخاص- في سياق شن الحرب. ويمكن أن تنغلق هذه النقاط بالوسائل العسكرية أو بالقوى الطبيعية أو، كما رأينا مؤخرًا، بسبب خطأ بشري في أوقات السلم.
ثمة نوعان من نقاط الاختناق. هناك النوع الذي تصنعه الطبيعة والنوع الذي يُنشئه البشر، عادةً لفتح طريق إلى الهدف المنشود -طريقٍ لم يكن موجودًا من قبل. وبشكل عام، تكون تلك النقاط التي أنشأها البشر أقل قوة من تلك التي أنشأتها الطبيعة. وعادةً ما تكون نقاط الاختناق التي يصممها الإنسان أضيق وأسهل على الإغلاق من تلك التي أنشأتها الطبيعية، لأن الهندسة تكون مجبرة، بسبب ضخامة المهمة، على إنشاء ممر ذي عرض في الحدود الدنيا بسبب الكم الهائل من العمالة والتكلفة اللازمة لإنشائه. لكن الطبيعة أكثر سخاء.
العنصر المهم في نقطة الاختناق هو الوقت. يمكن أن يكون للإغلاق الدائم لنقطة اختناق عواقب وخيمة، اعتمادًا على أهمية ما يمر عبرها، ومن هو الذي يعتمد على الأشياء التي يجري تمريرها. وقد تكون للإغلاق قصير الأمد عواقب محدودة بالمقارنة. ويبقى تخفيف الإغلاق ومقدار الوقت اللازم لإعادة فتح الممر عناصر بالغة الأهمية. وبشكل عام، تميل نقاط الاختناق البحرية إلى أن تكون أكثر أهمية من نظيراتها البرية، خاصة بسبب الاقتصاد الحديث والحرب الحديثة، والتجارة البحرية العالمية، واعتماد الدول على تلك التجارة وتدعيم قوة القوات البحرية. باختصار، تعد نقاط الاختناق عنصراً مركزياً في التفكير الجيوسياسي.
بالنسبة للمخططين العسكريين والاستراتيجيين رفيعي المستوى، تظل نقاط الاختناق دائمًا قريبة من الذهن. أما في العالم التجاري حيث تعد الأعمال التجارية مهمة للمصلحة الوطنية، فكان هناك افتراض ضمني بأن نقاط الاختناق المختلفة هي مجرد معالم جغرافية ستكون حاضرة بشكل دائم. لكن ما كان هذا العالم يُعرِّفه بمعان غامضة خرج إلى دائرة الانتباه بطريقة مؤلمة مع انسداد قناة السويس مؤخراً.
قناة السويس هي ممر اصطناعي بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، قامت بتطويره شركة خاصة تمتلك فيها المصالح البريطانية والفرنسية غالبية الأسهم. ولأنها بمثابة الطريق السريع بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، اختصرت القناة المسافة بين المملكة المتحدة ومصالحها الشاسعة في حوض المحيط الهندي، وبين فرنسا وممتلكاتها في الهند الصينية. وكانت قناة السويس أساس الإمبريالية الأوروبية في آسيا وكان إغلاقها سيشكل كارثة. وكان تأمين قناة السويس، ونقطة الاختناق الشقيقة في جبل طارق، ضرورات جيوسياسية للإمبراطوريات، والتي شكلت مخططاتها الاستراتيجية والتجارية. وفي الحرب العالمية الثانية، كان المارشال إروين روميل يعتزم الاستيلاء على قناة السويس، على أمل قطع تدفق البضائع من الهند والقوات من أستراليا ونيوزيلندا. وفي العام 1956، عندما حاولت بريطانيا وفرنسا (بمساعدة إسرائيل) غزو مصر لمنعها من تأميم القناة، أجبرتهما الولايات المتحدة، المعادية للمصالح الإمبريالية البريطانية والفرنسية، على الانسحاب.
كانت الحجة التي ساقتاها ضد التنازل عن قناة السويس لمصر هي أن مصر تفتقر إلى الخبرة اللازمة لصيانة القناة والحفاظ عليها. وكانت الولايات المتحدة، وهي التي امتلكت قناة بنما الأكثر تعقيدًا لبعض الوقت، واثقة من قدرتها على الإشراف على إدارتها. وأدى التحول المصري إلى المعسكر السوفياتي إلى تقويض هذه الجهود، وأصبحت حالة القناة أكثر هشاشة إلى حد ما. وفي العام 1967، أغلقت القناة بعد حرب الأيام الستة وأعيد فتحها حوالي العام 1980 بعد اتفاقيات كامب ديفيد. ومع أن هناك الكثير في هذه الحكاية، يكفي أن نقول أن القناة، وهي ممر مائي اصطناعي وبالتالي ضيق، كانت محورًا جيوسياسيًا منذ افتتاحها، وأن مصير إمبراطوريات كان معلقاً عليها.
وفي الفترة الأخيرة، اتضحت أهميتها كثيراً بسبب حادثة “إيفر غيفن” Ever Given، السفينة التي كانت حتى يوم الاثنين الماضي عالقة في القناة. وقد تسببت في ازدحام مروري عالمي للبضائع التي تنتقل بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي. وقد فُتحت قناة السويس وعادت للعمل مرة أخرى، لكن الضرر قد وقع بالفعل من بعض النواحي. فقد أعلنت سورية، على سبيل المثال، أن النفط لديها على وشك النفاد. ومن المحتمل أن تتحدث دول أخرى في جميع أنحاء العالم قريبًا بطريقة مماثلة عن أي عدد من السلع الأخرى. يبدو أن حالة عدم اليقين الاقتصادي موجودة هنا لتبقى.
بطبيعة الحال، لم يثر جدال غاضب كبير حول قناة السويس. لكن هذا قد لا يكون هو واقع الحال دائمًا عند النظر إلى نقاط الاختناق المهمة الأخرى في العالم. وعلى سبيل المثال، يتمتع مضيق ملقا، الذي يجري المرور عبره بين المحيط الهندي والمحيط الهادئ، بأهمية بالغة قطعاً بالنسبة للصين، وكذلك هو حال نقاط الاختناق التي أنشأتها الدول والجزر الأصغر شرق الصين. وتكمن مخاوف الصين الأساسية في احتمال أن تغلق الولايات المتحدة مضيق ملقا والممرات بين الجزر، وهو ما سيكون من شأنه أن يشل الاقتصاد الصيني تمامًا.
يمتلئ العالم بهذه الأنواع من نقاط الاختناق، وبعض الدول مدينة لها بالفضل أكثر من غيرها. وقد أثبتت قناة السويس هشاشة نقاط الاختناق التي من صنع الإنسان، لكن الألغام، والغواصات، وصواريخ كروز وما شابه يمكن أن تغلق بشكل فعال أي نقطة اختناق أخرى في أي وقت -وحتى نظاماً واسعاً مكوناً من نقاط اختناق متعددة. وسوف تركز أي حرب مقبلة على هذه الحقيقية كما فعلت حروب الماضي. ويجب أن تذكرنا قناة السويس بضعفنا -ليس أمام الصدفة وحدها، وإنما أيضًا أمام طبيعة الحروب التي تلوح دائماً في أفق البشر.
 
*George Friedman: خبير استشاري جيوسياسي مميز ومعروف دوليًا في الشؤون الدولية، ومؤسس ورئيس Geopolitical Futures.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: On the Suez Canal and Chokepoints