من يتحمل مسؤولية الإبادة الجماعية في غزة؟!*د. أحمد بطّاح
الراي
إنّ الإجابة السهلة والسريعة على هذا التساؤل هي: إسرائيل التي تقوم بها، وقد يرى البعض أنّ الولايات المتحدة تشاركها في هذه المسؤولية بحكم دعمها اللامحدود لها: عسكرياً، واقتصادياً، وسياسياً، ولكن إذا أردنا أن نكون موضوعيين وباحثين عن الحقيقة كما هي لا كما نريدها فإن هناك أطرافاً كثيرة تتحمل جزءاً من المسؤولية ولعلّ أهمها: أولاً: القيادة الفلسطينية: الرسمية والفصائلية، وجميع القيادات الفلسطينية الوازنة، وذات الصوت المسموع حيث إن عليها أن تبادر إلى توسيع منظمة التحرير الفلسطينية واستيعاب حركتي: حماس والجهاد وغيرهما من الفصائل المقاومة في بنيتها، وبحيث يتزامن ذلك مع مبادرة إلى تكوين «حكومة وحدة وطنية» تضم كافة الأطراف الفلسطينية الموجودة على الساحة كثمرة للقاءَات التي تم عقدها في موسكو وبكين وما تبعهما من لقاءات بين فتح وحماس بالذات. إنها لحظة الحقيقة بالنسبة للفلسطينيين أن يُظهروا وحدتهم وشعورهم بالمسؤولية إزاء شعبهم الذي يُذ?ح جهاراً نهاراً أمام العالم وبكافة الأسلحة المتاحة لآلة الحرب الإسرائيلية المدعومة غربياً.
ثانياً: الدول العربية (باستثناء الأردن الذي يبذل ما في وسعه: سياسياً وإغاثياً)، التي لا تبدي أكثر من الشجب والإدانة والجهد السياسي غير المؤثر فضلاً عن بعض المساعدات الإنسانية والإغاثية التي لا تكاد تبقي الفلسطينيين في القطاع المنكوب على قيد الحياة. ألا تستطيع بعض الدول العربية أن تسحب سفراءَها من إسرائيل (كما فعل الأردن مثلاً)، ألا تستطيع بعض الدول العربية تعليق التطبيع مع إسرائيل مثلاً؟ ألا تستطيع بعض الدول العربية استخدام ما لديها من نفط وغاز وأرصدة بنكية بحيث تجبر الدول الغربية (وبخاصه الولايات المتحدة)?على الضغط على إسرائيل من أجل إيقاف حربها الهمجية التي لا تتقيد بما توافقت عليه البشرية من قواعد وأخلاقيات في الحروب؟ أسئلة ما زالت برسم الإجابة حقاً! ثالثاً: الدول الإسلامية التي اكتفت منفردة أو من خلال «منظمة العالم الإسلامي» بإصدار البيانات، وتفننت في تعابير الإدانة ولكنها لم تفعل شيئاً مهماً يؤدي إلى الحد من «أهوال يوم القيامة» التي يتعرض لها أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. إنّ عدد المسلمين يقترب من المليار ونصف المليار، ودولهم تزيد عن 50 دولة بمقدرات هائلة قادرة على التأثير الفعال على كل سياسات العالم التي تؤثر على المسلمين ليس من منطلق إسلامي متعصب بل من منطلق إنساني، ولكن للأسف لم يترجم المسلمون قوتهم الحقيقية على أرض الواقع، وما زال «الأقصى» م?تلاً منذ ما يزيد عن خمسين سنة، وما زال «الروهينجا» المسلمون في «ميانمار» وفي جوارها يعيشون في أسوأ ظروف إنسانية ممكنة. لقد برهنت هذه الحرب التدميرية التي تشنها إسرائيل على غزة أن المسلمين ليسوا أكثر من أرقام في هذا العالم، وأن أكثر دولهم تدور في فلك الغرب ولا تمتلك من أمرها شيئاً.
رابعاً: «الاقطاب الجديدة» مثل روسيا والصين وغيرهما، حيث كان من المأمول أن تتخذ هذه الدول مواقف داعمة أقوى ضد العدوان الإسرائيلي الغاشم على الشعب الأعزل في قطاع غزة. إن بروز هذه الدول على الساحة السياسية الدولية لن يكون سهلاً ما لم تقف بالضد من السياسة الأميركية في هذه القضية وغيرها. إن الولايات المتحدة تتفرد الآن بأخذ القرارات في هذه الحرب وهي تدعم إسرائيل بشكل غير مسبوق (50 ألف طن من الأسلحة، ومليارات من الدولارات للاقتصاد الإسرائيلي، وغطاء سياسي في كافة المحافل الدولية لكل ما تقوم به إسرائيل)، ومن هنا يط?ح السؤال نفسه: لماذا لا تبادر هذه «الأقطاب الجديدة» التي تريد أن تأخذ موقعها على المسرح العالمي إلى دعم الجانب الفلسطيني بكل الطرق الممكنة وبما يكسبها المصداقية، ويعزز نفوذها بين شعوب العالم وليس فقط بين حكوماته؟! خامساً: الدول الأوروبية التي تتحمل مسؤولية تاريخية في إنشاء إسرائيل (وعد بلفور الذي أصدرته بريطانيا عام 1917) وفي دعمها بكل السبل الممكنة (ألمانيا تصدر إلى إسرائيل حوالي 30% من الأسلحة التي تطلبها تقريباً، أما الـ 70% الأخرى فتتكفل بها الولايات المتحدة). صحيح أن بعض الدول الأوروبية بدأت تغير مواقفها (إسبانيا، النرويج، سلوفينيا...) بل واعترفت بالدولة الفلسطينية ولكن الواقع هو أنّ الدول الأوروبية الرئيسية أيّ بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا (وهي ضمن مجموعة الدول السبع الأغنى في العالم بالإضافة إلى الولايا? المتحدة، وكندا، واليابان) ما زالت تأخذ -وبرغم معارضه جماهير شعبية كبيرة فيها- الجانب الإسرائيلي وتغض النظر عن مقارفات إسرائيل ومجازرها التي تكررها كل يوم ويراها العالم بالصوت والصورة، بل وتتحايل على الحكم الأخير الذي أصدرته محكمة العدل الدولية ببطلان الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة وضرورة أخذ كل ما يلزم لإنهائه خلال عام واحد.
سادساً: أحرار العالم وذوو الضمائر الحية فيه الذين يشاهدون عملية الإبادة الجماعية التي تجري في غزة ولا يتحركون: كلٌ بما يملك. إن ما يجري في غزة يضع كل إنسان حر على المحك فإما أن يسكت على ما يجري ويهز رأسه غير مبالٍ معتقداً أن ما يجري لا يعنيه، وإمّا أن يتحرك ويفعل ما بوسعه أن يفعله والذي قد يتدرج من قرار بوقف تصدير السلاح إلى إسرائيل إلى مقال يكتبه، أو تظاهرة يشارك فيها، أو معونة يسهم بها للشعب المظلوم، أو غير ذلك من أشكال تسجيل المواقف والمبادرة إلى الفعل.
إن ما يجري في قطاع غزة من إبادة جماعية مشهودة لا تعفي أحداً من المسؤولية، ولذا فإن كل واحد في هذا العالم يجب أن يسأل نفسه: ماذا أستطيع أن أفعل؟ ماذا يمكن أن يسهم في وقف ما يجري؟. عند هذا فقط يمكن أن نبرهن على شعورنا بالمسؤولية، وعلى توافر حسّنا الإنساني، وعلى قدرتنا على رفع الظلم، وإحقاق الحق، وازدهار عالم يستحق العيش فيه.