عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    22-Nov-2020

الحرب من صراع الإرادات إلى اعتراض النوايا*جمال الطاهات

 الدستور

طبول الحرب التي تقرع من جديد -ربما لاجهاض الفرصة لرؤية جديدة لمستقبل المنطقة، تمثل حربا مختلفة نوعياً (خليط بين حرب الضرورة والاختيار) عنوانها اعتراض «نوايا» لترتيبات إقليمية (ملامحها غامضة)، مما يفرغها من مضمونها كوسيلة لفرض البدائل. وهي بذلك تفتح المنطقة لتفاعلات جديدة، وتقدم فرص ذهبية ومجانية لأي طرف لديه الإرادة والأدوات لتوظيفها. فالمستقبل يصون مصالح من يستطيع، توظيف فرص الحاضر بكفائة.    
حرب عام 2006، من حروب الخيارات التي اعتقدت إسرائيل، بإمكانية توظيف تفوقها العسكري، لفرض منظومة أمن إقليمية جديدة بالقوة، أطلقت عليها إسم «الشرق الاوسط الجديد». وهي من الحروب التي تعتبر دليلاً على صحة المقولة الاستراتيجية بأن الحروب تغير مسارات التطور ولكنها لا تشكل في أي ظرف، وبغض النظر عن موازين القوى، مسارات حتمية نحو المستقبل. فهناك ما يغري بالاستنتاج، أنها -بالرغم من التفوق العسكري الإسرائيلي- فتحت الباب لبروز عوامل تغيير وتطوير جديدة، بشكل مخالف لمصالح طرفيها.  
وبغض النظر عن مدى عقلانية خيار الحرب، إلا أنها –أياً كانت موازين القوى التي تحكمها- لا تعلي أطرافها عن دوامة التطور، ولا تحميهم من السقوط فيها. مأساوية الحروب، لا تضمن حتمية مساراتها ونتائجها. وهذا الذي يميز واقع الحياة وتاريخيتها عن التصورات الأسطورية التي تربط المأساوية، بتحمية المسارات والنتائج. صحيح أن هناك حروب ضرورة مأساوية، لكن نتائجها ومساراتها ليست حتمية، وخارج إرادة أي من طرفيها. وهذا –ربما- ما دفع الفيلسوف اليوناني هيراقليطس، للتأكيد على جدل الحب والحرب، من حيث أن كليهما توأم لعدم اليقين، وبداية لمسار، تتولد فيه الأضدادا، ولا يمكن التحكم بتفاصيله.
حروب الخيارات، التي ينتجها التفوق العسكري، ليست استثناءاً. فهذه الحروب، (من حيث هي حروب)، عاجزة عن انتاج مسارات حتمية، تفضي إلى منظومة دائمة بمقاسات محددة. فلقد هيأت حرب عام 1982، الطريق إلى أسلو، ومنحت الطرف الذي سعت لشطبه عسكريأ، اعترافاً سياسياً حاسماً.
وقوع الحرب الاعتراضية المتوقعة، من حيث هي وسيلة لمنع تطورات محددة، قد تكون فاتحة لتحول استراتيجي تاريخي ونوعي في المنطقة. إذ أن غموض الهدف الذي تريد هذه الحرب اعتراضه (ليس منع تنفيذ ترتيبات إقليمية محتملة برعاية دولية، ولكن اعتراض نوايا وتصورات استراتيجية للقوى العظمى في المنطقة)، ينقلها من كونها حرب تعترض إرادة خيارات، لتصبح حرب بهدف غامض «اعتراض النوايا». وهذه الإزاحة بهدفها، تبرر القول بأنها ستكون مختلفة عن كل ما سبقها. الحروب كوسيلة تعترض (إرادة) لترتيبات محددة، وتفرض (أو تدفع نحو) ترتيبات بديلة، ولكن تجربة توظيف الحرب لتحقيق هدف غامض (اعتراض نوايا)، كما يتبدى من هذه الحرب التي ترتفع دقات طبولها، عاجزة عن تغيير طبيعة الحرب، وتحقيق ما لا يمكن تحقيقه بالحروب كخيار عقلاني لتحقيق أهداف محددة.  
فالحرب المحتملة، بالرغم مما هو متاح لها من وسائل تدمير استثنائية في تاريخ البشرية، لن تخترق حدود العقلانية المعروفة للحروب. فالأسلحة لا تغير طبيعة الحروب. وهناك شكوك كبرى بجدواها، وجدوى أي حرب، لاعتراض النوايا، دون القدرة على فرض ترتيبات جديدة. وافتراض نجاحها باعتراض نوايا غامضة للرئيس الأمريكي المنتخب، سيطلق ديناميكيات تغيير إقليمية جديدة.
إلتباس الحروب ومفارقاتها، تجعل التفوق العسكري، طُعم لاصطياد السياسيين بغوايات النصر، وتدفعهم لتوظيف الحرب ضد طبيعتها وخلط أهدافها بوسائلها، ومنها هدف اعتراض النوايا. إن وهم البعض لأخذ الحرب ضد منطقها وضد طبيعتها، هدية مجانية تقدم، لأي طرف لديه الرؤية والعزيمة والإرادة لتوظيفها. وقرع طبول الحرب، لا تقل أهمية عن اشتعالها.