مركز تقدم للسياسات
تقدير موقف:
تقديم: توقف المراقبون عند التطوّر المفاجئ الذي أدى إلى تعيين الشرع رئيسا للجمهورية في سوريا واتخاذ مجموعة من القرارات التي تحسم ملفات إنهاء مرحلة سابقة والإعداد لمرحلة جديدة. ويسلط المراقبون الضوء على الظروف التي استدعت التعجيل باتخاذ هذه القرارات وعدم انتظار مخرجات مؤتمر وطني جامع.، واعتماد مخرجات مؤتمر للائتلاف العسكري الذي شارك هيئة تحرير الشام في مسيرة اسقاط نظام الاسد.
- في 29 يناير 2025، أعلنت إدارة العمليات العسكرية في سوريا، انتصار الثورة السورية، وتنصيب أحمد الشرع رئيساً للبلاد في المرحلة الانتقالية، وتكليفه بتمثيل الجمهورية العربية السورية في المحافل الدولية، وتشكيل مجلس تشريعي مؤقت.
- جاء الإعلان في "بيان إعلان انتصار الثورة السورية"، وذلك عقب إلقاء الشرع "خطاب النصر" في قصر الشعب بدمشق، أمام لقاء موسّع مع الفصائل المعارضة، ضمنها الجيش الوطني المدعوم من تركيا، و"جيش سوريا الحرة" المدعوم من التحالف الدولي، إلى جانب فصائل من درعا والسويداء.
- أُعلن عن تفويض الشرع بتشكيل "مجلس تشريعي مؤقت" للمرحلة الانتقائية، "يتولى مهامه إلى حين إقرار دستور دائم للبلاد ودخوله حيز التنفيذ". كما أعلن عن حلّ جميع الفصائل العسكرية، بما في ذلك "هيئة تحرير الشام" التي كان يرأسها الشرع ودمجها بمؤسسات الدولة.
- أعلن عن إلغاء العمل بدستور سوريا سنة 2012، وإيقاف العمل بجميع القوانين الاستثنائية، وحل مجلس الشعب، المشّكل في عهد نظام بشار الأسد، واللجان المنبثقة عنه، وحل الجيش وإعادة بنائه على أسس وطنية، وحلّ جميع الأجهزة الأمنية، بفروعها وتسمياتها المختلفة، وجميع الميليشيات التي أنشأها، وتشكيل مؤسسة أمنية جديدة تحفظ أمن المواطنين.
- أُعلن عن حلّ حزب "البعث العربي الاشتراكي"، وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وما يتبع لها من منظمات ومؤسسات ولجان، كما يُحظر إعادة تشكيلها تحت أي اسم آخر، وذلك على أن تعود جميع أصولها إلى الدولة السورية.
- جاءت قرارات "إعلان النصر" بعد مرور 52 يوما على سقوط نظام بشّار الأسد في 8 ديسمبر 2025، وتحسم عددا من الملفات أهمها الدستور القديم، ووضع الجيش والأجهزة، ومصير البرلمان، وحزب البعث، كما توفّر هيكلا للدولة ووجها ممثلّا لها لدى المحافل الدولية. وتَعِدُ القرارات بهيئة تشريعية مؤقتة.
-الأرجّح أنه تمّ الاستعاضة من خلال هذه القرارات، عن مخرجات المؤتمر الوطني الذي تحدثت أنباء عن تأجيله لصالح قرارات يحسمها اجتماع الفصائل لتطوير هياكل الفترة الانتقالية. وقالت مصادر مختلفة، ان الغاء فكرة مؤتمر الحوار الوطني، جاء على خلفية خلافات بين الفصائل المختلفة، وصعوبة الاتفاق عن تركيبته وطبيعة تمثيله.
- يسود الاعتقاد في العاصمة دمشق، أن نقاشا داخليا مدعّما بتجربة التواصل مع العواصم الإقليمية والدولية دفع إلى التعجيل بتقديم شكل من أشكال الشرعية الممثلة للدولة السورية، بإمكانها اتخاذ وضع قانوني للتعامل مع المجتمع الدولي ومنظماته، وأن أمر هذه الضرورة جاء بناء على نصائح خارجية.
-اتّخذت هذه القرارات بعد يومين على قرار الاتحاد الأوروبي رفعا لبعض العقوبات عن سوريا، وبعد ساعات على وصول وفد أوروبي إلى دمشق، وعشية زيارة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، للعاصمة السورية كأول زعيم دولة يزور سوريا بعد سقوط نظام الأسد، وعلى بعد أيام من زيارة مرتقبة للشرع إلى السعودية.
- لاحظ باحثون أن كافة البيانات العربية والدولية طالبت دمشق بحكومة تمثل كافة مكوّنات الشعب السوري للتعامل مع الواقع الجديد وضمان رفع العقوبات. ولم تأت هذه البيانات على ذكر كلمة ديمقراطية، بما أوحى بترك الأمر للسوريين في تقرير ذلك. -الأمر يعني أن الشرع ذاهب إلى "تعيين" حكومة وهيئة تشريعية تلبي هذا المطلب من خلال أجسام تشمل أسماء متنوعة المكوّنات، خصوصا أنه سبق أن قدّر أن لا انتخابات قبل 4 سنوات.
- تؤهّل القرارات الجديدة سوريا لاستعادة كافة مقاعدها التمثيلية داخل المنظمات الإقليمية والدولية والأممية، وتتيح للشرع حضور القمم العربية والإسلامية واجتماعات الهيئات الدولية والأممية الأخرى، علما أن ذلك قد يحتاج لدى بعض العواصم الدولية إلى رفع اسم الشرع عن لوائح الإرهاب.
- يعتقد أن زيارة الشرع المرتقبة، كرئيس للجمهورية، إلى السعودية ستقدم جرعة شرعية للشرع لدى العواصم العربية والإسلامية والدولية، وقد تجدّ لها، بدعم وتوسّط الرياض، صدى مرحبا لدى إدارة الرئيس دونالد ترامب في واشنطن.
- تعرّض قرار تعيين الشرع رئيسا إلى هجمات عبر وسائل الإعلام الاجتماعي من قبل القوى المدنية والديمقراطية وكذا من أنصار النظام السابق، وانتقادات من قبل بعض منابر المعارضة السورية، وتحفّظات، نقلتها الفضائيات العربية لوجوه داعمة للشرع متخوفة من الانزلاق نحو ديكتاتورية جديدة على حدّ وصفها، خاصة بعد تركز كل السلطات بيد الرئيس الجديد.
خلاصة:
**يُعتقد أن تقويما داخليا سوريا، بشأن إعادة تشكيل السلطة في سوريا، عجّل باتخاذ قرار تعيين الشرع رئيسا لسوريا مدعوما بسلسلة قرارات تنهي العمل بهياكل النظام السابق الدستورية والعسكرية والأمنية والحزبية.
**يُرجح أن قراءة داخلية وخارجية للوضع السوري السياسي والاقتصادي والأمني دفع باتجاه التعجيل بتوفير واجهات قانونية تمثل الدولة السورية في تعاملها مع العالم والمؤسسات والمنظمات الدولية وتُسهّل قرارات رفع أو تخفيف العقوبات.
**جاءت هذه القرارات بعد زيارات وفود عربية ودولية إلى دمشق، وجولة وزير الخارجية السوري لدى بعض العواصم العربية، بما يعني أن القرارات ليست بعيدة عن نتائج هذه الاتصالات.
**لوحظ أن المطالب العربية (بيان العقبة) والبيانات الصادرة عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن طالبت القيادة السورية بتمثيل كافة مكوّنات الشعب السوري من دون أن تفرض عليها انتهاج نظام ديمقراطي.
**التقدير الذي يشيعه انصار الشرع ، أنه يتجه لتشكيل هيئة تشريعية أوسع تمثيلا، وإلى حكومة انتقالية تشمل وجوها متعددة المكوّنات.
**جدير ملاحظة أن القرارات الجديدة جاءت بعد يومين على رفع الاتحاد الأوروبي بعض العقوبات عن سوريا، وعشيّة زيارة أمير قطر لسوريا كأول زعيم دولة يزور دمشق بعد سقوط نظام الأسد، وقبل أيام من زيارة مرتقبة للشرع إلى السعودية.
**سيمثل الشرع سوريا في القمم العربية والاسلامية والدولية، وقد يحتاج حضوره في بعض العواصم الغربية لرفع اسمه عن لوائح الإرهاب.
**التقدير أن زيارة الشرع للسعودية، بصفته رئيسا للجمهورية، تمنحه من بوابة الرياض شرعية أكبر لدى الدائرتين العربية والإسلامية، وتسهّل تدخلا محتملا للسعودية لصالحه وصالح سوريا لدى إدارة ترامب في واشنطن.
** يبقى الوضع في سوريا بحكم المؤقت والقابل للتغيير، بفعل عدد كبير من العوامل وفي مقدمتها حل الازمة مع المكون الكردي الذي يسيطر على الشرق السوري، بثرواته من النفط والغاز والسدود المائية الضرورية لسد حاجة البلاد من الكهرباء، وكذا حل المشاكل المعيشية العاجلة، وسرعة دوران عجلة اقتصاد البلاد.