عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Apr-2021

تجليات قانونية*د.نهلا عبدالقادر المومني

 الغد

تجليات فكرة العدالة والتماس مختلف السبل المؤدية إلى طريقها، والفهم العميق لفلسفة القانون ودوره في بناء دولة الحق، شكلت دومًا هاجسًا لدى المفكرين والفقهاء عبر التاريخ، وظهرت تجلياتها في مواضع عدة أشير إلى جزء يسير منها:
أولًا: في السياق التاريخي، كان القاضي (البريتو) عند الرومان يستنجد بفكرة الإنصاف والعدالة من أجل تحرير النصوص القانونية من رتابتها وحرفيتها وجمودها عند تطبيق القانون، وبخاصة عند تطبيق قانون الألواح الإثني عشر وذلك حتى تكون القرارات المتخذة استنادًا له أكثر عدلًا وإنسانية. وقد يكون التشريع الروماني عمومًا صاحب الفضل عندما منح القضاء صلاحيات استثنائية في تفسير النصوص وفي بعض الحالات إهمالها إذا تبين له أنها لا تتلاءم مع مبادئ العدالة والإنصاف، وإن كانت هذه الفكرة تمّ إساءة استخدامها في العديد من الحالات، إلا أنّ هذا النهج ترك أثرًا عميقًا في التشريعات الحديثة وفي اعطاء مبادئ العدالة والانصاف حيزا في التشريع تحسبًا لجمود النصوص وصرامتها وغموضها أحيانًا.
ثانيًا: في كتابه فلسفة القانون تناول روبرت ألكسي العلاقة بين القانون والأخلاق. وفي معرض بحثه لهذه العلاقة عرض ألكسي للمادة (20) من الدستور الاتحادي الألمانيّ والتي تنص في الفقرة الثالثة منها على أن السلطة القضائية والسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ترتبط بالقانون والحق طبقًا للدستور.
هذا النص القانونيّ كان الطريق المؤدي إلى بعض الأحكام الصادرة عن المحكمة الاتحادية الألمانية التي لم تتقيد بالنصوص الواردة في بعض القوانين لمخالفتها مبدأ الحق. وقد صدقت المحكمة الدستورية قضاء المحكمة الاتحادية معللةً ذلك بأن الحق لا يتطابق مع مجموعة القوانين المكتوبة في بعض الأحيان، ففي مقابل القوانين واللوائح الموضوعة من قبل سلطات الدولة يمكن أن ينشأ في ظل الوقائع أكثر من حقّ يكون مصدره النظام القانوني الموافق للدستور باعتباره مفهوما كليًا عامًا ويؤثر في المقابل على القانون المكتوب بمجمله، وعلى القضاء تقع مهمة إيجاده ووضعه موضع التنفيذ في الأحكام.
ثالثًا: القاضي اللبناني عدنان نعمة في كتابه “ مبادئ العدالة والإنصاف، أصول الفكرة وتجلياتها في الحقلين الإنساني والقانونيّ”، أشار إلى مسألة تتسم بالعمق والأصالة تتمثل في أنّ فكرة الإنصاف والعدالة كامنة في الذات الإنسانية، وهي تشكل الإرادة المتحركة لإيصال الحق إلى صاحبه، ولا يمكن بأي حال فصل العدالة والإنصاف عن الأخلاق؛ ذلك أنّ العدل وعاء أخلاقي. ولربما من أوضح ما تظهر خلاله تجليات مبادئ العدالة والإنصاف في التطبيق العملي عندما يجد من يطبق القانون ذاته أمام غموض في النصوص القانونية وأحيانا عدم كفايتها للوصول إلى الحقيقة أو جمودها أمام المعطيات الراهنة أو وجود مصالح متضاربة تقتضي ترجيح واحدة على أخرى.
هذه بعض التجليات والتأملات القانونية في رحاب فكرة العدالة والإنصاف والحق المؤدية إلى رؤية تشريعية قائمة على بناء مفهوم الأمن القانونيّ لدى الأفراد الذي من شأنه أن يخلق الإيمان الراسخ لديهم بأن القانون جاء حمايةً لهم ولحقوقهم وحرياتهم ولم يأت لينتقص منها بغطاء قانوني شرعيّ مهما خالف القانون النافذ منطق الحق والعدالة.