تصاعد التوترات بين الحوثيين والأميركيين: هل تقود اليمن إلى حرب برية شاملة؟*عادل عودة
الراي
مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر، برز الحوثيون كفاعل إقليمي رئيسي، حيث فتحوا جبهة جديدة في جنوب شبه الجزيرة العربية امتدت تأثيراتها إلى تل أبيب ومدن أخرى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
أدرك الحوثيون الأهمية الاستراتيجية لمضيق باب المندب كممر رئيس للحركة التجارية والإسرائلية، وبدأوا باستهداف السفن المرتبطة بإسرائيل المتجهة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، مما أدى إلى قطع الإمدادات البحرية عنها وخنقها تجاريا كشكل من أشكال الإسناد العسكري والسياسي لغزة.
بدأت العمليات العسكرية للحوثيين بإيقاف سفينة غالاكسي ليدر وإغراق أخرى، مما دفع الولايات المتحدة، خلال عهد الرئيس السابق جو بايدن، إلى شن ضربات جوية على معاقل الحوثيين في صنعاء والحديدة وصعدة. كانت أولى هذه الضربات في 12 كانون الثاني/يناير 2024، إلا أن هذه الإجراءات لم تثنِ الحوثيين عن مواصلة إسنادهم لغزة، وفقًا لتصريحات زعيمهم عبد الملك الحوثي.
تصاعدت التوترات بين الطرفين، حيث كثفت الولايات المتحدة وحلفاؤها الضربات الجوية ضد الحوثيين في اليمن، بينما رد الحوثيون بتكثيف هجماتهم على السفن الأميركية والإسرائيلية والبريطانية. ومع انتهاء ولاية جو بايدن، عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ووعد العالم بالسلام، مشيرًا إلى إمكانية إنهاء حربي أوكرانيا وغزة.
بعد شهر ونيّف من تولي ترامب الرئاسة الأميركية، جرى التوصل إلى هدنة مؤقتة شملت صفقة تبادل أسرى بين الأطراف المتنازعة، مما أدى إلى توقف مؤقت للعمليات العسكرية. توقف الحوثيون عن استهداف السفن، لكن الهدنة شهدت خروقات من جانب إسرائيل، مثل استهداف بعض المواقع وقطع سلسلة توريد الغذاء والدواء إلى غزة، مما زاد من معاناة سكان القطاع، خاصة خلال شهر رمضان.
في الآونة الأخيرة، هدد الحوثيون بإعادة استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل في حال عدم رفع الحصار الغذائي والدوائي عن غزة، والأمر الذي زاد الأوضاع حدة كسر إسرائيل للهدنة وتوجيه ضربات لغزة راح ضحيتها أكثر من 500 شهيد حتى اللحظة.
التصعيد من قبل الحوثيين لم يلقَ ترحيبًا من ترامب الذي خاطب الحوثيين: «انتهى وقتكم»، «وسنمطركم بجهنم»، وتوعّدهم بالإبادة التامة، وأمر قواته بشن ضربات استباقية على مواقع الحوثيين ومخازن صواريخهم.
أسفرت تلك الضربات عن سقوط أكثر من خمسين قتيلًا وعشرات الجرحى في صفوف الحوثيين، مما دفعهم إلى الرد بشن هجمات على حاملة الطائرات الأميركية هاري ترومان، وما زالت الضربات سجالًا حتى الساعة.
السؤال المحوري: ماذا لو دخل الأميركيون حربًا برية ضد الحوثيين؟
في الوقت الحالي، لا توجد نية واضحة لدى الأميركيين أو الحوثيين لدخول حرب واسعة النطاق. لكن السؤال يبقى: إذا اشتدت حدة القتال وتصاعدت التوترات، هل ستضطر الولايات المتحدة للدخول في حرب شاملة ضد الحوثيين؟ وهل ستتمكن من تحقيق نصر حاسم عليهم؟ أم أن الولايات المتحدة ستغرق حتى منكبيها في حرب استنزاف؟
قد تؤدي مثل هذه الحرب إلى تدهور القدرات الأميركية الاقتصادية والسياسية والعسكرية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، مثل التضخم والدين العام، بالإضافة إلى التحديات التجارية المتعلقة بفرض ضرائب متبادلة مع أوروبا وكندا والمكسيك والصين.
في حالة الدخول في حرب برية ضد الحوثيين، فإن التاريخ يشهد على صعوبة تحقيق النصر عليهم. فقد واجه الحوثيون دولًا قوية مزودة بأسلحة متطورة، ولم تتمكن أي دولة من تحقيق نصر مطلق عليهم. يعود ذلك إلى عدة عوامل جغرافية وجيوسياسية، حيث تتمتع اليمن بتضاريس جبلية توفر للحوثيين مخابئ طبيعية يصعب استهدافها من قبل الطائرات أو القوات البرية. كما أن الهيكل القيادي للحوثيين غير مركزي، مما يجعل من الصعب تحديد مواقعهم الرئيسة أو مقارهم العسكرية. علاوةً على ذلك، لا يمكن إغفال الدعم الإيراني الكبير الذي يتلقاه الحوثيون، مما يعز? من قدراتهم العسكرية ويجعلهم قوة يصعب القضاء عليها بسهولة، حيث صرح الرئيس ترامب في التاسع عشر من آذار/ مارس
أنه على إيران يجب أن تتوقف فورا عن إرسال الإمدادات العسكرية إلى الحوثيين وتترك الجماعة اليمنية «تقاتل بنفسها» حسب رويترز.
بناءً على ما سبق، أعتقد أن الحرب ضد الحوثيين لن تكون سهلة للولايات المتحدة أو لهم. ولن يخرج أي طرف من هذه الحرب منتصرًا بشكل كامل. إذا استمرت الحرب على هذا المنوال، سيواجه الحوثيون تحديًا إضافيًا في حال تحول الصراع إلى حرب على جبهتين داخلية ضد الحكومية اليمنية المعترف بها دوليا وأخرى خارجية.
في النهاية، أرى أن الحرب ضد اليمن لن تكون شاملة. الولايات المتحدة ستستمر في توجيه ضربات، كما صرح وزير خارجيتها مارك روبيو قبل بضعة أيام، حتى يوقف الحوثيون استهداف السفن ويوقعون تعهدًا بذلك. لذا على المدى القريب، لا أتوقع حربًا برية شاملة ضد الحوثيين، خصوصًا وأن ترامب ما فتئ يسوق لنفسه على أنه رجل سلام. بدلاً من ذلك، سيكون التركيز على استمرار الضربات ضد معاقلهم بهدف إضعافهم ووقف القيود التي يفرضونها على سلاسل التوريد والإبحار عبر مضيق باب المندب.
الحرب البرية ضد الحوثيين ستكون مغامرة محفوفة بالمخاطر للولايات المتحدة، وقد تؤدي إلى استنزاف مواردها العسكرية والاقتصادية دون ضمان تحقيق نصر حاسم. في المقابل، سيُجبر الحوثيون على مواجهة تحديات كبيرة إذا تصاعدت المواجهات.
ومع ذلك، يبدو أن الحل الدبلوماسي الذي يشمل الوضع القائم في غزة والضغوط السياسية قد تكون الخيار الأكثر واقعية لتجنب حرب شاملة قد لا يخرج منها أي طرف منتصرًا.