عاصفة الأخبار اليومية.. تأثيرات نفسية مقلقة ترهق الأطفال والمراهقين
الغد- رشا كناكرية
أخبار لا تتوقف، مليئة بالدمار والجرائم والحروب؛ هذا ما يبث اليوم عبر الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي، فالعالم أصبح قرية صغيرة وأخباره أشبه بساحة يتجول بها الجميع مع السرعة وسهولة الوصول.
ولكن هنالك ضريبة لكل ما هو متاح؛ فأطفال اليوم والمراهقون ليسوا بمعزل عن سيل هذه الأخبار، خصوصا أنهم من أبرز رواد مواقع التواصل الاجتماعي التي غدت من أكبر وأسرع المصادر لمعرفة آخر المستجدات.
وأظهرت دراسة حديثة أن نصف المراهقين حول العالم ممن تراوح أعمارهم بين 13 و17 عاما، يقضون معظم وقتهم على مواقع التواصل الاجتماعي مثل "يوتيوب" و"إنستغرام" و"سناب شات" من خلال هواتفهم المحمولة والأجهزة اللوحية.
ووفقا لإحصائية نشرها مركز "بيو" للأبحاث مؤخرا، فإن 9 من كل 10 من أولئك الأطفال (90 %)، قالوا إنهم يستخدمون "يوتيوب"، في حين قال 6 من كل 10 (60 %) إنهم يستخدمون "تيك توك" و"إنستغرام"، بينما قال 55 % منهم إنهم يستخدمون "سناب شات"، فيما يستخدم نحو 32 % "فيسبوك"، و23 % يستخدمون "واتس أب".
تلك الأخبار لها وقعها وأثرها الكبير، خاصة على الأطفال والمراهقين الذين ما يزالون في مرحلة نمو بالشخصية، حيث يتأثرون بهذه الأخبار اليومية ويكون له وقعها المختلف وتترك أثرا على المجتمع.
كيف يتعامل الأهالي؟
وبين الأثرين الإيجابي والسلبي، يبقى السؤال: ما الأثر الذي تخلفه الأخبار اليومية على الأطفال والمراهقين، وكيف تتعامل معه العائلات والمجتمع ككل؟
تبين خبيرة علم الاجتماع فاديا إبراهيم، أن الأخبار لها أثرها الكبير على المجتمع، فهي من تشكل الرأي العام والوعي الجمعي وتوسع آفاق المعرفة لدى أفراد المجتمع وتجعلهم على اطلاع كامل بالأحداث الجارية وما يدور حولهم. وتضيف أنها سبب للنقاشات العامة وتشكيل الآراء واتخاذ القرارات، كما تعزز من نقل المعرفة وزيادة ثقافة أبناء المجتمع وتعزز التواصل إن تم على أسس صحيحة ومنطقية.
ومن جهة أخرى، تشير إبراهيم إلى أنه إذا تم استخدام هذه الأخبار والتعاطي معها بشكل سلبي، فإن لهذا السلوك آثار سيئة على المجتمع ككل عموما وعلى الأفراد بشكل خاص، لأنها قد تنشر القلق والفوضى والخوف، مما يؤثر سلبا على الاستقرار المجتمعي.
وتوضح إبراهيم أن الأخبار اليومية تساعد الأطفال والمراهقين على التعبير عما بداخلهم والتواصل مع ما يحدث على النطاق المحلي ومن تفصلهم عنهم مسافات طويلة. وتبين أنها تعلم الأطفال والمراهقين كيف يواجهون مواقف الحياة الصعبة، وتساعدهم على الاطلاع على الآراء والنقاشات، حيث تشجع على التحدث بصراحة عن مواضيع من حقول مختلفة، مثل السياسة، الثقافة، الاقتصاد، الطب وغيرها.
مراقبة المحتوى الإخباري
ووفقا لذلك، تؤكد إبراهيم ضرورة مراقبة المحتوى الإخباري الذي يشاهده الأطفال والمراهقون والأنشطة عبر الإنترنت المرتبطة بتلك الأخبار، إضافة إلى مراقبة مقدار الوقت الذي يستغرقه الأطفال والمراهقون في متابعة الأخبار.
والأهم؛ مراعاة العوامل النفسية، بحسب إبراهيم، كمستوى النضج وأي حالات مرتبطة بالفروقات لديهم والأخذ بعين الاعتبار ظروف الحياة الشخصية، بما في ذلك العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية لهؤلاء الأطفال والمراهقين.
وتشدد على أهمية وضع القواعد والحدود حسب الحاجة، حيث تساعد على تجنب تأثير الأخبار السلبية على الأنشطة اليومية للأطفال والمراهقين أو على تحصيلهم الدراسي أو النوم أو الطعام أو الواجبات المنزلية.
وتؤكد إبراهيم أهمية التوعية من خلال المدرسة والمؤسسات التعليمية لتعليم وتوجيه الأطفال والمراهقين كيفية التعامل مع الأخبار اليومية وتعريفهم بالمصادر الأساسية والسليمة لمتابعة الأخبار.
وتحذر إبراهيم أنه إذا لم يتعامل الأطفال والمراهقون بشكل سليم مع الأخبار اليومية، فإن الأثر البعيد على المجتمع يتمثل في تزايد مشاكل الصحة النفسية، كالقلق والاكتئاب، وانخفاض التحصيل الدراسي، وعزوف الشباب عن تأسيس أسر وشركات، مما يؤثر بشكل كبير على النمو الاجتماعي والاقتصادي.
إلى ذلك، زيادة الوعي الزائف وانتشار الأخبار الكاذبة، والتعرض لمحتوى إخباري غير لائق ومتطرف، ومخاطر أمنية، مثل الابتزاز أو الوقوع في فخ الجماعات المتطرفة، كما قد تتسبب الأخبار في العنف والعدوانية من خلال الميل لتقليد السلوكيات العدوانية أو العنيفة التي يشاهدونها، أو التعبير عن مشاعر سلبية، وهذا بدوره قد يخلق شخصيات حاقدة ناقمة على مجتمعاتها، مما يهدد السلم المجتمعي.
احتماليات القلق ومشاكل النوم
المتخصصة في الإرشاد النفسي والتربوي في الجامعة الهاشمية الدكتورة سعاد غيث، تبين أن الأطفال والمراهقين في هذه المرحلة النمائية يتسمون بحساسية عالية للمثيرات والمنبهات الخارجية والانفعالات الجماعية.
وتوضح أن كثرة التعرض وبشكل مستمر لهذه الأخبار المليئة بالعنف والصدمات والكوارث تؤدي إلى أن يفرز الجهاز العصبي السمبثاوي "جزء من الجهاز العصبي اللاإرادي" هرمون التوتر الذي يزيد من احتماليات القلق ومشاكل النوم والشعور بـ"العزل المكتسب"، بمعنى أنه يشاهد ولكن ليس بيده شيء ليفعله.
وتذكر غيث أن بعض الدراسات أكدت أن المراهقين الذين يتابعون أخبارا سلبية باستمرار من دون توجيه أو تفسير لها، قد يتعرضون للصدمة ويصبح لديهم اضطراب ما بعد الصدمة، وقد يعانون من مشاكل في الانتباه والتركيز واستذكار دائم للأحداث والمشاهد وقلق وترقب.
وتفسر غيث أن المشاهدة المستمرة قد تخلق عند المشاهد صدمة تسمى "الثانوية أو التبادلية"، وهي شبيهة بـالأعراض ذاتها التي يتعرض لها الشخص الذي تعرض لصدمة، لكنه فقط مشاهد، وتقول "المشاهدة فقط قد تجعله يعاني الأعراض ذاتها، وهذا الأمر خطير".
غياب الدعم الوالدي
وتبين غيث أن هذه التأثيرات تتفاقم في غياب الدعم الوالدي والتوجيه الأسري والمدرسي، مؤكدة أن التأثيرات السلبية تحدث في غياب من يوجه الأطفال والمراهقين أثناء مشاهدتهم الأخبار وتعرضهم المستمر لها، سواء عبر التلفاز أو السوشال ميديا.
وتوضح غيث أنهم إذا افتقدوا التوجيه، التعبير، والتفكير الناقد، فهم بذلك يعالجون الأمر في أدمغتهم بطريقة قد تكون غير سليمة أو غير صحيحة، ويترتب عليها أعراض سلبية، فقد تصبح لديهم حالة تبلد انفعالي، ويصبحون أشخاصا متشائمين أو لديهم نزعة عدوانية.
ومن جهة أخرى، تذكر غيث أن الدراسات، كذلك، تحدثت عن جانب إيجابي، بمعنى أن هذه المشاهدة قد يكون لها تأثيرها المحفز والإيجابي، بشرط أن يكون هنالك من يوجه هذا الطفل أو المراهق، بمعنى مناقشة الأحداث معه، والسماح له بأن يفكر ويتأمل وينتقد.
أيضا؛ أن يتم توجيه أسئلة ناقدة، مثل "هل تعلم لماذا هذا حدث؟ ماذا يمكن أن يترتب على مثل هذا الأمر؟ وماذا تستطيع أن تفعل؟"، وإخبار الطفل بأن يحول مشاعره وعاطفته الهادئة القوية تجاه الحدث أو أي إنسان مستضعف في هذه الأرض، وكيف يمكن أن ينتصر له، فبذلك يوجه الطفل لأن يتحلى بالأخلاق، ويكون لديه صبر وألا يغضب، لأن الغضب قد يؤدي لكثير من الجرائم. هذا معنى التفكير الناقد، فهو فرصة جيدة لإيجاد الجانب المشرق من هذه الأحداث، وتوعية الأطفال تجاه مجتمعهم وأمتهم وأوطانهم، وللإنسانية عموما.
هذا، وقد أكدت دراسة جامعة ستانفورد العام 2022 أن التفاعل الوجاهي بين الآباء والأبناء يعزز مهارات التعاطف وتنظيم العواطف بنسبة تزيد بـ30 % على أي تواصل عبر الأجهزة.
وتوكد غيث أن المدرسة لها دور عبر وجود معلمين يشجعون، يحفزون، ويناقشون، وهذا يزيد الوعي بالتعامل مع هذا المحتوى بطريقة صحية وإيجابية.
وتشدد غيث على أن الدور الأهم للأسرة هو تقنين وقت التعرض لهذا المحتوى، مبينة أن الطفل يمكنه أن يكون على اتصال بالعالم ويفهم ما يحصل، ولكن ليس مطلوبا منه أن يكون متابعا لكل حدث، مع أهمية اختيار المصدر الصحيح للخبر والتمييز بين مصادر الإعلام التي يمكن الوثوق بها.