”عدوى“ التعلیقات السلبیة.. تنتشر علی منصات التواصل
دیمة محبوبة
عمان-الغد- اعتادت الثلاثینیة نبیلة نصر متابعة صفحات مواقع التواصل الاجتماعي صباح كل یوم، لكنھا لم تتوقع أن تقرأ ھذا الكم الكبیر من الحقد والكراھیة من خلال التعلیقات السلبیة التي ترد على تقول نصر ”قد لا یعني الشخص المعلق موضوع المنشور، لكنھ یسارع تلقائیا نحو إضافة تعلیقھ السیئ المشابھ لانتقادات وتعلیقات الآخرین، ویلیھ الأصدقاء بالردود ذاتھا أو ”أقوى“ وھكذا“.
وتذكر مثالا في ذلك، بأنھا قامت في إحدى المرات بكتابة منشور حول رأیھا بـ“العنصریة والتحیز والتعلیقات المسیئة“، وأھمیة أن یتضمن محتوى المنشورات كلمات السلام والمحبة بعیدا عن الكراھیة والبغض، فلم یكن من أحد الأصدقاء سوى التعلیق بأنھا تتحدث بشكل غیر منطقي، وكلامھا عبارة عن تنظیر، ویراھن بأنھا في أول موقف ستظھر على حقیقتھا!
وتتابع ”أن المفاجأة لم تكن من ھذا التعلیق فقط، وإنما من أصحاب الردود الأخرى الذین تضامنوا معھ، ومنھم أصدقاء لھا“، على حد تعبیرھا، حتى أن التعلیقات وصلت إلى التطاول الحقیقي على شخصھا، ونعتھا بألفاظ نابیة!
ویعترف سیف محمد أنھ حینما یقرأ ”منشورا“ معینا حول قضیة ما، أول ما یفعلھ ھو قراءة التعلیقات في الأسفل، ویتأثر بحسب الاتجاه الظاھر سواء سلبیا أو إیجابیا، ویختار تعلیقھ بناء على ذلك.
ویبرر سیف أنھ، وإن كان مقتنعا برأي آخر، إلا أنھ ”یخشى“ كتابتھ، فیصبح عكس التیار، لذلك یفضل أن یبقى بمنطقة الأمان، والتعلیق بطریقة الآخرین، وإن كانت سلبیة، وفیھا لغة جارحة، على حد وصفھ.
ویؤكد سیف أنھ لیس الوحید الذي یتبع ذلك، فھناك العدید من الناس یتبعون نھجھ، ولا یحاولون نشر الآراء الإیجابیة، مبینا ”حتى لا یتعرضوا للانتقاد أو الھجوم بكلمات مسیئة عبر ھذه الصفحات“.
ویتفق الخبراء على أن البعض ینتھج التعلیقات السلبیة، والتعبیر عما یجول بفكر الآخرین ولیس فكره، وكأنھم قطیع یسیر بالاتجاه ذاتھ مسیرین لا مخیرین.
ویؤكدون أن البعض یصل إلى مستویات متدنیة، وغیر لائقة، وجارحة في كثیر من الأحیان في التعلیقات؛ إذ أصبحت الیوم ظاھرة متداولة في مواقع التواصل الاجتماعي.
في حین یجد علاء مھیار بأن من یتبع ھذا الأسلوب من التعلیقات والانسیاق لما یریده الآخرون، ما ھو إلا شخص غیر مثقف وعدیم الثقة بذاتھ، ولا یجید التعبیر عن رأیھ، أو حتى یخاف أن یصبح ”منبوذا“ في المجتمع، وعلیھ یمشي وراء القطیع، بحسب وصفھ. ویؤكد المعلم كمال تیسیر أنھ الكثیر من التعلیقات السلبیة والجارحة واجھتھ أثناء إضراب المعلمین
الذي انتھى مؤخرا، مستغربا من حجم الكراھیة والحقد الدفین الذي كان یواجھھ على مر الأیام تلك، موضحا أن احترام الآخر ورأیھ یغیب عن فئة كبیرة.
اختصاصي علم الاجتماع د. محمد جریبیع، یؤكد أن ما یخرج من الشخص ما ھو إلا نتاج التربیة والبیئة الاجتماعیة التي یتربى علیھا، لكن ما یحدث الیوم على مواقع التواصل الاجتماعي ما ھو إلا نتاج الانسیاق والخوف من الحدیث بصراحة وترجیح العقل.
ویضیف، أنھ كثیرا ما یلاحظ أن الآراء تكون متشابھة في قضیة ما، أو موجھة في سیاق معین، ویجد المخالف لھذا الرأي أن حملة شرسة من الممكن أن یتم نسخ ما كتبھ والسخریة علیھا، بل
وإقامة حملات سخریة والبحث عنھ، وعن أخطائھ من قبل وعرضھا، وصولا للأمور الشخصیة لدیھ، ما یجعلھ فعلا مھددا بالفضیحة والتسلط علیھ.
ویؤكد أن الكثیرین یختصرون ذلك، إما بالصمت أو الانسیاق وراء الآخرین، لتواجدھم الدائم على الشاشة والھوس بالسوشال میدیا.
اختصاصي علم النفس د. موسى مطارنة، یبین أن ما یشھده العالم من تلقي قضیة أو حادثة سیئة كل یوم أثر كثیرا على المضمونین النفسي والأخلاقي المجتمعي، ما جعل الجمیع یشعر بأن من حقھ أن یبدي رأیھ بشكل واسع، حتى وإن كان بعیدا عن الحیاد أو المنطقیة.
وما نراه الیوم الكثیر من الھجوم والقدح والذم حتى على أناس لا یعرفونھم، ھو تعبیر عن شيء غیر مرغوب بھ، إما من كبت اقتصادي أو حكومي أو اجتماعي أو جمیعھا، وفق مطارنة، لكن الغریب ھو انسیاق الجمیع لرأي واحد، وھو رأي سلبي، ما یجعل الأمر یندرج تحت بند التبعیة.
ویرى أن الرأي الموضوعي لا یأتي بالصدى المطلوب لمن لدیھم الھوس بالمشاركة والوجود الدائم في كل القضایا التي تعنیھم أو لا.
ویلفت إلى أن الرأي السلبي یأتي بالضجة المطلوبة حتى أن الكثیر من المشاھیر على السوشال میدیا عرفوا عن طریق ھذا النھج، وباتوا متابعین لاستفزازھم الجمھور حتى أن شریحتھم باتت أكبر، ویتناول الجمیع آراءھم ویتناقشون بھا، ویمكن أن تكون مادة نقاشیة زخمة على السوشال میدیا، فینسى الآخرون الموضوع الأساسي.
ویضیف ”وعلیھ یترك ھذا التعلیق السلبي البعید عن المنطق واحترام الآخر بصمة أقوى، ولھ أثر ویتردد على الكثیر من الألسن في حال لو قیل ما ھو موضوعي أو إنساني“. ویعتبر مطارنة أن مجتمع السوشال میدیا لا ضوابط لھ، ولا یعبر إلا عن آراء بعض من مرتادیھ، ویمكن أن تصدر عن أشخاص لا یمتلكون الخبرة والتجربة، على عكس الحیاة الحقیقیة التي یضبطھا وجوب احترام الكبیر والخجل والإحراج من فقد الأحبة في حال التمادي في الطرح، وإثبات وجھات نظر محرجة للطرفین.