عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    07-Dec-2019

من سيقول الحقيقة عن الصحافة الحرة؟

 

مجلس التحرير – (نيويورك تايمز) 30/11/2019
 
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
الغد- يجيء صعود وصف “الأخبار المزيفة” واستخدامه كسلاح في لحظة محفوفة بالمخاطر مسبقاً عندما يتعلق الأمر بتوفير المعلومات في كل مناطق العالم كما هي حقاً. وتتآكل الأسس المالية لوجود الصحافة المستقلة تحت تأثير الإنترنت، الذي أصبح في الوقت نفسه قناة عالمية للأكاذيب الخبيثة. ويصبح من الأصعب باطراد على أي شخص أن يعرف أي قصص هي التي ينبغي أن يصدقها. وإن عالَماً لا تستطيع فيه الحكومات والمواطنون الاتفاق على مجموعة مشتركة من الحقائق هو عالم لا يزدهر فيه سوى الأكثر قوة.
 
* *
“اختلاق الأخبار المزيفة لاجتذاب الانتباه ومقل العيون هو خدعة معتادة لصحيفة ’نيويورك تايمز‘ الأميركية، وقد عانت هذه الصحيفة من أزمة مصداقية بسبب تزييفها”. هكذا أعلنت الحكومة الصينية بعد أن نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأخبار هذا الشهر عن وثائق حكومية تتناول تفاصيل اعتقال اليوغور والكازاخ وغيرهم من المسلمين في منطقة شينجيانغ الشمالية الغربية.
من كان ليظن أن التاريخ يدّخر لنا مثل هذا التطور الضار في مخازنه؟ كما كتب المؤرخ تيموثي سنايدر في “نيويورك تايمز”، ابتكر أدولف هتلر والنازيون شعار “Lügenpresse” -الذي يُترجم إلى “الصحافة الكاذبة”- لتشويه سمعة الصحافة المستقلة. والآن قام بنفض الغبار عن هذا التكتيك رئيس أميركي، دونالد ترامب، الذي تبنى مصطلح “الأخبار المزيفة” عندما كان مرشحاً رئاسياً، واستخدمه مئات المرات وهو في المنصب.
هكذا حدث، بعد مرور جيل بالكاد على مقتل ملايين اليهود في معسكرات الموت النازية، وأن أصبح مصطلح “الأخبار المزيفة” يُستخدم بوقاحة من قبل نظام قمعي آخر يعمل ضد أقلية أخرى، للتستر على وجود معسكرات السجون التي تضم الآلاف من المسلمين.
من المؤكد أن السيد ترامب لم يكن يقصد مثل هذا. إنه ليس شخصاً استراتيجياً أو إيديولوجياً بشكل خاص. وهو يميل بدلاً من ذلك إلى العمل بدافع المصلحة الشخصية أو السياسية، وفي الغالب استناداً إلى ما يعتقد أن مؤيديه الأساسيين في البلاد أو استوديوهات تلفزيون الكيبل يريدونه منه. وعندما يقوم بإعادة القوات من سورية أو يعفو عن مجرمي حرب، فمن الآمن افتراض أنه لا يفكر في توازن القوى طويل الأجل في الشرق الأوسط أو في سمعة ومعنويات الجيش الأميركي. إنه يناور، كما كان دائماً، من أجل تحقيق ميزة سياسية فورية ملحوظة.
وكذلك هو الحال مع هجماته على وسائل الإعلام. إن السيد ترامب يحب الإعلام. وكان قد رعاه وتغذى عليه منذ أن بدأ أول الأمر في ابتكار نفسه كشخصية من المشاهير في السبعينيات. لكنه كان بحاجة إلى وسيلة ليشرح لأتباعه سبب وجود الكثير من مما يتكشف بطريقة مزعجة عن مسؤولي الإدارة غير الأكفياء، ووعود الحملات المنكوثة وتعاملات عائلة ترامب مع نفسها. وقام الآن بتغريد مصطلح “أخبار زائفة” أكثر من 600 مرة.
عندما يعمد رئيس أميركي إلى مهاجمة الصحافة المستقلة، فإن المستبدين يهرعون إلى تقليده وتعقب خطاه. وقد استخدم العشرات من المسؤولين في جميع أنحاء العالم -بمن فيهم قادة الديمقراطيات الأخرى- هذا المصطلح منذ أن شرع السيد ترامب في إضفاء الشرعية عليه. لماذا تهتم بالتعامل مع الحقائق عندما يمكنك أن تتظاهر بدلاً من ذلك بأنها غير موجودة من الأساس؟ هذا ما فعلته الحكومة الصينية. وصفت تقرير “نيويورك تايمز” ببساطة بأنه مزيف، على الرغم من أنه كان مستنداً إلى وثائق الحكومة، وأعلنت أنه “لا يستحق الرد”.
باتباع نسخة “المكتب البيضاوي” نفسها، قام مسؤول حكومي رفيع في بوروندي باستحضار مسألة “الأخبار المزيفة” لشرح سبب حظر حكومته لهيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي.). وفي ميانمار؛ حيث تضطهد الحكومة بشكل منهجي أقلية عرقية، الروهينجا، صرح مسؤول حكومي لصحيفة “نيويورك تايمز” بأن وجود وجود مثل هذه المجموعة في حد ذاته هو “أخبار مزيفة”. وتستخدم وزارة الخارجية الروسية صورة ختم أحمر كبير لكلمة “مزيف” في موقعها على شبكة الإنترنت لتميّز به تقارير الأخبار التي لا تحبها.
وأصدر الأردن قانوناً يسمح للحكومة بمعاقبة الذين ينشرون “أخباراً كاذبة”. وسجنت الكاميرون بالفعل صحفيين لنشرهم “أخباراً مزيفة”. وحظرت تشاد الوصول إلى وسائل الإعلام الاجتماعية على مستوى البلاد لأكثر من عام، مستشهدة بـ”الأخبار المزيفة”.
وكما قال شيبارد سميث، المذيع السابق في قناة “فوكس نيوز”، للحضور في حفل العشاء السنوي للجنة حماية الصحفيين، “أصبح تخويف الصحافة وتشويهها الآن ظاهرة عالمية. لا يتعين علينا البحث عن دليل على ذلك”.
نعم، ينبغي أن تخضع الصحافة للتدقيق والتمحيص. ويجب أن تُتنقَد أخطاؤها وأن تُحلل تحيزاتها وتُكشف. لكن السيد ترامب قام بترخيص نهج أكثر خطورة بكثير.
يجيء صعود وصف “الأخبار المزيفة” واستخدامه كسلاح في لحظة محفوفة بالمخاطر مسبقاً عندما يتعلق الأمر بتوفير المعلومات في كل مناطق العالم كما هي حقاً. وتتآكل الأسس المالية لوجود الصحافة المستقلة تحت تأثير الإنترنت، الذي أصبح في الوقت نفسه قناة عالمية للأكاذيب الخبيثة. ويصبح من الأصعب باطراد على أي شخص أن يعرف أي قصص هي التي ينبغي أن يصدقها. وإن عالَماً لا تستطيع فيه الحكومات والمواطنون الاتفاق على مجموعة مشتركة من الحقائق هو عالم لا يزدهر فيه سوى الأكثر قوة.
تعتمد صحة الديمقراطية في الولايات المتحدة وحول العالم على تقديم إجابات أفضل لهذا التحدي. وبدلاً من جعل الأمور السيئة أكثر سوءاً، يجب على السياسيين متابعة البحث عن هذه الإجابات، على سبيل المثال، عن طريق الضغط على شركات الإنترنت الرائدة لتحمل المسؤولية عن الأدوار التي اضطلعت بها بالفعل باعتبارها ناشرة المعلومات الرائدة في العالم. ويتعين على الصحافة القيام بدورها أيضاً، من خلال إلزام نفسها بإجراء محاسبة صريحة ومباشرة عن أي أخطاء ترتكبها، وخوض كفاح لا ينتهي ضد التحيز في الأخبار، والسعي الحثيث إلى الحقيقة.
اتبع بعض الساسة الأميركيين، من ولاية مين إلى ألاباما، مثال السيد ترامب. لكن البعض الآخر كانوا من الحكمة بما فيه الكفاية لمعارضته، ولو بحذر. وقد عرض السناتور ميتش ماكونيل من كنتاكي، زعيم الأغلبية، دفاعاً نادراً، وإن كان فاتراً، عن وسائل الإعلام في آب (أغسطس) 2017. وقال لجمهور من لويزفيل: “وجهة نظري الخاصة هي أن معظم الأخبار ليست مزيفة”.
وفي هذا الشهر، ذهب السيد مكونيل إلى قاعة مجلس الشيوخ لتسليط الضوء على تقارير “نيويورك تايمز” حول شينجيانغ، واصفاً الوثائق التي نشرتها الصحيفة بأنها “كتيب إرشادي عن هذه الحملة الأورويلية لمحو أقلية دينية وإثنية فعلياً في منطقة من المفترض أن تكون متميزة قانونياً عن بقية الصين”.
لقد أصبحت قدرة المؤسسات الإخبارية على إنتاج هذا النوع من الصحافة -والوصول إلى جمهور سيستمع- ضعيفة وهشّة. ولا يظهر السيد ترامب أي علامة على رؤية هذه الصورة الأكبر، أو ربما لا ينطوي على أي اهتمام بها. ولذلك يقع على عاتق البقية منا، وخاصة القادة مثل السيد ماكونيل، قول الحقيقة عن الصحافة الحرة، ومهمة استعادة القيمة لها، سواء كان ذلك في الولايات المتحدة أو في كل ركن من أركان العالم.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
Who Will Tell the Truth About the Free Press?