عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    07-Jan-2019

هل عدلت تركيا عن عمليتها العسكرية المزمعة في سورية؟*بشير عبدالفتاح

 الحياة-بينما تصر أنقرة على مواصلة تعزيز قواتها وتكثيف حشودها العسكرية داخل حدود سورية، بالتزامن مع إعلان الرئيس ترامب نيته سحب القوات الأميركية من شرق الفرات، تتراجع احتمالات تنفيذ العملية العسكرية التركية المزمع تنفيذها في منبج ضد قوات سورية الديموقراطية»قسد»، التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردي، المصنفة إرهابية من قبل الأتراك، عمودها الفقري.

 
 
فعلاوة على التعقيدات السياسية والاقتصادية والجيواستراتيجية التي تحيط بأي تحرك تركي محتمل بهذا الخصوص على مسرح الأحداث وسط الظروف الصعبة والأوضاع القاسية التي ما برحت تلقي بظلالها على الدولة التركية، وبرأسها تطل معطيات وتحديات استراتيجية شتى.
 
فبادئ ذي بدء، أبى الرئيس ترامب إلا التراجع عن قرار سحب القوات الأميركية من سورية في غضون ستين إلى مئة يوم، وتركه المدى الزمني مفتوحاً، وشدد السيناتور ليندسي غراهام على التزام ترامب التأكد من أن أي انسحاب أميركي من سورية لن يتم إلا وفق استراتيجية تضمن عدم الإضرار بالأمن القومي الأميركي من خلال القضاء المبرم على تنظيم الدولة الإسلامية، والحيلولة دون استفادة إيران من الفراغ الجيواستراتيجي الناجم عن ذلك الانسحاب، ثم حماية حلفاء واشنطن الأكراد، وضمان عدم استهداف تركيا لوحدات حماية الشعب الكردية بعد إتمام سحب ألفي جندي أميركي من شرق الفرات.
 
فبعدما أعلن البيت الأبيض يوم 14 كانون الأول (ديسمبر) الماضي عن اتفاق الرئيسين التركي والأميركي على استمرار التنسيق قبل شن أي عمليات عسكرية تركية في شرق الفرات، كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية عن مطالبة ترامب لأردوغان بالعدول عن عملية منبج، فيما أعلن الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية شون روبتسون، رفض بلاده أي إجراء أحادي الجانب لأي طرف شمال شرقي سورية، بينما تم الحصول على تعهد تركي لواشنطن بعدم مهاجمة قوات «قسد» عقب الانسحاب
 
الأميركي.
 
وفي مطلع العام الجاري، صرح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بأنّ الولايات المتّحدة ستبقى ملتزمة بضمان ألا يقتل الأتراك الأكراد في سورية بعد انسحاب القوات الأميركية من شمال البلد الغارق في الحرب فضلاً عن حماية الأقليّات الدينية في سورية.
 
وفي السياق ذاته، يمارس قادة عسكريون أميركيون ضغوطاً من أجل السماح للحلفاء الأكراد بالاحتفاظ بأسلحتهم الثقيلة والمتوسطة التي زوَّدتهم بها واشنطن وحلفاؤها كالصواريخ المضادة للدبابات والعربات المدرعة وقذائف المورتر بغية التصدي لأي هجوم التركي، فضلاً عن مساعدتهم على الاحتفاظ بمكاسبهم الجيواستراتيجية التي انتزعوها بقوة السلاح خلال المعارك بما يعزز موقفهم التفاوضي عند انطلاق التسوية السياسية للأزمة السورية.
 
في غضون ذلك، عمد الرئيس الأميركي إلى توسيع نطاق التفويض الذي منحه لأردوغان الشهر الماضي بالقضاء على «داعش» في سورية. ففي مسعى منه لحماية حلفائه الأكراد وتوزيع الأدوار في محاربة «داعش» على مختلف الشركاء الإقليميين، عهد ترامب إلى العراق بالمشاركة في تصفية جيوب «داعش» داخل سورية. يأتي هذا في الوقت الذي تحاول قوات «قسد» مدَّ جسور التفاهم مع نظام الأسد بوساطة روسية، بموازاة مساعيها الحثيثة لإثبات وجودها وتعزيز مزيتها النسبية الجيواستراتيجية المتمثلة في المساهمة الفاعلة في دحر «داعش» حتى تحتفظ بالدعم الأميركي والدولي السخي لها عسكرياً وسياسياً، حيث أعلنت «قسد» نجاحها في تحرير قرية الكشمة وأجزاء من مدينة الشعفة (112 كم شرق مدينة دير الزور) من سيطرة «داعش»، بدعم من التحالف الدولي وغطاء جوي من مقاتلاته التي شنت غارات كثيفة ضد معاقل التنظيم بتلك المنطقة.
 
وغنيّ عن البيان أن «قسد» لا تحظى بدعم أميركي فحسب، وإنما تتمتع كذلك بمؤازرة من التحالف الدولي لمحاربة «داعش» منذ العام 2015، والذي يقوم بتدريب عناصرها وتزويدها بالسلاح والإسناد الجوي والدعم اللوجيستي، كما يرفض تخلي واشنطن عنها عبر السماح لتركيا، التي توترت علاقاتها بالناتو والتحالف الدولي جراء تعميق تقاربها الاستراتيجي مع روسيا وتقاعسها عن الانخراط في محاربة «داعش»، بأن تنكل بالأكراد أو تقوض الدور الحيوي لقوات»قسد»في الحرب ضد التنظيم الإرهابي.
 
وبعدما أشاد الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، عقب لقائه ممثل منطقة الإدارة الكردية في شمال سورية روج أفا في باريس، بالدور البارز الذي اضطلعت به»قسد» في القتال ضدّ تنظيم «داعش» بدعم من فرنسا والتحالف الدولي، معرباً عن تقديره للتضحيات المادية والبشرية الهائلة التي بذلوها في هذا المضمار، ومحذراً من أي عمل عسكري تركي محتمل ضد «قسد»، بما يضعف من جهود مكافحة «داعش» ويفضي إلى تمدد خطر الإرهاب إلى باقي أصقاع الأرض، شدد الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون، لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، على ضرورة مواصلة الجهود الرامية للإجهاز على»داعش»، وحماية القوات الحليفة المشاركة في تلك الجهود على شاكلة «قسد».
 
وبينما تتلاقى معوقات إتمام العملية العسكرية التركية المرتقبة شرق الفرات، يجد الرئيس أردوغان نفسه في وضع معقد. فهو من ناحية، يحتاج لعملية عسكرية جديدة في سورية يستثمرها انتخابياً كالمعتاد بغية حشد أصوات الناخبين الأتراك لصالحه على مشارف الانتخابات البلدية المرتقبة، فلقد استبق إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية في نيسان (أبريل) 2017، والذي انتهى بإقرار تحوّل تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي بإطلاق عملية «درع الفرات» في 24 آب (أغسطس) 2016 ضد «داعش»، والتي انتهت بترسيخ التموضع العسكري التركي في شمال سورية، فيما استبق الانتخابات الرئاسية المبكرة في 24 حزيران (يونيو) 2018، والتي فاز فيها بنسبة 51.9 في المئة بتدشين عملية «غصن الزيتون» ضد وحدات حماية الشعب الكردية في عفرين يوم 20 كانون الثاني (يناير) 2018، وأسفرت عن احتلال القوات التركية للمدينة السورية.
 
أما اليوم، فيسعى أردوغان من خلال العملية المحتملة في شرق الفرات إلى تعبئة الداخل التركي لمساندة حزب العدالة والتنمية، خلال الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في أزار (مارس) المقبل، خصوصاً بعد ارتباك الموقف الانتخابي للحزب نفسه عقب فض تحالفه السياسي والانتخابي مع حزب الحركة القومية. ومن ناحية ثانية، يبدو إردوغان مكبلاً بتفاهمات أستانة التي تلزمه التنسيق مع روسيا والحرص على وحدة أراضي الدولة السورية، فضلاً عن لعب دور الشرطي الذي أوكله له ترامب، فيما لم يظهر أردوغان جدية في التصدي لـ»داعش»، بينما شن عمليتين عسكريتين ضد المسلحين الأكراد بين عامي 2016 و2018. كما يبقي الرئيس التركي محاصراً بمنافسة إيرانية وعراقية في سورية تبدّت ملامحها في غارات المقاتلات العراقية ضد معاقل «داعش» بالقرب من دير الزور بمباركة من الأسد، الذي استقبل قائد ميليشيا الحشد الشعبي المرتبطة بإيران مبديا ترحيبه بدور عسكري لها داخل سورية.
 
يأتي هذا في الوقت الذي جدد ترامب التزامه حماية الأكراد مناشداً إردوغان عدم استهدافهم،مع بحث إمكانية السماح لهم باستبقاء الأسلحة التي منحتهم واشنطن إياها،ما يعني أن تفويض ترامب لإردوغان بالعمل العسكري داخل سورية يظل مقتصراً على محاربة «داعش» فقط، من دون أن يمتد ليطال المقاتلين الأكراد، الذين اعتبرتهم إدارة ترامب حلفاء واشنطن.
 
تحت وطأة ذلك التزاحم المربك في محاذير إتمام وإنجاح العملية العسكرية التركية المرتقبة ضد المسلحين الأكراد في منبج وشرق الفرات، قد لا تجد أنقرة بداً من استثمار حشودها وتعزيزاتها العسكرية داخل سورية، ليس لشن تلك العملية، وإنما لتلافي أية صدامات أو مواجهات محتملة من خلال استجداء تفاهمات مع الروس والأميركيين ونظام الأسد تتيح للرئيس إردوغان انتزاع تطمينات وترتيبات أمنية تبدد مخاوف الأتراك وتضمن حماية المصالح التركية، ربما يتم التباحث بشأنها إبان زيارة جون بولتون مستشار الرئيس الأميركي ترامب لشؤون الأمن القومي لأنقرة، بحيث تشمل إقامة منطقة عازلة على الحدود التركية السورية، ومنح الشركات التركية حصة، من مشاريع إعادة إعمار سورية ومنطقة شرق الفرات التي تسيطر عليها «قوات سورية الديموقراطية» وتشكل 30 في المئة من مساحة سورية الإجمالية وتضم نحو 90 في المئة من الثروة النفطية بالإضافة إلى 45 في المئة من إنتاج الغاز السورى.
 
كما تلزم قوات «قسد» بالانتقال إلى أقصى شرق الفرات، على نحو ما لاحت إرهاصاته أخيراً في إعلان دمشق انسحاب قرابة 400 مقاتل كردي من منطقة منبج باتجاه الشاطئ الشرقي لنهر الفرات.
 
* كاتب مصري.