عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-Jul-2024

ضمانات نجاح التجربة الحزبية*أ. د. ليث كمال نصراوين

 الراي

تسارعت خلال الأيام الماضية وتيرة الأحداث المحلية المرتبطة بالأحزاب السياسية القائمة وذلك مع اقتراب فترة الترشح للانتخابات النيابية القادمة وبدء إعداد قوائم الناخبين للدوائر المحلية والدائرة العامة. فقد أحالت الهيئة المستقلة للانتخاب إلى النائب العام قضية جزائية تتعلق بشبهات رشوة حزبية، بالإضافة إلى تقديم عدد من الحزبيين لاستقالاتهم الخطية، وإعلان بعض الشخصيات السياسية الوازنة رغبتها بعدم الترشح للانتخابات المقبلة.
 
وقد دفعت هذه التطورات السياسية البعض إلى أن يبدأ بإطلاق الأحكام السوداوية، وأن يستل السيوف والرماح للطعن في عملية التحديث السياسي، والتي هي كأي تجربة أخرى بحاجة إلى فترة من الزمن لكي تنضج وتبدأ عملية قطف ثمارها.
 
إن الثقة السياسية والشعبية بما التزمت به الدولة الأردنية من تغيير للواقع الدستوري على مستوى تشكيل السلطة التشريعية، لا يجب أن يضعفها أو يؤثر عليها شبهة مخالفات جزائية لنصوص قانونية نافذة، والتي هي ليست بمأمن من عدم تجاوزها، وذلك أسوة بباقي التشريعات الوطنية. فهناك قول مأثور لدى العديد من رجال الفقه القانوني مفاده أن القانون يصدر لكي تتم مخالفته أكثر من احترامه، وذلك نظرا للطبيعة البشرية للأشخاص المخاطبين به والخاضعين لسلطانه.
 
كما أن القرارات الفردية لنواب سابقين بعدم خوض غمار الانتخابات القادمة لا يجب أن تُقرأ بأنها اعتراض على واقع سياسي وتشريعي قائم. فهؤلاء السادة قد خاضوا تجربة الانتخابات النيابية في ظل أوضاع سياسية أقل ايجابية من الواقع الحالي ونجحوا لمرات عديدة، إلا أنه لكل بداية نهاية.
 
وبصرف النظر عما تشهده الساحة المحلية من دراما حزبية متوقعة، فإن الأهم هو تسليط الضوء على الضمانات التشريعية والسياسية التي تكفل نجاح التجربة الحزبية في الأردن. فعلى الصعيد التشريعي، نجد بأن الأحكام الناظمة لتأسيس الأحزاب السياسية وحصتها في مجلس النواب القادم بواقع (41) مقعدا نيابيا بحده الأدنى قد وردت ضمن نصوص واضحة وصريحة لا تحتمل اللُبس أو التأويل، وأن الزيادة المضطردة في عدد المقاعد الحزبية في المجالس المتعاقبة ليست مِنّة أو عطية من أحد، بل هو استحقاق تشريعي قد أقره قانون الانتخاب الحالي. فالمادة (71) منه تنص على أن يُراعى عند انتخاب المجلس النيابي الحادي والعشرين أن تكون نسبة المقاعد المخصصة للأحزاب والتحالفات الحزبية ما نسبته (50%) حدا أدنى، وما نسبته (65%) عند انتخاب المجلس النيابي الثاني والعشرين.
 
كما أن ما جرى إقراره من اصلاحات سياسية على مستوى قانوني الانتخاب والأحزاب السياسية تتمتع بحماية دستورية استثنائية، حيث سيصعُب على أعضاء مجلس النواب القادم أو أي مجالس لاحقة المساس بهذه المنجزات الوطنية وذلك بسبب الإجراءات المشددة لتعديل هذه التشريعات. فالمادة (84/3) من الدستور بحلتها المعدلة في عام 2022 تنص صراحة على أن القرارات المتعلقة بإقرار القوانين الناظمة للانتخاب والأحزاب السياسية وتعديلها يجب أن تصدر بموافقة ثلثي أصوات الأعضاء في كلا المجلسين، وذلك اعتبارا من مجلس النواب العشرين.
 
وإلى جانب الاعتبارات التشريعية لنجاح التجربة الحزبية، هناك ضمانات سياسية تتمثل بوجود إرادة عليا ودعم ملكي لفرض الواقع الحزبي واعتباره جزءا من العملية الانتخابية. فهذه الإرادة العليا هي ذاتها التي كانت من الأسباب الرئيسة التي ساهمت في نجاح الحياة الحزبية في الأردن خلال فترة الخمسينيات من القرن الماضي، والتي تكللت بتشكيل حكومة حزبية في تلك الحقبة الزمنية من تاريخ الأردن السياسي.
 
وعليه، فإن ما تشهده الساحة الأردنية هذه الأيام من وقائع سياسية يجب أن يتم النظر إليه على أنه مجرد تقلبات حزبية لكيانات وطنية صغيرة من حيث العمر الزمني وفي مرحلة النمو، فمن الطبيعي أن تتعرض للسقوط وأن تتعثر في بداياتها، إلى أن تقوى ويشتد عودها فتصبح قادرة على تقديم نفسها كعنصر أساسي وهام في العملية السياسية.
 
كما أن كثرة الأحزاب السياسية القائمة يجعل من الطبيعي أن يفشل البعض منها في فرض نفسه لاعبا أساسيا ومهاريا في اللعبة الحزبية وأن يخرج من مضمار التنافس الحزبي. فهذا الأمر من شأنه التقليل من عدد الاحزاب المسجلة حاليا، وأن يدفع الأردنيون إلى التروي والتعقل في المستقبل عند التفكير بإنشاء أحزاب سياسية جديدة.