عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-Dec-2025

الأردن يتهيأ ليكون القلب النابض للطب الصيني في المنطقة*حسن الدعجة

 الغد

تدرس الحكومة الأردنية إقرار مشروع «نظام ممارسة مهنة المعالجة التكميلية»، كخطوة استراتيجية وتاريخية تضع المملكة على خريطة الحداثة الطبية العالمية، لا سيما في مأسسة وتنظيم واحد من أعرق الفنون العلاجية في التاريخ البشري، وهو الطب الصيني التقليدي. إن هذا التوجه الحكومي ينم عن رؤية ثاقبة تدرك أن الرعاية الصحية الشاملة لا تكتمل إلا بدمج الأصالة العلمية المتمثلة في التقنيات الصينية مع الطب الحديث، خاصة وأن هذا الأسلوب العلاجي ليس مجرد ممارسة عابرة، بل هو منظومة طبية متكاملة يعتمد عليها اليوم أكثر من مليار و450 مليون نسمة حول العالم، مما يثبت نجاعتها الفائقة وقدرتها على التعامل مع أعقد الحالات الصحية التي قد تستعصي أحياناً على الحلول الجراحية أو الكيميائية التقليدية.
 
 
إن التقدير الذي يستحقه الطب الصيني ينبع من فلسفته الفريدة التي تعنى بتخفيف آلام المرضى الناتجة عن الأمراض الحادة والمزمنة بطرق رفيقة بالجسد، حيث يتم التركيز على الوخز بإبر مخصصة في أماكن محددة على المواقع السطحية الخارجية من الجسم أو بالضغط عليها. هذا الأسلوب العلمي الرفيع الذي ينظمه التشريع الأردني الجديد يفتح الباب أمام الأردن ليصبح مركز استقطاب عربي وإقليمي رائد، خاصة وأن النظام اشترط مستويات رفيعة من التأهيل العلمي، حيث حصر الممارسة بالأطباء الاختصاصيين في التخدير والعناية المركزة أو الطب الطبيعي والتأهيل، أو الأطباء العامين شريطة حصولهم على تدريب معتمد ومصدق لمدد تتراوح بين ثلاثة إلى ستة أشهر.
ويضمن هذا التنظيم تحويل الممارسة إلى علم طبي رصين يحمي المريض ويحقق أعلى درجات الشفاء، من خلال إلزام المراكز بتوفير تجهيزات طبية دقيقة مثل أجهزة فحص الضغط ومستلزمات الإسعاف الأولي. كما يعزز النظام من مكانة الأردن كوجهة للسياحة العلاجية عبر اشتراط وجود سجلات توثق الإجراءات المتخذة، وضمان تقديم الخدمة من قبل معالجين مؤهلين ومعتمدين من وزارة الصحة. إن هذه الرؤية التشغيلية التي تدمج عراقة الطب الصيني بالرقابة الحكومية الصارمة، تجعل من الأردن نموذجاً يحتذى به في مأسسة العلاجات التكميلية وتوسيع نطاق الاستفادة منها لتشمل قاعدة جماهيرية واسعة تبحث عن حلول علاجية آمنة ومستدامة.
إن التوسع في العلاج بالطب الصيني داخل الأردن يمثل ضرورة ملحة في ظل التحديات الصحية المعاصرة، فإقرار نظام يحدد متطلبات دقيقة لترخيص مراكز متخصصة بالتقنيات الصينية، تتوفر فيها كافة معايير السلامة العامة والتعقيم عبر استخدام أدوات ذات استخدام لمرة واحدة فقط، هو بمثابة إعلان رسمي عن ولادة قطاع طبي يتسم بالموثوقية العالية. هذا التنظيم الدقيق الذي يوجب أن يكون المعالج طبيباً مرخصاً يحمل تصريح مزاولة مهنة رسمياً، يبعث برسالة قوية للعالم العربي مفادها أن الأردن هو الوجهة الأكثر أماناً واحترافية لمن ينشد العلاج بالوخز بالإبر في أماكن محددة على المواقع السطحية الخارجية للجسم. إن اشتراط وجود سجلات لتوثيق الإجراءات وتوفير كوادر مؤهلة من كلا الجنسين لضمان خصوصية المرضى، يعزز من مكانة المملكة كمركز استقطاب إقليمي رائد في هذا المجال الطبي العريق
الحقيقة أن الأسلوب الصيني في العلاج، والذي يمتد لآلاف السنين، أثبت قدرة مذهلة على موازنة طاقة الجسد وتحفيز الأنظمة الدفاعية الطبيعية، وهو ما التفت إليه المشرع الأردني حين عرّف المعالجة بالتقنيات الصينية بأنها وسيلة فعالة لتخفيف آلام المرضى ومعالجة الأمراض الحادة والمزمنة والوقاية منها. إن حصر الممارسة في بيئات طبية مهيأة، تلتزم بالمعايير الطبية والصحية، وتشتمل على غرف معالجة منفصلة للرجال والنساء، ومرافق مجهزة بأحدث وسائل الإسعاف الأولي وفحص الضغط وسوائل تعقيم الخدوش، يجعل من الأردن بيئة مثالية لنمو هذا القطاع. ومع الالتزام بأسس ضبط العدوى واستخدام أدوات لمرة واحدة فقط، سيتحول هذا المجال إلى رافد أساسي للسياحة العلاجية، مما يعزز الثقة العالمية في احترافية مراكز المعالجة التكميلية الأردنية المرخصة وفق أحكام هذا النظام.
يجب أن نمتدح هذه الخطوة الحكومية الرائدة لأنها لم تكتفِ بالاعتراف بهذا الطب العريق، بل وضعته تحت مجهر الرقابة العلمية الصارمة من خلال دراسة والمضي قدما في الخطوات الاساسية لإقرار نظام ممارسة مهنة المعالجة التكميلية وآلية تشكيل «لجنة ترخيص مراكز المعالجة التكميلية»، كما ورد في مشروع النظام. التي تترأسها مديرية ترخيص المهن والمؤسسات الصحية، تضم في عضويتها نخبة من الأطباء الاختصاصيين، ومندوبين صيادلة من المؤسسة العامة للغذاء والدواء ونقابة الصيادلة، إضافة إلى مندوب عن نقابة الأطباء كما ورد في مشروع النظام. هذا التنوع الفني والرقابي يضمن أن تكون الجودة هي المعيار الأساسي، حيث سوف تتولى اللجنة مهام الكشف على المراكز، والتفتيش المستمر لضمان الالتزام بالمعايير، والتنسيب بالعقوبات في حال وجود أي مخالفة.
هذا الإطار القانوني هو الضمانة الحقيقية لتوسيع قاعدة المستفيدين من الطب الصيني في المملكة، وتوفير بدائل علاجية آمنة وفعالة للمواطن الأردني وللأشقاء العرب الذين يتطلعون لخبرات طبية موثوقة. إن النظام يمنح الوزير صلاحية إلغاء الترخيص في حالات محددة، مثل فقدان المركز لأي شرط من شروط الترخيص أو ممارسة مهنة غير المرخص لها، مما يرسخ الانضباط المهني. إن المستقبل يتجه نحو الطب التكاملي، والأردن اليوم بطريقة الى اقرار مشروع النظام، يثبت أنه سباق في تبني الأساليب التي تجمع بين عراقة الشرق وتطور الغرب. ومن خلال العمل تحت إشراف معالج مرخص، يمهد الطريق ليكون الأردن القلب النابض لهذا النوع من العلاجات في المنطقة برمتها، موفراً منصة مؤسسية تحمي المهنة وتصون صحة الإنسان.