عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-Feb-2019

في لقاء تشاوري لمجمع اللغة العربية الأردني مع الإعلام الكركي: الأزمة ليست في (العربية) بل في الأمة
 
عمان-الراي - إبراهيم السواعير اللافتات تزدحم بالعامية.. وواجهات المحلات تحتشد بالحرف الأجنبي لست في إطار تغريم الناس بـ «قانون الحماية» وأراهن على ثقافة الشعب العظيم عدا شذراته المدهشة ولطائفه الغنيّة وشوارد أمثلته الحيّة، شاعراً مبدعاًولغوياً بليغاً وكاتباً فذّاً ووزيراً سابقاً للثقافة والإعلام ورئيساً أسبق للديوان الملكيّ الهاشميّ العامر، ورئيساً أسبق لأمّ الجامعات، الجامعة الأردنيّة، كانت فيوض الأستاذ الدكتور خالد الكركي رئيس مجمع اللغة العربيّة الأردنيّ وتنافذهالإنسانيّ، قد غيّرت من نظرة الإعلاميين لما اعتادوه في وسطهم الثقافي والأكاديميّ من «ورشات» رتيبة، تُتلى توصياتها الجافّة بعد إملاءات «قل ولا تقل» أو"ما ينبغي وما لا ينبغي»،.. فقد عرف الكركيّ كيف يقنع الحضور، بأنّه ليس الغرض من «الورشة"- التي كانت أشبه بندوة كبيرة- أن يثبت أحدنا للآخر جدوى اللغة العربية ومرارة أن يستخدم غيرها في الكتابة والحديث وعلى واجهات المحلات، بل إنّ غاية الورشة كانت في الوصول إلى كلمة سواء أمام تحدّيات صعبة وقاسية باتت تخرج علينا وتدخل إلى أبنائنا عبر نوافذ الهواتف المحمولة؛ فهل الحلّ هو أن يتمترس مجمع اللغة العربية بتقاليده الصارمة أم يتنازل قليلاً أم يعمد إلى توليفة ما تحفز وتنقذ ما يمكن إنقاذه، أم يسير في استقطاب العلماء وفقهاء العربية وأساتذة العلوم الأخرى ذات العلاقة والارتباط ليسير في المهمّة الجليلة التي انتدب جهوده لها منذ تأسيسه في سبعينات القرن الماضي، لنقول إنّ الحياة تسير والمجمع يسير في عمله فلا يستطيع أن يؤثر في الناس والمجتمع ولغة الصحافة والإعلام، لسرعة الوتيرة التي نزداد بها ابتعاداً عن لغة الضّاد وتخففاً من «قيود» المجمع وتعاليمه؟!
التلوث البصري
وقد أبدى المجمع منذ مدة استعداداً مدروساً للتدخّل في حياة الناس والتشارك مع وسائل الإعلام لمنع كل هذا التلوّث البصري الحاصل، وقد لمس ذلك المهتمون في مسابقاته وموسمه وورشاته وانفتاحه ما يجعله متداولاً في الأذهان، فتصل رسالته وهدفه دون أن نشعر بهذا الدخول.
يقول الكركي إنّه حين جاء يكمل رسالة من سبقه من رؤساء المجمع، وتحديداً الأستاذ الدكتور عبدالكريم خليفة، مستذكراً جهوده في العقود الأربعة وهو يبني ويؤسسفي التعريب وفي  المصطلح وفي مجلات المجمع ومنشوراته: حين جئنا نكمل ذلك ونؤسس عليه، كنّا ندرك جيّداً أنّ الأمر ليس في وجود أزمة في اللغة العربية وفي علاقة الناس بها، وقد كتبنا ذلك وعززنا هذا الرأي؛ فالأزمة هي في الأمّة لا اللغة، لذلك انتبهنا إلى الشرط الذي تكون فيه اللغة لغة أمّة، وأن تكون الحريّة حاضرة، وأن يكون الوعي جاهزاً وأن تكون العدالة موجودة، فإذ كان الناس على وعي بأمتهم فهم على وعي بلغتهم مباشرة.
اللغة هوية الأمة
ويؤكّد الكركي أنّ اللغة ليست «كهوية للأمّة"؛ بل هي «هوية الأمّة»، موضّحاً أننا سكبنا فيها وعلى جروحها منذ أول كلمة جاهليّة إلى اليوم كلّ ما لدينا، فهي نحن ونحن هي...
وينتقد الكركي هذا الفصل في معالجة مشكلة اللغة العربية، والتجزيء الحاصل، في مشكلة النحو الوظيفي ومشكلة الأميّة ومشكلة العامية؛ فهذا أمر يتعلق بالأمّة وبالمجتمع، لكنّ الذي جرى هو أنّ مجموعةً من الباحثين من أهل النحو قاموا بذلك، فنحن نتظاهر دائماً بأننا نعرف الإعراب الصعب!... ليس هذا هو الحل، يقول الكركي، مبيّناً أنّ المجمع أخذ اتجاهاً منفتحاً تماماً على الأمر، باعتباره قضية قوميّة، وقضيّة إنسانيّة، فنحن أمّة ننحرف عن ذلك على الإطلاق، وإذا انحرفنا ذهبت العربية، وحين تركنا أمر اللغة العربية لغيرنا ضاعت العربية في الصحراء وتاهت؛ فلا نجدها الآن إلا موجودةً في الملفات القديمة وفي المتاحف!
لغتنا ليست لغةً متحفيّة ولا هي لغة سياحة على الإطلاق كما أنها ليست لغة اقتصاد أو لغة تجارة!.. هي قبل أيّ شيء لغة رسالة، والأمّة التي لا تحمل رسالة ستبقى على هامش الخدمة في الحضارة العالميّة!
يتابع الكركي، بحرقة واضحة: إمّا أن تضيف إلى المشهد الإنساني وإما ألا تضيف!.. إذاكنت تتحوّل إلى  مجرد رافعة من رافعات العمل في المجتمعات الإنسانيّة.
ففي الوقت الذي نتحدث فيه عن هذه الأزمة الموجودة في الأمّة،..نشكو مما يجري في الشوارع من تلوّث لغوي وتلوث بصري!.. وفي الحقيقة فإنّ الناس هم الذين فعلوا ذلك، إذ أنّ اللغة لا ذنب لها على الإطلاق في أن نرى لوحةً كُتب عليها في الشوارع «مش عادي"؛ وكان بالإمكان أن نضع «غير عادي» وينتهي الأمر، بل إنّ جهات أو مبادرات، كما يتعجّب الكركي، تتسمّى بـ"برافو» وتهدف في الوقت ذاته إلى الحفاظ على العربية، وهو ما حدا به إلى الممازحة بأنّ النيات ما تزال طيّبة، ولكنّ طريق أصحاب النوايا الطيبة هي المشكلة.
اللجنة الوطنية
لذلك، كما يقول الكركي، باشرنا مشروعنا من خلال اللجنة الوطنية للنهوض باللغة العربية؛ فالمجمع بعد أكثر من أربعين سنة واللجنة بعد أكثر من سبع سنوات تأسست وفق قرار الدولة الأردنية النابع من قرارات مؤتمرات اللغة العربية، في أن تؤسس في كلّ بلد عربي لجنة للنهوض باللغة العربية.
قلنا إنّه لا يمكن حل المشكلة ما لم نعرف الأسباب، يقول الكركي، ولذلك، بدأت اللجنة بدراساتها البحثية الأكاديمية الصلبة، مثل صورة اللغة العربية في الإعلام الأردني، وصورة اللغة العربية في القضاء وفي كليات الحقوق، وصورة اللغة العربية في وسائل التواصل الاجتماعي، وصورتها أيضاً في تعليمها لغير الناطقين بغيرها، وفي الجامعات... فهي مشروعات كبيرة أثمرت عن كتب قائمة.
يقول الكركي: لقد وضعنا أيدينا على المشكلة؛ وأرجو ألا يفاجأ الأخوة من أهل الإعلام حين يرون أننا وضعنا كلّ أخطائنا في سائر هذه الكتب، لنعرف من أين نبدأ الإصلاح، تفادياً لما نقول"أوسعتهم شتماً وذهبوا بالإبل"!
المسألة الثانية، كما يقول الكركي، هي في الاستفادة أحياناً من الفقر الذي تدعيه بعض الحكومات في توفر المكان أو المال، فكان أن استضاف المجمع الشخصيات المتميزة والفاعلة، وعلى طيلة هذه السنوات هم ضيوف علينا ونحن نقدّم لهم الخدمات اللازمة، وقد وصلت اللجان في المجمع من سنوات إلى نتائج مذهلة، وقد وصلنا إلى اقتراح أننا سنغيّر في هيكلة العمل من أجل اللغة، فنؤسس في المجمع، في الأسابيع القادمة، لبناء جديد ووحدات مركزة ومكثفة يتولى قيادتها الزملاء من أعضاء مجلس المجمع، وستكون واحدة للناطقين بها، وإذا أردتم واحدة أيضاً للناطقين بغيرها. ويوضح الكركي «الناطقون بغيرها» في الأردن، حيث تتولى سبعون مؤسسة رسمية وخاصة تعليم الناطقين بغير اللغة العربية في الأردن، مضيفاً: وقد اتجهنا للأسف إلى التعليم بالعاميّة، وأقول لكم أنّه ومنذ أيام وصلتني دعوة من جهة عربية ما ورسمية قررت تعليم لهجة ذلك البلد في مراكز الناطقين بغيرها!!
لقد جاءنا الكثير!.. 62 جنسية كان في الجامعة الأردنية، وقد استطاعوا هم تغيير التيار وجرّ الجامعات والمراكز إلى تعليم العاميّة!!.. ويتساءل الكركي: هم لماذا يأتون؟!..
يأتون لتعلّم اللغة العربية؛ فالقضيّة كما يقول هي ليست استشراقاً، مع إدراكنا لهذا الأمر، ويتابع: قلنا نؤسس واحدة لتعليم الناطقين هنا، ونحن الذين نشرف على المناهج، فأعددنا الكتاب وقد صدر. إذا سيطرنا على المناهج حُلّت الأمور. الأمر الآخر هو أنّه وبعد دراسة هائلة تم إجراؤها نحن أمام حوسبة اللغة العربية، فالكل يجتهد في الحوسبة وقد قمنا بدراسة من خلال خبراء التكنولوجيا في الأردن.. حوالي 100 بحث في
اللغة العربية في حوسبة اللغة العربية و30 ألف بحث في اللغة الإنجليزية، وسنفتح أيضاً مركزاً ثانياً أو وحدة أخرى للحوسبة، وثالثة لملاحقة تعليم التعليم في الجامعات.
وفي حديثه عن قانون الحماية، الذي ينصّ بشكل واضح على ذلك مع بعض الاستثناءات، يتناول الدكتور الكركي موضوع تعليم الزراعة على سبيل المثال باللغة الإنجليزية، واقتراح إقامة وحدة للترجمة والتعريب، وهو جزء من الانفتاح الذكي، ذاكراً 8 كتب مهمة، منها كتاب يعد من أهم المعجمات وهو لسان العرب الاقتصادي في 12 مجلداً استغرق العمل فيه 20 عاماً، وقد صدر المجلد الأول منه، وسيكون إيذاناً بحركة في العالم العربي، فنحن نعرّب ونترجم ونعلم اللغة العربية للناطقين بغيرها ونحوسب.. وهو جهد مدروس ويؤتي ثماره.
امتحان الكفاية
وفي موضوع قانون حماية اللغة العربية، يذكر الدكتور الكركي أنّه طُلب منه في اتحاد الجامعات العربية أن يتحدث عنا في الأردن كيف فعّلنا امتحان الكفاية!.. كأحد الإنجازات المهمّة التي طُبّقت في الأردن، وفي هذا السياق، يذكر الكركي إرهاصات الامتحان والمعارضة ضدّه، وأهميّته في تقصّده المعلم الذي لن يدخل وفقاً للامتحان في المهنة إلا إن هو اجتاز امتحان الكفاية، ذاكراً 12 ألف معلم اجتازوا هذا الامتحان في الشهور الأخيرة، وسيمتد هذا الامتحان للإعلام وأساتذة الجامعات، فنحن نستطيع أن نمتحن 23 مركزاً في المملكة بشكل متواصل ومحوسب.
يعرض الكركي لسان العرب الاقتصادي للدكتور عبدالرزاق بني هاني، متحدثاً عن صعوبة الألوان والأشكال والرسومات، ولذلك فقد أخذ موضوع الاختصاص بالأهمية في ذلك، حيث قوّم الكتاب من ستة من كبار الاقتصاديين في الأردن، ومنهم 3 وزراء ورئيس وزارة من أهل الاقتصاد،... يضاف إلى هذا المنجز أن المجمع فاز بجائزة الملك فيصل وجائزة «محمد بن راشد» في العام الماضي.. والعجيب أننا نفوز بدعم الآخرين وما نزال في معاركنا اليومية مع الحكومة على الدعم. ولقد تمّ إعداد نظام لمتابعة الالتزام بالقانون ولكننا واجهنا مشاكل في ديوان التشريع يتعلق في عدم جواز ذلك إلا إذا نصّ عليه.. والمستشار القانوني الآن يعد تعديلاً للنظام ولقانون الحماية ولقانون المجمع، فقد آن الأوان لكي نبدأ بدايةً مختلفة.
يعرب الدكتور الكركي عن أسفه لحال اللغة العربية بقوله: أنا لا أريد أن أتحدث عن الابتلاءات العربية سواء بالعامية أو بالأميّة أو بالشكوى المرة أمام من يتخرجون وهم لا يعرفون اللغة العربية. نتصور أن الجميع يعتز بلغته، لكننا أحياناً لا نفعل ذلك، مع أنّ القانون لم يترك شيئاً إلا قاله.. في المادة 3 التي هي الأهم من المواد ما يؤكّد أن الوزارات والدوائر والمؤسسات الرسمية العامة والمؤسسات العامة والخاصة والبلديات والنقابات والنوادي والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والشركاء تلتزم باستخدام اللغة العربية في نشاطها الرسمي، ويشمل ذلك طبعاً الوثائق والإعلانات وترجمة الأفلام واللافتات والمصدقات...حتى أننا أضفنا آنذاك تسمية الشوارع تسمية عربية ووضعنا أيضاً من شروطنا أن لا تكون اتفاقية في المملكة إلا وتعتمد بالنسختين العربية والأجنبية والمجمع جهة معتمدة في هذا الأمر.
الأسماء الأجنبية
حول انتشار الأسماء الأجنبية على اللافتات وفي الشوارع، يقول الدكتور الكركي معرباً عن قلقه: لا أريد أن آتي بأمثلة فهي كثيرة، وقد صوّرنا كلّ الذي يجري في الشوارع
ويجري في أماكن أخرى ونعرف من أين نبدأ.. أنا لست في إطار حملة إعلامية على الشوارع وإلا لكنت فعلت ذلك، فالقانون يغرمهم 3 آلاف دينار على المخالفة.. لكنّي أقول إنّ هذا هو شعب عظيم أيضاً؛ إذ تعلّم في ظروف القهر مدة 100 سنة حتى أنجز 6 آلاف مدرسة و30 جامعة فيها 300 ألف طالب.. نحن لا ننتقص من إنجاز المعلم الأردني لأننا عجزنا عن تعليم اللغة العربية تعليماً جيداً كما فعل أساتذتنا... لسنا نحن الذين نحاسب الناس!.. يقال إننا نستطيع إغلاق محلات لكننا أحياناً نبعث برسائل رقيقة للناس مفادها أنّ هذه التسمية غير لائقة، وقد استجابت أماكن ومحلات كثيرة وغيرت من أسمائها وفق شروط مريحة في الاستخدام العربي والأجنبي في نطاقات معينة.
يتابع الدكتور الكركي قائلاً: لست أمام أن أقول كما قال الجاهليّ عن العربية: أضاعوني وأيّ فتىً أضاعوا!... لا، فلا نريد للعربية أن تضيع بين جراح الفقراء وجراح الفاسدين! هذا البلد أصلاً هو كربلائي.. كربلائي من جعفر إذا رغبتم بذلك.. بلد يملك البترا التي حفرها في الصخر.. وأضرحة الشهداء.. بلد كبير.. نحن نتحمل.. التاريخ علينا ثقيل!
الأردنيون مطالبون بما لم يُطالب به أحد.. هم الأقرب، هم أرض الرسالة هم أرض الفتح أيضاً.. هم الأقرب إلى القدس، فكل القضايا الصغيرة يجب أن تسقط أمام أن نقول إننا عجزنا أو قصّرنا هنا، ولا نريد أن نقصّر هناك!.. الأزمة التي تدور أعرفها وكنت حاضراً على مناقشة القوانين الخاصة بها وقد كانت معارضة واضحة وهي بالنسبة لي إمّا رأسمالية طُفيلية وإما برجوازية تابعة.. والأمر لا يحتاج تحليلاً، فقد آن الأوان للتغيير، فحين تستلم مجمعاً عليك أن تشتغل عليه بشكلٍ مجمعي، أما بعد أن نعمل 30 عاما نفاجأ بذلك!..
هناك أمور نحن لا نعرفها...لدينا مؤتمر سنوي وموسم ثقافي ومنشورات متميزة، وحضورنا العربي كبير جداً، وهم يرون أننا نقدّم شيئاً أكبر من طاقتنا، لست أنا الذي يملك الطاقة، 11 ألف حامل للدكتوراة في الأردن،.. ثكلتنا أمهاتنا إذا كنّا سنفشل! قيل لي مرّة إنّ هؤلاء الطلبة الذين يذهبون إلى أميركا ثم لا يعودون للأردن يحصلون على الدكتوراة وعليهم كفالة بربع مليون دينار، في الطب وغيره، فيجب أن نشتكي عليهم!!.. قلنا لا، لأنّ هذه ستصبح أموالاً أميرية فلا يجب أن تتخذوا إجراءً، يا أخي هذا الذي ذهب أصبح عالماً هناك وأصبح إضافةً لنا هناك وحين يعود يمكن التفاهم معه، أما أن نحجز على دار والده"الحج» فهو أمر مقلق!!
صورة المجمع في ذهني صورة زاهية ولا أعمل إلا لخدمة المثقفين واللغة العربية وعدا ذلك فلا!.. يتابع الكركي: محزن أن نتحدث عن حال صعبة كادت الذئاب فيها أن تأكل العربية، مع أنّ أجمل ثلاث قصائد قيلت في العربية للذئاب، وكلكم تذكرون «وأطلس عسالٍ»، لكنّ الذئاب التي جاءتنا ليست كالذئاب التي في خبرناها في التاريخ على تحزن كثيراً، ذاكراً منها «ما تنساش تجيب خبز وانت جاي معك»، وهو ما وصفه بالأمر المقزز، والأمر ذاته يستنسخ في أماكن كثيرة، فلو ذهب أيٌّ منا، كما قال حمدان، إلى أيّ شارع من شوارع الجامعة على سبيل المثال لرأينا العجب العجاب في الإعلانات، وكلّ ذلك حدا بالمَجمع إلى تصوير ميداني في شارعين فقط هما شارع المدينة المنورة وشارع مكة، لنحصل على كم مرعب من الألفاظ الأجنبية من مثل «بيوتيفل» المكتوبة باللغة العربية، والكثير مما هو موثق طيلة ستة أشهر، ليتم وضع هذه الصور على قرص مدمج لترفع إلى رئيس الوزراء وأيضاً لوزير الصناعة والتجارة وأمانة عمان، وبافتراض أن تجديد طلب الرخص هو تلقائي، فقد طلبنا أن يتم التنبيه إلى غرامة لا يجدد الترخيص إلا بدفعها، وقد قيل لنا بإنّه وفي حالات معينة يصدر الترخيص باسمٍ سليم ومن ثم يتم تغيير الاسم حيث يتصرفون باليافطة.
وقال حمدان إنه تم التوقف أمام المادة التي تختص بالغرامة باستشارة قانونية لنتأكد، وطبقاً لأحكام المادة الأخيرة من القانون فإن رئيس الوزراء والوزراء والجهات التابعة هم مسؤولون عن تنفيذ القانون، ونحن في المجمع المكون من ثلاثين عضواً عاملاً معنيون بالاستفادة من خبرة الأساتذة المتخصصين في مجالاتهم، وأن يقوم المجمع برفع قضايا على المواطنين، لكن في المحصلة النهائية توصلنا إلى أنه لم يكن هناك استجابة لا من أمانة عمان ولا الصناعة والتجارة، وبعد الاستشارة القانونية، تبين أنه لا بد من غرامة، أمام حالات مخجلة، من مثل «أهوة» بدلاً من «قهوة»، «منائيش» بدلاً من «مناقيش»، والصور تثبت ذلك على أية حال.
وقال حمدان إنّنا أمام ذلك النجاح الذي حققناه من خلال النهوض باللغة العربية ومن خلال امتحان الكفاية، ولا نقلل منه بالتأكيد، بدأنا في المجمع منذ عام 2015 من حيث التشريع ومتابعة حماية اللغة العربية، وقد أنجزنا الكثير، لكن، بقيت الأمور المتعلقة باليافطات وأسماء المحلات التجارية، أما أسماء الشوارع فلا مشكلة فيها.
مرونة المجمع
ولفت حمدان إلى درجة المرونة العالية في قانون حماية اللغة العربية، منوهاً إلى خصوصية أسماء البضائع الأجنبية المستوردة والأشياء ذات الطبيعة الأجنبية، فليكن الاسم الأجنبي الموجود، ولكن، شريطة أن يكون بخط أصغر باللغة الأجنبية مما هو باللغة العربية، فليس هناك أيّ تشدد أمام حالات مثل هذه. وتحدث حمدان عن نشاط صندوق الاستثمار لدى المجمع ومصادره أو روافده والتوسع في المبني والمكتبة والعمل على أن يكون مدخل المجمع مهيباً يليق بهذا الصرح العلمي الكبير.
التربية الموازية
ومن تخصصه أستاذاً للتربية ومعلماً للرياضيات، تحدث الدكتور سعيد التل عن الضبط ببعديه، الأول المفروض بالقوانين والأنظمة والتعليمات والبعد الثاني المفروض من منطلق ذاتي، متحدثاً عن التربية والتربية الموازية، مبيناً أن التربية الموازية هي الإعلام بجميع أشكاله وأنواعه، فالتربية ببعديها المباشر وغير المباشر هي التي تشكل القناعات والاتجاهات عند الإنسان، ومن هذه المبادرة فقد دخل جانب مهم من جوانب حماية اللغة العربية، مركّزاً على الاتجاهات والقناعات لدى المواطنين.
وأعرب التل عن أسفه لوجود نسبة غير قليلة من المواطنين لا تتوفر على هذه القناعات والاتجاهات، وهي اتجاهات الاعتزاز باللغة وحمايتها والغيرة عليها والسعي لتطويرها، فغياب هذه الأمور أدى إلى كثير من الممارسات التي تطعن اللغة العربية وتسيء إليها، فصاحب المحل الذي يسمي محله «بيبي تورز» بالعربية هو إنسان يحب اللغة ويحرص عليها، ولكنه لا يعتقد أن هذا الأمر يسيء إلى اللغة العربية، مع أن هذا يدمر اللغة العربية.
وذكر التل أنّ الاستهانة باللغة العربية في عمان على سبيل المثال بلغ حداً كبيراً، من حيث الاستهتار وعدم الاعتزاز بها، ولذلك فإنّ الأمل معقود على أجهزة الإعلام أن تلعب دوراً مهماً وأساسياً من خلال ما يطلق عليه «التربية الموازية»، فتربية المواطنين بهذه الأمور المهمة والحساسة مطلوبة، فلا ننسى وجودنا القومي العربي المرتبط بلغتنا العربية، فإن نحن أسأنا إليها نكون قد أسأنا إلى وجودنا أو استمرارنا القومي. وإضافةً إلى التربية الموازية في المدرسة يجب أن نغرس في نفوس الطلاب اتجاهات إيجابية في حب اللغة العربية، فننتقد من يسيء إليها، لكي تظل لغة اعتزاز لدى الناشئين والكبار.
وأهاب التل بالإعلام بكل أشكاله والصحافة والإذاعات والتلفزيونات أن تقف مع المجمع في مهمته وواجبه في الدفاع عن العربية وحمايتها في وجدان وعقل المواطنين وخلق القناعات الكفيلة مجتمعياً بتحقيق ذلك.
الكركي: ولفت الدكتور الكركي إلى أن أعضاء مجمع اللغة العربية هم ليسوا من أهل اللغة العربية فقط، فهؤلاء أقل من النصف في المجمع، بينما الباقي هم من علماء الرياضيات والفيزياء والجيولوجيا والطب واللغة الإنجليزية والتربية..إلخ، وهو ما يشكل تنوعاً مفيداً لتحقيق أهدافه. وفي هذا السياق تحدث الكركي عن عضويته في مجمع اللغة العربية بالقاهرة الذي تأسس سنة 1930 وتكون من ستين عضواً، أربعون منهم من مصر والباقي هم من العرب.
اللغة القومية
وأعرب أستاذ الشريعة في الجامعة الأردنية الدكتور محمود السرطاوي عن تقديره لهذا اللقاء، مؤكداً أن اللغة العربية هي أهم الجوامع بين مكونات الشعب الأردني، مبيناً أن الأصول والمنابت المتعددة جاءت نتيجة ظروف معينة ولما يحظى به الأردن من قيم إنسانية، حيث جعلت هذه القيم أولئك المهجرين يفدون إلى هذا البلد وذلك لحمايتهم مما أصابهم من ظلم، ومنهم الشركس والشيشان الذين لم يجدوا في اللغة العربية على الإطلاق مشكلةً أمامهم، لا بل قدموها على لغتهم القومية، لأنها لغة مهمة، ولأن صلاتهم وعباداتهم لا تصح إلا بها، وبالتالي فقد كانت هي الجامع الأساسي مع هؤلاء، وأيضاً مع المسيحيين في هذه الثقافة وهذه الحضارة، وهي الجامع الأساسي بيننا وبينهم، ولذلك فإنّ اللغة العربية هي الوعاء الحضاري لهذه الأمة وهي تدل على أن هذا الأردن بالرغم من صغر حجمه إرادته كبيرة وتطلعاته عالية على مستوى الأمة، فهو الذي حمل لواء الثورة العربية الكبرى، وهو الذي يسمي الجيش بالجيش العربي، وبالتالي فلا بد وأن يكون لهذا المعنى مضمون، فكيف سيفسر الإنسان النصوص دون أن يتقن لغته العربية سواء أكان هذا النص دينياً من القرآن الكريم أو السنة النبوية أو كان هذا النص من القانون، فلا بد لذلك من أن نلم على الأقل بجوانبها الأساسية.
اللغة هي وعاء حضارتنا وثقافتنا وهي التي نعتز بها ونرفع لواءها أمام إخواننا العرب، وهي كذلك سفيرنا إلى الآخر. وضرب السرطاوي مثالاً بأنّ الأجنبي أو الإفريقي أو الدول المستعمرة تهتم في المقام الأول بنشر ثقافتها ولغتها، إدراكاً من هذه الدول أن لغتها هي السفير أو الواسطة التي يمكن أن تدخل بها إلى ثقافة الآخرين فتحول هذه الثقافة أو تجعلها قريبة من ثقافتها، فهي سلاحها للاقتصاد وتسويق أموالها وهي مهمة لوجودها بطبيعة الحال، ولهذا فإننا نجد كثيراً من الدول المتقدمة تحاول أن تنشئ جامعة في بلد ما تنفق عليها ولكن بلغتها هي، لأنها ببساطة تريد أن تسوق هذه اللغة. وأعرب السرطاوي عن أمله في أن نعمل للغة العربية مثلما يعمل الآخرون للغاتهم القومية، فنرسل إلى دول آسيوية أو إفريقية معلمين لهذه اللغة ليكونوا سفراء حقيقيين لنا لمد اقتصادي أو سياسي وأيضاً لبيان مكانة هذه اللغة وأهميتها بين لغات العالم، لا سيما وأن االله أكرمنا بها وجعلها لسان القرآن الكريم ولغته، فبها نستطيع أن ندخل إلى شعوب العالم وأن تكون لنا الريادة، ولا أقول سيادة. وتساءل السرطاوي: إن لم نحافظ على هذه اللغة فمن تراه يحافظ عليها؟!.. أحياناً أقف مندهشاً حين يتلو طالب صغير من ماليزيا أو تشاد القرآن الكريم بألفاظ عربية ونطق عربي سليم؛ فيما نحن لا يستطيع أي فتى من أبنائنا في المدارس- إلا ما ندر- أن يقرأ قراءةً صحيحةً أو أن يكتب اسمه كتابةً خاليةً من الأخطاء.. لقد وصل الأمر في الاستهانة باللغة العربية إلى أن بعض طلبة الدكتوراة، ولا أنكر هذا، لا يستطيع أن يكتب كلمةً بهمزة وصل أو قطع، والسبب هو أن هذه اللغة هانت في جوانب متعددة، حتى في الأسرة، وفي الكلام الجديد الذي تتصدره ألفاظ Bye، Hi ،وغير ذلك من هذه الألفاظ التي باتت تقتحم علينا بيوتنا وشاشاتنا وأصبح أبناؤنا وأطفالنا ينطقون بها بديلاً عن عباراتنا وألفاظنا العربية الأصيلة.
وللأسف يسود فهم أنّه كلما تقدم المرء بلغة أجنبية كان عندئذٍ أكثر حضارةً من الآخرين، فلغتنا هذه يجب أن تظل عزيزةً علينا في هذا البلد بقيادته وتطلعاته التي أكّدت أن تكون اللغة العربية لغةً أساسيةً وأصيلةً، في الأردن الذي يأخذ على عاتقه دائماً بما يستطيع، ولا يكلف االله نفساً إلا وسعها، فيحمل الرسالة القويمة للثقافة العربية الإسلامية.
يقول السرطاوي: في الواقع، لم أطلع على ما يشير إلى أن بلداً ما وضع قانوناً في حماية اللغة العربية كما فعل الأردن، ليظل الأردن صغيراً بحجمه كبيراً بعطائه ورسالته وأهدافه النبيلة على الدوام.
المسؤولية الجليلة
وفي مداخلته قال الكركي: يبدو أننا جميعاً نلتقي عند ثقافة معينة في المجمع، وهي إدراك المسؤولية الجليلة لحماية اللغة العربية، وأريد أن ألفت إلى أنّ إذاعة مجمع اللغة العربية لا تتهاون في وعائها اللغوي، ولدينا فيها الإعلاميان المبدعان عدنان الزعبي وسلامة محاسنة، وهذه الإذاعة هي النموذج الأول في أرض هذه الأمة في أنها بالفصيحة، فلا تخرج عن ذلك.
وقال الكركي: أحد الظرفاء على قلة ما لدينا من ظرفات، قال لي لماذا لا «تطعّمون» هذه الإذاعة بأغان نحبها، على الأقل في الليل، نريد من الأغاني إيّاها،.. فقلت له إنّ هناك خمسين محطة فيها من تلك الأغاني، فأجابني إنّه يستمتع بإذاعة المجمع، فلا بأس من أغنية، فقلت له سنسمعك فيروز:غنيت مكة أهلها الصيدا.. والعيد يملأ أضلعي عيدا.. من كلمات النصراني سعيد عقل الذي كتب الأغنية الأجمل في مكة!!..
فقال الظريف للدكتور الكركي إن الإعلانات تأتي للإذاعات التي فيها عامية كما أنّ الناس لا تفهم الغناء بالفصيحة، فرد عليه الكركي متعجباً: كيف فهم الناس الجواهري رحمه االله في مدحه جلالة الملك الحسين العظيم طيب االله ثراه، في قصيدته العظيمة المشهورة يوم قال: شدَّت عروقك من كرائم هاشمٍ/ بيضٌ نمين خديجةً وبتولا/ وحنت عليك من الجدود ذؤابةٌ/ رعت الحسين وجعفراً وعقيلا...
المنافسة والتحدي
وأشاد أستاذ علم الاجتماع الدكتور صبري ربيحات برئيس المجمع الدكتور الكركي أديباً آسراً في حديثه ورسائله ولغته العذبة وحضوره الواضح. كما تحدث عن تحديات يواجهها المجمع؛ فحين أعلن المجمع الحفاظ على اللغة العربية وحمايتها، نحن في وقت نتحدث فيه عن التعددية الثقافية تحديداً، وقال ربيحات: أرجو أن نتصوّر مقدار الرغبة أو الاستعداد عند من يمتهن التجارة في أن يتقيّد باللغة العربية في «الإعلان»، وهدفه في أن يستفيد من «الرتم» أو الإيقاع إذا جاز التعبير في إعلانه!..فهذا تحدٍ يجب علينا أن نعترف به، وأوضح الدكتور ربيحات: كيف يمكن أن تنافس اللغة العربية منافسةً أو أن تقدم نموذجاً للحماية التنافسية وليس الحماية الإغلاقية، وربما تكون إذاعة المجمع خطوةً في هذا الاتجاه، وربما بالتركيز على ضخ مادة إعلامية تعتمد لغة عذبة جميلة.
وقال الدكتور ربيحات في حديثه عن سحر لغة الدكتور الكركي: أنا مثلاً لا أتصوّر أن أفوّت أيّ مناسبة للاستماع إلى الدكتور خالد، حتى وأنا أقلّب صفحات قديمة، أعود فيها لبعض خطب الدكتور الكركي لأشحن روحي بشحنة إيجابيّة، في كيف يمكن أن تذوّب اللغة العربية لتصبح مثل الشهد، وضرب أمثلةً من روائع مقالات الدكتور الكركي وصوره ومشهدياته في معالجة مواضيع جافة شعرياً انسابت بين يديه كالشهد.
كتاب الروائع
واسترسل الدكتور الكركي: وضعنا كلمة اللغة العربية السليمة المتقنة تدويناً ولفظاً، اللغة الخالية من الأخطاء اللغوية والنحوية، ونحن لا نتنازل أكثر من ذلك!
وقال الكركي إنّ اللجنة الوطنية تعكف على مشروعها في «الروائع» المؤلف من أكثر من كتاب، لمراحل عمرية متنوعة، وهي مختارات من التراث والحديث والمترجم.
واستذكر الكركي في سياق الحديث، أزمة المناهج، قائلاً إنّ أحدهم اعترض أننا وضعنا نصاً لنيلسون مانديلا، واعتز الكركي أنه هو من وضع هذا النص وغيره من نصوص تظهر كم نحن ننفتح ولا ننغلق على ثقافات العالم، متسائلاً: هل يمكن أن يصدر كتاب لا يوجد فيه مثلاً نص لـ"البؤساء».. فالإنساني فوق السياسي، السياسي الذي يفتعل المشاجرات يومياً،.. هل يمكن ألا أحتفي بآرنست همنجوي مثلاً؟!. فمنظورنا في الواقع في كتاب «الروائع» هو أن تكون قادرةً على أن تصل للناس!
وتحدث الكركي عن ميزة أن مختاري النصوص هم من أهل الاختصاصات المتنوعة، في الرياضيات والفيزياء والجيولوجيا كنصوص علمية مذهلة.. ابن فضلان في أدب الرحلات.. هذا إضافةً إلى المشروع الضخم مع وزارة التربية في أن يتحول كلّ معلم إلى معلم لغة عربية بالحد الأدنى؛ فلا يدخل المعلم على صفّه إلا إذا عرف اللغة العربية! اترك العامية الجافة، وابدأ بتدريس نفسك، ولا تدخل على طلابك في الصباح وأنت تقول لهم «اشلونكم».. قل"صباح الخير»،..يقول الكركي ذلك موجهاً نصيحة للمعلمين، ومقدماً شكره لوزارة التربية والتعليم لشراكتها في امتحان الكفاية عبر 23 مركزاً محوسباً.. فهو الامتحان الأول في العالم العربي من هذا النوع. وعوّل الكركي على «الروائع» أن يحقق الكثير مع إذاعة المجمع في نقلاتها النوعية القادمة، مناقشاً تردد الإذاعة وقيمتها المعنوية والمادية أيضاً، وقال: لا تلوموا الناس، نحن النخبة التي في موقع المسؤولية..نحن المسؤولون،... ما من أردني تخلّى عن وطنه!.. إلا من وصل إلى مرحلة من فساد الضمير!!.. فعلاً نحتاج إلى أن نكون جاذبين وأن تكون أصواتنا في إذاعتنا وعملنا في المجمع أجمل الأصوات.. نقدم مسابقات.. لدينا برامج مباشرة مع الناس.. وحين يتحدث هذا التاجر مع الإذاعة ويحاول جهده أن يتحدث الفصيحة إنّما هو يحس بقيمة أن نحاوره وأن نشعره بوزنه في الحفاظ على اللغة العربية..
تعريب الطب
وأكّد مدير وكالة الأنباء الأردنية"بترا» محمد العمري أهمية القامات الأدبية والتربوية واللغوية في الأردن. ودعا في موضوع المناهج، إلى تشكيل الألفاظ وتحبيبها إلى الطلبة، والتوسع في ما ينفع.
وتطرق العمري إلى تعريب المناهج، مستذكراً جهود العلامة الدكتور ناصر الدين الأسد ونسبة الاستيعاب العالية في ظل التعريب التي تجاوزت الثمانين بالمئة، مقارنة بنسبة استيعابها في اللغة الإنجليزية.
وقال العمري إنّ جميع الشعوب التي تحررت من ربقة الاستعمار أخذت تعتز بلغتها وتطوّر فيها، وتترجم أيضاً إليها، داعياً إلى خطة زمنية قابلة للقياس والتقويم، خصوصاً وأنّ الطب كان يدرّس في القرن السابع عشر باللغة العربية، متعجباً من أننا لا نسير على خطى الرواد في هذا الموضوع.
وفي حديثه عن الطب واللغة العربية، قال الدكتور الكركي: الكتاب الذي بقي في أوروبا حتى القرن الثامن عشر معتمداً في الجراحة هو كتاب العمدة في الجراحة لابن القف العالم، الأردني الكركي إذا رغبتم، متطرقاً إلى أنّ جزءاً من عمل المجمع هو الترجمات العظيمة في الطب، فقد كان المجمع يقوم في الثمانينات بترجمة هذه الكتب الصلبة، حتى أنّ معجم ألفاظ اللغة العربية قد أخذ ثلاث سنوات، وكذلك في كتب الفيزياء للجامعات، مع أن الجامعات غيّرت الكتاب المقرر وجاءت بكتاب آخر!.. وقال الكركي متعجباً: من يقل إن الطب مثلاً لا يُدرّس إلا باللغة الإنجليزية، علينا أن نسأله عن ابن سينا والفارابي وعبدالقاهر.. نحن أهل النقل، فمن أين جاءكم هذا الجديد إذا كانت أوروبا حتى القرن الخامس بدون لغات قوميّة؟!.. ابن خلدون توفي يوم أكملنا دورتنا الحضارية كاملة!.. كتاب ابن القيم «جامع الغرض في الصحة والمرض» من 700 سنة!
تقليد الغالب
نحن كنا في أوروبا، يتابع الكركي، ورأينا الناس هناك كيف يهتمون بنا، لكنّ الفكرة المسكونة هي أن المغلوب دائماً مغرم بتقليد الغالب، ونحن الآن نتبع ما نراه! وزاد الكركي: ما ترونه ليس صحيحاً؛ فنحن جميعاً كنا في جامعات غربية، والناس لديهم علم وثقافة ومواقف حضارية ولديهم قدرة على التفاهم، فقدم أنت لهم حضارتك ولا تجعل من ينتدب عنك لمحاورة الأجانب!.. هولندا أكبر مركز لنشر المخطوطات العربية، واستذكر الدكتور الكركي أنّه حين جاء من دراسته في أوروبا ونفر من أصدقائه شاعت شائعة"تلاميذ المستشرقين»، وقال: كنا ندرّس النقد الحديث بمصادره العربية والفرنسية لتستطيع أن تنقل لغتك القومية.. وعلق الدكتور الكركي على أنّ من نقادنا من لا يحسن ترجمة المصطلح إلا حرفياً أو إضافةً زائدةً غير صحيحة ودلل بأمثلة من مثل ترجمة كتاب أجنبي إلى"لذة النقد» أو «مراودة النص»، مع أن الموضوع لا علاقة له بهذا أوذاك.
واستطرد الكركي: من الميزات العظيمة للأردني أنّه معلم وعسكري.. المعرفة والقوة..
إن غابت الثروة أغدق علينا الجواب الجميل جلالة المغفور له الحسين بن طلال"الإنسان أغلى من يملك».. وفي موضوع ذي علاقة تحدث الكركي عن جريدة الشرق العربي، الجريدة الرسمية، ولغتها الرائعة، حيث كان يرأس تحريرها الدكتور محمد الشريقي...
متحدثاً عن علاقة اللغة بالناس عبر هذه الجريدة وملامستها هواهم في المواضيع الاجتماعية والاقتصادية وسواها..
شراكة الإعلام
وتحدث الدكتور الكركي عن شراكة الإعلام مع المجمع، في نقل رسالته وقرارات لجانه العاملة وبحوثه التي يشترك فيها أكاديميون ومتخصصون في أكثر من مجال. وقال الكركي إنّ المجمع يشعر بمدى ما يثيره امتحان الكفاية، حتى في رسومه التي كان قرار رئاسة الوزراء أن يتم دفع خمسين ديناراً، خفضت من المجمع إلى عشرين ديناراً مراعاةً وتشجيعاً وحفزاً لهذه اللغة الأصيلة في التعليم والاستخدام.
وتمثل الكركي بما قاله متقدم لامتحان الكفاية من أنّ البلد الذي يقوم بتطبيق هذا الامتحان إنما هو بلد كبير!...
وقال الكركي: أنا لا أريد للأردن أن يكون دولةً كبرى.. لأنّ كل دولة كبرى هي دولة ظالمة تنتهي بامبراطورية وتنهار على رؤوس أهلها.. لكن لن يمنعني أحد من أن أكون بلداً كبيرة.. بحضارتها وعلمها وثقافتها ولغتها... فإذا كانت المسألة هي مسألة موازنة فإنّ أربعين سنةً من حياة المجمع لم تزد فيها موازنته عن نصف مليون دينار لثلاثين عضواً وخمسين موظفاً وسيارة قديمة!..المجمع لا يغلق بابه في وجه اجتماع وهو منبر لنشاطات كثيرة.
تطرق الدكتور الكركي إلى حاجات المجتمع الأردني والتعليم الخاص.. غير مقتنع إلا بالمزيد من الشهادات التي حتماً سنستفيد منها، حتى شهادات الهندسة سنستفيد منها في مشاريع مقبلة، كالعراق مثلاً...
العلم مهم، قال الكركي، حتى وإن افتُري على هذا البلد وقيل إنه لا يحتاج أكثر!.. من يمنعني؟!.. أنا أتعلم ومن حقي أن أعمل... والأردن ليس مقتصراً على قبيلة أو عشيرة أو مصنع برجوازي أو رأسمالي تابع.. نحن مع هذا البلد في الصعوبات... أنا ابن لأبوين عثمانيين أميين، قال الكركي، ولا أستحي من ذلك، نحن في الأردن بدأنا بالمعلم والعسكري، فلنبق مع المعلم والعسكري، والذي يأتي ويروح كثير... شكّلنا 90 حكومة ليتنا شكّلنا 90 كتيبة منذ زمن!.. عام سبعين أدير البلد بلا حكومة والإعلام اخترع لغته الخاصة به، فما الحاجة لحكومة؟!... اخترعنا لغتنا للكرامة.. لا تراهنوا إلا على هذا البلد العظيم وقيادته العظيمة... فعلى كل أرني أن يكون ذا عقيدة وطنية، لأنه بالتأكيد تحت معطفة رتبة شاويش!
امتحان الصدمة
في سياق قريب، قال الكركي: عليك أن تصطدم نفسك بالموجة الحضارية لترتاح منها... فلا يطرد الرديء إلا بالجيد..كما تحدث عن تخصصات اللغة الأجنبية في الجامعة الأردنية.. وتعدد اللغات التي كانت تقتصر على لغتين هما الإنجليزية والفرنسية..
ذكر الكركي أنّ الأمم والشعوب تهتم بلغاتها، بدليل أن أحمد داود أوغلو وزير الخارجية التركي كان طلب زيارة الجامعة الأردنية في عهد رئاسة الكركي لها، وعلى غرابة الطلب، تبين أنه يحن إلى الجامعة التي درس فيها، وعاد إلى مصادره من الجامعة الأردنية لنيل درجة الدكتوراة في تركيا... لتثمر الزيارة عن «تقدم تركيا هدية للجامعة الأردنية في قسم ومكتبة ومعلمين..»...
وتطرق الكركي إلى ذكرياته مع «الرأي» وكتابته فيها، وحرصه مع زملائه على الصحيفة في لغتها وإعلاناتها وكل دوائرها العاملة في اعتماد الفصيحة لغةً للكتابة.
التواصل الاجتماعي
وداخل عدد من الحضور حول مواضيع متنوعة منها صفحات التواصل الاجتماعي والفوضى المرئية والمسموعة..كما تم مناقشة موضوع الجيل الحالي وربما شعوره بأنّ تشدداً في «التقييد باللغة»، واجدين أنّه ومن منظور الشباب والبسطاء ما من مشكلة لو كتبنا بالعامية، خصوصاً ونحن أمام شركات لها مشروعها في الدعاية والإعلان الذي تخاطب به الناس والجمهور، فهي مستعدة لأن تضحي بكل شيء مقابل أن تقنعهم أوتروج لمنتوجها، حتى أنّ رسائل التواصل باتت تتخذ من حملات معينة بألفاظ عامية وصلت قلوب الجمهور، فلذلك نحن أمام تحدٍ في هذا الموضوع بين اللغة القاسية كما يعتبرها محترفو الدعاية والإعلان واللهجة السهلة التي تجعلهم على صلة وتقارب مع الناس.
كما نوقش موضوع التشريعات ذات العلاقة، فما من قانون أو نظام لهيئة الإعلام يجبر على استخدام من أخذوا ترخيصاً باستخدام اللغة العربية. في حين كان الاستناد لدى الدكتور الكركي إلى أن لغة الدولة من الأساس هي اللغة العربية، وأنّ ثقافتها هي الثقافة العربية الإسلامية وأنها دائماً تعتزّ بهذا اللسان العربي الأصيل.