الدستور
مجنون شيوعي بنسبة 100%، يبدو فظيعًا، صوته مزعج، ليس ذكيًا-ترامب.
شاب يبلغ من العمر ثلاثة وثلاثين عامًا يُدعى زهران ممداني، مسلم ملتزم، من أصول هندية مهاجر من أوغندا. ينتمي إلى تيار الاشتراكيين الديمقراطيين، ويتبنى أيديولوجية اشتراكية ،برنامجه الانتخابي يقوم على تجميد الإيجارات، وتوفير النقل العام والرعاية الصحية مجانًا، وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية، فضلًا عن إنشاء متاجر مدعومة من الدولة.
يُعرف بمناصرته الشجاعة للقضية الفلسطينية، ورفضه الاعتراف بـ»إسرائيل» كدولة يهودية، ما جعله هدفًا لاتهامات بمعاداة السامية.
ورغم كل ذلك، فاز في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لمنصب عمدة مدينة نيويورك، عاصمة الرأسمالية غير المعلنة، ومعقل النفوذ الصهيوني والمنظمات اليهودية في الولايات المتحدة.
هذا هو ما عنيته حين قلت: إنه الزلزال!
فعلى مدى عقود، نجحت النخب السياسية الأميركية في شيطنة المسلمين والاشتراكية، وتحالفت علنًا مع الصهاينة، فربطت بين الاشتراكية والدكتاتورية، وبين الإسلام والتطرّف والتخلّف.
ثم جاء رجل واحد ليضرب هذه الرواية في الصميم. لم تعد تلك السردية تنطلي على الجيل الجديد، ذلك الجيل الذي رأى بعينيه إبادة جماعية تُرتكب في غزة، بتواطؤ سافر من حكومته لإرضاء الصهاينة والمجمع العسكري.
سقطت أمامه كل القيم التي نشأ عليها: الحرية، حقوق الإنسان، الديمقراطية، القانون الدولي كلها غَرقت في دماء غزة.
فكان صوته في صندوق الاقتراع لزهران ممداني.
فوز زهران لم يكن فوزًا شخصيًا، بل انتصارًا للفكرة على المال، وللأيديولوجيا على النفوذ السياسي. كان انتصارًا لجيلٍ واعٍ من الشباب على منظومة صهيونية احتكرت السردية لعقود، روّجت لروايتها الأحادية، وأوصلت الموالين لها إلى مواقع السلطة.
إنه صفعة لمحاولات المشرّعين الأميركيين ربط اليهودية بالصهيونية، وتفنيدٌ للادعاء القائل إن انتقاد الصهيونية يُعد معاداة للسامية.
وما أربك الساسة واللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة أن زهران لم يحقق مجرد فوز، بل سحق خصمه أندرو كومو، المعروف بدعمه الشديد للصهاينة والمدعوم منهم.
الأدهى من ذلك، أنه ترشّح عن منطقة بروكلين، المعقل الأبرز لليهود في مدينة نيويورك، والتي تضم نصف عدد اليهود فيها.
ويُذكر أن ولاية نيويورك تحتضن نحو 1.77 مليون يهودي، ما يجعلها أكبر جالية يهودية تعيش خارج فلسطين المحتلة!
ما يُرعب صُنّاع القرار واللوبيات الصهيونية أن فوز زهران قد لا يكون حدثًا عابرًا، بل نذير موجة سياسية قادمة. عدوى قد تنتشر إلى مدن أميركية أخرى، وتُفرز ساسة جددًا يجاهرون بعدائهم للصهيونية، ويؤمنون بالعدالة لفلسطين، ويتبنون توجهات اشتراكية حقيقية.
ولن يتوقف الأمر عند حدود الولايات المتحدة، بل قد يمتد إلى شمال أوروبا، حيث يكثر الخطاب الديمقراطي، لكن في الخلفية، يستمر الدعم السياسي والعسكري للكيان الصهيوني بلا خجل.
وعلى نحوٍ أقل ضجيجًا، بدأت إرهاصات هذا التحوّل في أماكن أخرى من العالم. ففي أستراليا، خسر الصهاينة مقعدهم التاريخي في ملبورن لصالح جوش بيرز، المعروف بدعمه الصريح لفلسطين.
كما احتفظت ويك ألغر بمقعدها البرلماني رغم كل ما واجهته من حملات تشويه إعلامية، ورغم الملايين التي أنفقتها اللوبيات الصهيونية لإسقاطها، بسبب مواقفها الثابتة في دعم الشعب الفلسطيني.
صدق من قال إن العالم بعد السابع من أكتوبر لم يعد كما كان قبله. صحيح أن الكيان يبدو وكأنه يمتلك فائضًا من القوة، وأنه أضعف خصومه، وضمّ أراضي جديدة، وأصبح تقريبًا القوة الوحيدة المهيمنة في الإقليم.
لكن، خلف هذا التمدد الظاهري، يكمن خطران وجوديان يهددان مستقبل هذا الكيان:
أولهما الانقسام الداخلي، الذي سيزداد احتدامًا مع نهاية الإبادة.
وثانيهما التحول العميق في الرأي العام العالمي، وارتفاع منسوب الوعي بالقضية الفلسطينية، والذي بدأ يتجسّد فعليًا في وصول ساسة جدد مناهضين للصهيونية، كما في قصة زهران.
وإذا ما واصل هذا التحول مساره واتسع مداه، فاقرأ السلام على الكيان.