عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Sep-2023

الله يرحم العرب*ابراهيم عبدالمجيد القيسي

 الدستور

لا كارثة أو مصيبة أشد خطرا على العرب من الكيان الصهيوني، الذي يحتل فلسطين ويتمدد بأنواع أخرى من الاحتلال إلى سائر أجزاء الوطن العربي، يمارس كل أنواع السيطرة والتحكم الممكنة، ويصنع الكوارث السياسية والاقتصادية التي تخدم أجندة احتلال، عبر عن أطماعه وأحلامه في الوطن العربي كله، وبكل اللغات.. وكل آثار الكوارث حتى الطبيعية التي تضرب أية دولة من دول العرب، لا بد وأن تصب أخيرا أو بداية في مصلحة الاحتلال الصهيوني..
في الأيام الماضية؛ تعرضت دولة المغرب العربي الشقيق لزلزال كبير، خلف ضحايا وإصابات بالآلاف، وشرد أضعاف هذه الأعداد، وأصبحوا بلا مأوى ولا حياة.. والزلازل كوارث طبيعية، كما نعلم.
ولم يمض سوى أيام حتى ضرب ليبيا إعصار مدمّر، والدمار ليس بسبب حجمه وقوته، بل بسبب البنى التحتية غير المتينة في مدينة درنة الليبية الساحلية على وجه التحديد، فالمدينة ترتمي أحياؤها على ضفتي واد كبير، ينحدر تجاه البحر، ويقع عليه سدّان مائيان، يحجبان التدفق المائى المطري تجاه البحر، وسعتهما تزيد قليلا عن 100 مليون متر مكعب، لكن ليبيا تعرضت أصلا لزلازل وبراكين وأعاصير سياسية في السنوات العشر الأخيرة، انعكست أحداثها ونتائجها على الاستقرار والأمن وعلى وجود دولة مستقرة، وحكومة يمكنها السيطرة على البلاد وحمايتها، فلم تتمكن من صيانة السّدين المذكورين خلال السنوات المذكورة، فكانا هما الكارثة الفعلية، التي أغرقت المدينة وقتلت وشردت ربع سكانها البالغ عددهم 100 ألف نسمة..
ولدينا في مصر شعب كبير، يبلغ تعداده أكثر من 110 ملايين نسمة، يعيشون في مصر، منذ عشرات آلاف الأعوام، عماد حياتهم كل الوقت هو نهر النيل، الذي أصبح مفخخا بمصائب بعدد سكان مصر، حيث تم بناء سد النهضة على النهر في إثيوبيا، وبأموال دولية، بينما كل الفكرة اسرائيلية يهودية، وهي واحدة من الأفكار الصهيونية للسيطرة على مصر..
خلال الأسبوع الذي ضربت فيه المأساتان كلا من المغرب وليبيا، أعلنت أثيوبيا انتهاء الملء الرابع للسد، الذي تبلغ سعته التخزينية رقما بعشرات المليارات من الأمتار المكعبة من المياه، وأصبح السد يحتجز ما تزيد نسبته عن 90% من الاستهلاك المصري، وهذه كمية أصبح تدفقها إلى مصر، من خلال «محبس» اثيوبي، وهذا بحد ذاته خطر يزيد عن خطر احتلال مصر والتحكم بها مقارنة باحتلالها عسكريا من قبل اثيوبيا وأية قوى أخرى، وهو خطر أعظم على السودان جارة أثيوبيا، التي يمر بها نهر النيل قبل وصوله لمصر.
الكوارث العظيمة التي باتت رهن محبس ماء في أثيوبيا، يتجاوز خطرها على مصر والسودان خطر آلاف القنابل النووية، فانهيار طبيعي او مفتعل لسد النهضة في أثيوبيا، سيكون خطره وتأثيره على السودان ومصر أكثر من خطر السدين اللذين انهارا وتدفق ماؤهما الى درنة الليبية وأغرق وشرد ربع سكانها، وهنا يمكننا القول بأن (تأمين) سد النهضة ومنع انهياره أصبح مهمة مصرية وسودانية أكثر منها اثيوبية، فهو قنبلة كبيرة تهدد وجود البلدين العربيين، وما كان يجب بناؤه في اثيوبيا لو كانت النوايا ليست نوايا تهديد لمصر والسودان وللأمة العربية كلها.
كل الكلام والمشاعر التي تختلج نفوس وقلوب وعقول العرب، لا قيمة لها، إن لم تتوجه تجاه الخطر الحقيقي والكارثة الأعظم، التي صنعها العالم في عمق الوطن العربي، وما زال يؤمن لها كل أسباب البقاء والتفوق والتمدد.
أين العرب وما هو مستقبلهم في ظل هذه الحقائق التي لا يختلف اثنان من أية ملّة على صوابها؟!.
ترحموا على الأموات والشهداء، فلا عمل مطلوب غير هذا للمواطن العربي، وأنا بدوري أترحم على الحي منهم قبل الذي يموت.