فلنفكر في دائرة الوطن.. ملاحظات حول الأداء النيابي *سامح المحاريق
الراي
استمعوا إلى بعضكم بعضاً، هذه كانت مناشدة رئيس مجلس النواب للأعضاء الذين لا يبدون اهتماماً بالاستماع إلى الخطابات التي يلقيها زملاؤهم، وكأن لسان حالهم يقول أن ما يسمعونه لا يبتعد كثيراً عما قدمه قبلهم، أو بعدهم، صفاً أنيقاً للكلام، وتعريفاً للماء بالماء، وهذه مقدمة غير مشجعة، ولكن المشهد كله مفهوم ضمن تركيبة المجلس، فالنائب يدخل المجلس فرداً وقد يتصادف أن يدخل كتلة نيابية تحت وطأة الحماس أو المحاولة التقليدية لإعطاء المجلس بعض الزخم في مفاوضة الحكومة، ولكن سرعان ما تتبدل هذه الكتل وتتحول وتنتج مشكلاتها الخاصة لأنها تربط أشخاصاً وإن اشتركوا في توجهات ما فإنهم يفتقدون لصيغة إلزام تجاه تشكيل رأي موحد بخصوصها.
لم تحضر في جلسات الثقة مطالب مناطقية، أو شكايات حول الدوائر الانتخابية، وكثيرون تحدثوا أصلاً داخل البيان الحكومي ولم يأتوا بجديد، أي الأوضاع الصحية والتعليم ومحاربة الفساد، ولكن هذا ما يحدث تحت القبة، وفي أي مجلس نيابي في العالم فالكواليس تتركز في الردهات والمكاتب والأحاديث الجانبية أو قصاصات الأوراق المتسللة والتي تلتقطها الصحافة من وقت إلى آخر.
النواب يحضرون ومعهم الشأن المطلبي ويعطونه الأولوية، بل ويحدث أن يقوموا بمتابعته مع الوزراء المختصين، ويقع الجميع في الإشكالية، فيفترض أن أي طلب يخص الدائرة الانتخابية للنائب هو مساومة من أجل صوته في موقف أو في آخر، كما أنه يتناقض مع الدعوة إلى التخطيط الجيد وتنفيذ البرامج بكفاءة، ولكن الوضع العام في الأردن يشجع على ذلك، فالنائب ينتخب على أساس وعود وتوقعات ولا يقدم برامج أو خططاً.
هذه العلاقة تفتح العلاقة لشيء من الشخصنة بين النواب والحكومة، فهذا نائب يمكنه أن يتحصل على ما يريده، والآخر لا يمكنه، وتنتقل العلاقة المشوهة لتضرب بين النواب أنفسهم، ولذلك فمن الصعب أن نسلم بما قاله أحد النواب أن الحكومة تشهد امتحاناً صعباً في الثقة! فأين يكمن الامتحان إذا كان النواب يؤكدون على ما تقوله الحكومة، وينادون بما أعلنته في بيانها، أو يذهبون إلى بعض التفاصيل هنا وهناك، ولا يوجد ما يمكن القول بأنه جوهري تماماً ليتم الاختلاف عليه، فنحن لا نتحدث عن خلاف حول تخصيص خمسين مليون إضافية للتعليم مثلاً، أو نية لإجراء تعديل في قانون العمل تمس كذا وكذا.
إذا كانت الأحزاب تحتاج إلى مراجعة هائلة، وجهوداً استثنائية، فليس أمامنا للخروج من حالة النشوة الشخصية التي تحكم الأداء النيابي إلا بتقديم نواب وطن يتم اختيارهم على مستوى الأردن ككل، أي نواب غير مرتبطين بالمناطقية وغير قادرين على ممارسة لعبة الاستمالة من خلال القرابة أو المال أو الوعود، فهذه مسألة ممكنة في الدوائر المناطقية، ومن الصعب تحقيقها على مستوى دائرة وطن، وقتها سيكون المجلس مليئاً بالكلام الذي يستحق الاستماع والانصات، الاتفاق والاختلاف، القبول والرفض.