عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Feb-2019

الموجود الذي ينسى أنّه ينسى - د. طه عبدالرحمن
 
الدستور - « كلما تأمّلتُ أحوال الإنسان في هذا الزمان واستغرقت في هذا التأمل، لم أزدد إلا يقينا بأنه لا كائن أنسى منه، حتى إني لو خُـيّرت في وضع تعريفه، فما كنتُ لأعرّفه بغير كونه الموجود الذي ينسى أنّه ينسى ، ولو خيّرت في اشتقاق اسمه، فما كنتُ لأقول غير أنه اشتُق من لفظ النسيان بدل لفظ الأنس ؛ وحتى لو صح أن اسمه مشتق من الأُنس ، فما كنت لأعتقد إلا أنه أنسٌ بما يجعله ينسى ما لا ينبغي نسيانه، لِـحرصه على بقاء نسيانه؛ إنه ينسى كل شيء يذكّره بأنه لا يملك من أمره شيئا، لا خَلقا ولا رِزْقا، ينسَى أنه كان في ظلماتٍ بعضها فوق بعض، بدءا بظلمة العدم وانتهاء بظلمة الحس؛ ينسى أنه لم يخلق ذرّة من ذرات بدنه، ولا نسمة من نسمات روحه؛ كما ينسى أنه كان في فاقات بعضها أشد من بعض، بدءا بفاقة النور وانتهاء بفاقة العلم؛ ينسى أنه لم يَرزُق عينَه بصرا ولا أذنه سمعا ولا لسانه نُطقا؛ يَنسى هذا وما دونه وما فوقه، حتى كان له النسيان ذكرا؛ وهل في النسيان أشدُّ من أن ينسى من لا ينساه ولا يغيب عنه أبدا، ومن هو أقرب إليه من نفسه، ومن يحول بينه وبين قلبه!»
روح الدين، ص:13
- « إن تطور العلوم، على خلاف ما يَظُن غيرُنا، لا يضيّق من رقعة الدين، بل يزيدها توسّعا، ولا ينقص من تأثيره، بل يزيده قوة، ذلك أن العلوم، لما كانت جزءا داخلا في بنية الدين نفسها، كانت الأطوار التي تتقلب فيها والتي يفضُل لاحقُها سابقَها، تفتح في الدين آفاقا معرفية غير مسبوقة وترقى بفهمنا له درجات على قدر هذه الأطوار، بل إنها تتعدى ذلك إلى كونها تجدِّد قدرتنا على التدين وتُنوِّع سبُل تحقُّقه لدينا.»
[ سؤال العمــل ،ص301]
- « الخبر الديني ليس خبراً علميا، وإنما هو خبر عملي، ذلك أن الدين لم يأت لكي يعلّم الناس ما يمكن أن يدركوه بآلاتهم وقدراتهم المختلفة التي خُلِقوا بها، ولا أتى على نسق نظرية علمية، حتى يمكن أن تُجرَى عليها وسائل التحقيق المعلومة كما ظن بعضهم، وإنمــا أتى لكي يُرشد الخلق إلى الطريق التي ينبغي أن يوجهوا بها عمل هذه الآلات والقدرات الإنسانية.»
[ سؤال الأخلاق،ص49]
- « ما من فعل من أفعال الإنسان إلا ويقترن، إما بقيمة خلقية عليا ترفع هذا الفعل درجة، فتزداد إنسانية صاحبه، أو بقيمة خلقية دنيا تخفض هذا الفعل درجة، فتنقص إنسانية صاحبه، وهذا يصح حتى ولو كان الفعل مجرد فعل ذهني، لا فعلاً عينيًّا، فقد يريد الإنسان بهذا الفعل الذهني جلب خير أو دفع شر، فيرتقي به إلى أعلى، أو يريد به جلب شر أو دفع خير، فينحط به إلى أسفل، بحيث يكون الحد الفاصل بين الإنسان والبهيمة ليس هو، كما رسخ في الأذهان، قوة العقل، وإنما هو قوة الخلق.»
[ مشروع تجديد علمي لمبحث مقاصد الشريعة ،ص42]