الراي
رسم المشاركون في حفل تأبين «الباشا» معروف البخيت، في ذكرى رحيله السنوية الاولى، صورة وطنيّة رائعة، وأمسى المركز الثقافي الملكيّ صورة مصغرّة عن الوطن الكبير، في حضور مهيب لمختلف أطياف المجتمع. وكلّهم جاءوا ليقولوا كلمة وفاء بحق دولة الدكتور «أبي سليمان» الذي خدم الأردن بإخلاص وتفانٍ، بروح الانتماء الكبير والولاء للعرش الهاشميّ، وأبدى دائمًا انفتاحًا للحوار مع كلّ الاتجاهات، واضعًا نصب عينيه مصلحة الوطن الكبرى فوق أي اعتبار.
سمعنا كلمات جليلة في ذلك المساء، وكلّها سلّطت الضوء على أمرين: شخصية البخيت المليئة بالجديّة والتواضع في آن واحد، والإنجازات الكبيرة التي قام بها في عهده، سواء في عمله العسكري أو التعليمي أو الحكومي.
ولا أريد أن أكرّر ما تمّ قوله، لكني أودّ تسليط الضوء على ما لم يقل بشكل صريح في حفل التأبين، لكنه موجود بين السطور المقروءة، وكذلك بأكثر من مكان في الكتاب الموزّع يومها، بعنوان: «معروف البخيت، فكر واستراتيجيّة»، وهو من إعداد ابنته الدكتورة سوزان معروف البخيت. وهي التي شارفت على حفل التأبين الوطني المهيب.
ففي أولى صفحات الكتاب، محاضرة لدولة الدكتور البخيت في عيد الاستقلال عام 2017 يعدّد فيها أبرز مقوّمات الشخصيّة الوطنيّة الأردنيّة، والتي لعبت دورًا محوريًّا في معتركات البناء والاستقلال، وفي الدفاع البطولي عن السيادة الوطنيّة وهويّة الأردن ومقدراته. وقد كتبت شخصيا عن الأمر مستندا إلى محاضرة البخيت، في جريدة الرأي بتاريخ 7/7/2017، بعنوان «مسيحيو الأردن، النسبة تقلصت وليس الحضور». وقد هاتفني دولته يومها شاكرًا ومؤكدًا أنّ اللحمة الأردنيّة بين المسيحيين والمسلمين، في هذا الوطن العزيز، هي تاريخيّة وفريدة، ولا م?يل لها في العالم».
فبعد عدّة نقاط للقوّة الأردنية مثل البنية الاجتماعية الأردنية والتقاليد الثقافية الاجتماعية، وحالة الطوارئ التاريخية، وحالة الندرة، يقول بانّ هنالك مؤسستين أسهمتا في استكمال نضوج الشخصية الأردنية المعاصرة، المؤسسة العسكرية والمؤسسة التعليمية الأردنية. ويصل الى جوهر حديثي اليوم، أي الى وصف دقيق لحالة الانسجام الديني التي أدت الى الانسجام المجتمعي، فيقول دولته: «عامل مهم لا بدّ الحديث عنه هنا، بكلّ الاعتزاز والفخر؛ ألا وهو دور الأردنيين المسيحيين، المتقدّم والأساسي في معتركات التنوير والبناء والنضال الوطنيّ ?في الدفاع عن هويّة البلد واستقلاله. فهذا المجتمع الأردنيّ تشكّل من أردنيين مسيحيين ومسلمين، التحموا معًا، في شخصيّة واحدة ومنظومة متكاملة، وكانوا دائمًا نموذجًا للتآخي، وقد تجاوزوا معًا قصة التعايش وما إلى ذلك، فالمسيحيون والمسلمون الأردنيون هم أبناء منظومات عشائريّة متحدة، خاضت على مدار القرنين الفائتين معترك البناء والتطوّر والإنتاج والدفاع عن الاتحادات الفلاحيّة، وأنشأوا القرى والحواضر خلال القرن التاسع عشر.. كما قام المسيحيون الأردنيون بدور كبير ورائد في مجال التعليم ومكافحة الأميّة، ولاحقًا في مجال جم? وحماية التراث. وخلال الإمارة كانوا روّادًا في الإدارة العامّة وفي المعارضة الحزبيّة وفي الصحافة والفنون وفي التأسيس للدولة المدنيّة الأردنيّة».
حفظ الله لنا الأردن، وأمّدنا دائمًا بمن يستطيع تعزيز المسيرة الأردنيّة بالعطاء الغزير، حفاظًا على مكتسبات الوطن، بوحدة وطنيّة غالية تنظر إلى المستقبل بتفاؤل كبير. رحم الله دولة الباشا البخيت، إنّه شخصيّة فذّة ستظل حاضرة في نفوس عائلته الصغيرة العزيزة، كما وعائلته الأردنية الكبيرة.