عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Sep-2023

باراك وشارون دفنا أوسلو.. وسموتريتش يقضي عليه

 الغد-هآرتس

بقلم: ليف غرينبرغ 20/9/2023
 
إن نشر محاضر جلسة الحكومة، التي تمت فيها المصادقة على اتفاق اوسلو، اثار نقاشات تركزت بالأساس على مواضيع معينة مثل هل الاتفاق نجح أم فشل، وماذا في الحقيقة كانت نوايا واهداف الاسرائيليين الذين قاموا بوضعه، وهل كانوا يطمحون حقا الى اقامة دولة فلسطينية مستقلة. هذه النقاشات مهمة الآن أكثر من أي وقت مضى، لأن من اطلقوا قبل ثلاثين سنة شعارات مثل "مجرمو اوسلو للمحاكمة" و"لا تعطوهم البنادق"، يجلسون الآن على سدة الحكم ويهاجمون رؤساء جهاز الامن، الذين يواصلون التمسك باستراتيجية اوسلو - التعاون الامني مع السلطة الفلسطينية وضمن ذلك تسليحها. النقاشات مهمة لأن اتفاق اوسلو ما يزال حي وقائم في رام الله وفي غزة، وهو يزعج تطبيق "خطة الحسم" من مدرسة بتسلئيل سموتريتش، وتطبيق نوايا التطهير العرقي للكهانيين.
 
هناك ثلاث نخب شكلت اتفاق اوسلو، العسكرية والاقتصادية والسياسية. في 1994 تم التوقيع على "اتفاق باريس"، الذي يدافع عن مصالح النخبة الاقتصادية في اسرائيل عن طريق فرض الجمارك المرتفعة ومنع الاستيراد الرخيص وتحويل الاقتصاد الفلسطيني الى سوق أسيرة. ايضا الاتفاق يخلق اعتماد رؤساء السلطة الفلسطينية، سواء في رام الله أو في قطاع غزة، على اسرائيل. اتفاقات اوسلو تقوم ايضا على صورة التعاون الامني بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية، الذي في اطاره يتم تقسيم السيطرة على المناطق المحتلة الى مناطق أ الحضرية، التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، والى مناطق ب، التي فيها الجيش الاسرائيلي مسؤول عن الامن والسلطة مسؤولة عن الادارة المدنية، ومناطق ج التي تقع تحت سيطرة اسرائيل الامنية والمدنية. الفلسطينيون في مناطق ب يعانون من التنكيل والمذابح التي ينفذها المستوطنون الذين يعيشون في مناطق ج. وحقيقة أن القرى الفلسطينية لا تحصل على الحماية تظهر بوضوح أن السلطة الفلسطينية ما تزال تحترم تقسيم الصلاحيات التي تم تحديدها في اتفاقات اوسلو، ولكن من غير الواضح كم من الوقت تستطيع الصمود بهذا الشكل.
   اتفاقات اوسلو تواصل كونها مبنى سيطرة كولونيالية يعكس اهداف رؤساء جهاز الامن والنخبة الاقتصادية. ولكن كان لاتفاقات اوسلو ايضا منطق سياسي، استهدف الدفع قدما بالحوار مع القيادة الفلسطينية وبناء الشراكة، التي تضمن انهاء سيطرة اسرائيل في المستقبل. هذا سمي "عملية سلمية"، التي حقا ماتت. عملية اتفاقات اوسلو لم يتم القضاء عليها على يد يغئال عمير أو يد بنيامين نتنياهو الذي وقف على رأس المحرضين ضدها، بالعكس. فمن أجل أن ينتخب رئيسا للحكومة قام نتنياهو بتغيير موقفه، وتبنى اتفاق الانسحاب من الخليل ووقع على اتفاق مع ياسر عرفات، "اتفاق واي"، الذي رسم استمرارية العملية عن طريق ثلاثة انسحابات (نبضات) اخرى.
من قام بخرق الاتفاق ووقف الحوار والغاء المفهوم الاجرائي الذي كان في اساس اتفاق اوسلو هو اهود باراك. منذ العام 1993، عندما كان رئيس الاركان، رفض الحوار والتعاون مع الفلسطينيين ووصف اتفاق اوسلو بأنه جبن سويسري مليء بالثقوب. وحسب تقديري فان اسحق رابين عرف أن باراك سيخرب الاتفاق اذا علم به مسبقا، لذلك فقد قام بإبعاده عن المفاوضات. في اللحظة التي انتخب فيها رئيسا للحكومة خرق باراك اتفاق واي واعلن بأنه لن تكون أي انسحابات وأنه سيتفاوض حول الحل النهائي. خلال سنة تجنب تشكيل طاقم للمفاوضات. وفي تموز 2000 فرض على ياسر عرفات "مؤتمر الحسم" في كامب ديفيد، دون الاعداد المسبق وفي الوقت الذي لم يكن لديه فيه حكومة وجهاز الأمن حذره من الفشل. باراك خطط لخطواته التي هدفت الى تحطيم الثقة باحتمالية عقد السلام والى انهاء البعد العملياتي لأوسلو وكأنه يقوم بتفكيك ساعة سويسرية. عملية الخداع الجماهيرية التي قام بها بالكامل وصفتها في كتابي بعنوان "سلام متخيل – حوار حرب، فشل الزعامة، والسياسة الديمقراطية في اسرائيل" (اصدار ريسلينغ 2007).
ضد الرؤية السياسية التي تؤيد عملية ديناميكية لتغيير المواقف، ولحوار وبناء شراكة سياسية مع القيادة الفلسطينية، التي عبر عنها رابين في جلسة الحكومة الاولى التي ناقشت اتفاق اوسلو، والتي استمر في الدفاع عنها الى أن قتل، قام باراك بتطوير استراتيجية سيطرة قسرية احادية الجانب بدون حوار. ولكن في البداية كانت حاجة الى اقناع "معسكر السلام" بأنه لا توجد عملية. بعد انتهاء مؤتمر كامب ديفيد الذي تم التخطيط له ليكون احتفال انتقالي قبل حفل تمزيق الاقنعة، اعلن بأنه قام "بقلب كل حجر" من اجل التوصل الى الاتفاق، وأنه "لا يوجد شريك"، ورفض اقتراح التوقيع على اتفاق مؤقت آخر ومواصلة المفاوضات.
في ختام خطابه اعلن بأنه الآن يستطيع "النظر في عيون كل أم عبرية"، بالاشارة الى حركة "الأمهات الاربع" والحاجة الى أن يبدأوا هنا بالاستعداد لسيناريو التضحية بالأبناء. من هنا يتبين أن باراك عرف أنه بعد تفجير "العملية" ستأتي انتفاضة فلسطينية، وهذا ما حدث، حيث جاءت وتسببت بمئات القتلى في الاشهر الاولى وقضت بالكامل على الثقة بالفلسطينيين وبالعملية السلمية. فقط عندما تبين أن باراك يقود معسكر السلام الى هزيمة صارخة في الانتخابات فقد سمح لطاقم المفاوضات بالذهاب الى طابا. ولكن عندما كان الطاقم على بعد خطوة عن الاتفاق قام باستدعائه للعودة الى القدس بسبب تنفيذ عملية.
 بعد اربع سنوات على الانتفاضة وخمسة آلاف قتيل فلسطيني واسرائيلي، اكمل رئيس الحكومة اريئيل شارون استراتيجية باراك احادية الجانب عن طريق الانسحاب من قطاع غزة، عملية عسكرية للسيطرة من الخارج، وبذلك دعم مقاومة حماس العنيفة والسيطرة على القطاع، كما حذر رئيس الاركان موشيه يعلون ورئيس الشاباك آفي ديختر. باراك وشارون هما من حفرا قبر اتفاق اوسلو. وقد ركزا على القضاء على الشريك السياسي وبذلك قاما بتشكيل اتفاقات اوسلو على صورة سيطرة كولونيالية، "فرق تسد"، التي تستمر حتى الآن.
كما قلنا فان مناقشة اتفاقات اوسلو ونوايا صائغيها ونتائجها هي مهمة الآن لأن القوى التي عارضتها قبل ثلاثين سنة تقود الآن الحكومة من اجل حل السلطة الفلسطينية ومواجهة عنيفة. بالتأكيد تخوف رؤساء الامن مبرر، في الحاضر وفي السابق، من فقدان السيطرة. لذلك، ضباط وجنود الاحتياط يقودون الاحتجاج الى جانب النخبة الاقتصادية التي شكلت اتفاقات اوسلو. ولكن المقاربة المحافظة المعنية بالحفاظ على بنية السيطرة لاوسلو لا تكفي اذا تنازلت عن المنطق السياسي الذي بحسبه الاتفاق هو عملية استهدفت احداث تغيير حقيقي. الاحتجاج لن ينجح في وقف الائتلاف المسيحاني طالما أنه لا يوجد لديه أي بديل سياسي عن خطة الحسم لسموتريتش، وطالما أنه لا يوجد على يمينه قيادة سياسية تعتبر الفلسطينيين شركاء في السلام وليس عملاء للحفاظ على أمن المستوطنين. هذه القيادة يجب أن تطرح على المجتمع الاسرائيلي رؤية من العدل والمساواة، وليس فقط للفلسطينيين، بل ايضا للقبائل التي يتشكل منها – حلم يمكن أن يتغلب على الشرخ الآخذ في التعمق في سلطة حكومة عنصرية، التي تزيد التحريض والكراهية. هذه المهمة غير سهلة، لكنها ممكنة اذا اخذنا في الحسبان الطاقة الكبيرة التي تم الكشف عنها في الاحتجاج والكوارث التي تجرنا اليها الحكومة وحجم المعارضة التي تثيرها الآن والتي يمكن أن تثيرها في المستقبل ايضا.