عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-Feb-2020

العلماني العربي "المسلم" ليس وصيّا على المسيحيين - سري سمور
((لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ))
 
سورة الممتحنة 8   
 
 الجزيرة - قبل حوالي ثلاثة عقود وفي طور الشباب وفورته، وسطوة الأمل وقوته؛ كان هناك ثمة نقاش يدور، خلاصته فكرة وضع غير المسلمين، خاصة المسيحيين عند إقامة دولة إسلامية؛ كان السؤال الموجه من داعين إلى (العلمانية) هو: هل من المنطقي فرض الجزية على شركاء الوطن؟ أليس من الإجحاف أن تقول لمناضلين من أمثال جورج حبش بأنه ذميّ منقوص المواطنة في الدولة الإسلامية العتيدة؟!
 
وقتها لم يكن مفهوم العلمانية عند من يطرح مثل هذه الأفكار المتسائلة، هو ما صار معلوما ومعروفا لاحقا؛ مثلما لم يكن مفهوم الدولة الإسلامية شبيها أو قريبا من مقاربته لاحقا...كلانا تعامل بنوع من البساطة الحالمة المتحمسة لما يؤمن به، وانشغل عن الأهم الواقع، بالمهم المحتمل...ولكن-مع كل البساطة حد السذاجة- لم يكن ظنّ العلمانيين المفترض في محله وكان الجواب:كلا ليس هذا هو المطلوب! حتى وصلنا إلى مرحلة يريد بغاة العالم فيها دولة يهودية في فلسطين التي كان اليهود فيها قبل قرن أقلية صغيرة جدا مقارنة مع المسيحيين ناهيك عن المسلمين...ولكن جرى ما جرى وكان ما كان.
 
جدل عقيم متجدد
وحين كبرنا وتغيرت الظروف والوقائع، وصار لدينا (نضوج) في الأفكار، واستعداد حقيقي-وليس تقية كما يصرّ أدعياء العلمانية دوما- للوقوف على أرضية مشتركة، لمواجهة التحديات والخروج من الأزمات، والتعاون في صياغة عقد اجتماعي مناسب، انعدم النضج عند أدعياء (التنوُّر) وأنّى نجد مثل هذا النضج في ظل تفاعلات وتراكمات غزو ثقافي شرس مستمر منذ حملة نابليون، أتى إلى بلادنا، وتحكم بعقول كثير من أبناء أمتنا وجاءونا بكل بضاعة مزجاة من البلاد الباردة؟!
 
بما أننا نعيش ذكرى اغتيال الشيخ حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين، فإن من شيع جثمانه إضافة إلى أبيه، هو السياسي والمفكر والوزير الوفدي السابق (مكرم عبيد باشا) حيث ربطته بالمغدور علاقة صداقة
فصار الأمر يتخذ طابع الجدل العقيم، والطرح السقيم، وسوق الاتهامات المعلبة، والفرضيات السخيفة؛ وأبرز هذه التهم والفرضيات القول: إن المسلم الباكستاني أو التركي أو الإيراني أو الأندونيسي أو الماليزي أو الشيشاني أو الهندي أحب وأقرب إلى قلبك من ابن وطنك المسيحي العربي.
 
ثم تأتيك طامة الخرق أو الخرف الفكري بطرح سؤال استحى أن يطرح مثله العابثون الفكريون في بيزنطة قبل 600 عام: في حال شنّ المسلمون من غير العرب حربا على إخوانك في الوطن من المسيحيين، فمع من ستقف، وإلى جانب من ستحارب، أم ستقف على الحياد؟ ثم يتبرعون بصلافة اتهاميّة بالإجابة عن سؤالهم الغريب العجيب: طبعا، بالتأكيد ستقف مع الأعجمي بحجة الانتماء الديني ضد ابن وطنك المسيحي؟!
 
مانويل مسلَّم وشنودة و...
قبل الحديث والرد على هذه الترّهات، أردت أن أضرب أمثلة تفضح طابور (العلمانجية والليبرالجية) من العرب المسلمين؛ ومنها رجل دين مسيحي فلسطيني من بلدة بيرزيت اللصيقة بمدينة رام الله هو (منويل مسلَّم) والذي له وقفات مع أبناء شعبه المسلمين، تتصف بالمروءة والرجولة، ويعرفها كل فلسطيني، وكثير من العرب في المحيط؛ وليس آخرها تضامنه ودعمه للشيخ عكرمة صبري بعد منع سلطات الاحتلال دخول الشيخ إلى المسجد الأقصى الذي اعتلى منبره وتولّى الإفتاء فيه ومنه عقودا من الزمن.
 
كما أن الأب منويل مسلَّم ربطته علاقات طيبة وودية مع الشيخ المجاهد أحمد ياسين-رحمه الله-  يستذكرها بحب وافتخار...هذا في الوقت الذي وجدنا فيه من العرب المسلمين من (يغرّد) في مواقع التواصل معلنا فرحه لما سمع باغتيال الشيخ ياسين...يا حيف! أما البابا شنودة الثالث فقد كانت مشكلته مع أنور السادات، فقد رفض مرافقته إلى الكنيست الصهيوني؛ كما رفض شنودة زيارة القدس وكنيسة القيامة أو المهد قبل زوال الاحتلال، وحضّ مسيحيي مصر على انتهاج هذا الرفض؛ بل قال في مقابلة صحفية بأن(حماس تقوم بالواجب) وقد تحفظ السادات على شنودة في دير وادي النطرون سنوات عدة.
 
بالطبع كانت لدى شنودة مطالب أو آراء تتعلق بأقباط مصر، وما يراه من حقهم، ولكن وبلا شك لم يكن من ضمنها السؤال السمج عن علاقة المسلمين (الغالبية العظمى) المصريين بإخوانهم في الدين من باكستان أو أفغانستان، ولا يهمه درجة الحب بين الطرفين، ولا فكّر بجيوش مسلمين غير عرب ستغزو مصر مستهدفة الأقباط حصرا.
 
وأيضا وبما أننا نعيش ذكرى اغتيال الشيخ حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين، فإن من شيع جثمانه إضافة إلى أبيه، هو السياسي والمفكر والوزير الوفدي السابق (مكرم عبيد باشا) حيث ربطته بالمغدور علاقة صداقة، وكتب بعدها مقالة يشيد بالبنا أيّما إشادة، وأيضا يغفل الليبرالجيون والعلمانجيون عن هذا الموقف عمدا وقصدا، لأنهم يريدون قذف الاتهامات التي لا دليل عليها، وتحركها الأحقاد الأيديولوجية والسياسية، والأمثلة كثيرة ولكن هذا فقط لنقول لـ (بني علمان) العرب المسلمين: أنتم تختلقون أوهاما، وتثيرون حولها ضجة، لا تخص أصحاب الشأن الذين لم يفوّضوا أيا منكم متحدثا باسمهم، أو محاميا عنهم، عوضا على أن ينصب نفسه وصيّا عليهم.
 
مذابح ومواقف منسية
يؤكد (باتريك سيل) بما أن القوم فقط يثقون بالأجنبي، أن مجزرة حماة هدمت أثناءها كنائس؛ وهو ما يؤكده شهود إضافة إلى قتل مسيحيين في المدينة، بدعوى أنهم من (الإخوان المسلمين) من قبل قوات النظام الأسدي البعثي (العلماني) الذي استولى على الحكم في سورية.. فيما أكد الشيخ القيادي في إخوان سورية أنه كان مختبئا عند عائلة مسيحية حموية صديقة مؤيدة للجماعة وساعدته على الهرب.
 
إذا كان هناك ظلم واقع بالمسيحيين، فهم يشاطرون الأغلبية المسلمة هذا الظلم الذي سببه استيلاء التيار المتعلمن المدعوم من الغرب مقاليد الأمور واستبدادهم بالأمر
والحادث الذي أقفل التحقيق فيه والذي أشارت صحف مصرية-بعد ثورة يناير- ومصادر أخرى إلى تورط(حبيب العادلي) وزير داخلية حسني مبارك بتدبيره، ومحاولة إلصاق التهمة بفلسطينيين من غزة، وهو تفجير كنيسة القديسين في الاسكندرية إبان احتفالات رأس السنة الميلادية 2011، يضع علامات استفهام على حوادث مشابهة سبقته أو تبعته؛ فمسئولية حماية الكنائس ورعاياها تقع على عاتق منظومة أمنية بوليسية، تتمتع بموازنات ضخمة وإمكانيات هائلة، وإذا كان العادلي بريئا فإنه بالتأكيد يملك مفتاح (الصندوق الأسود) ويعرف ما بداخله..فماذا جرى ويجري يا ترى؟
 
وأيضا في مصر فإن الرصاص والقمع والسحل والتنكيل وحرق الجثث الذي كابده المعتصمون السلميون في رابعة والنهضة صيف 2013 مصدره نفس الجهة التي قتلت الأقباط المسيحيين في محيط ماسبيرو خريف 2011، ولكن -في العرف العلماني-  المدعوم من الغرب يكفيك ألا تكون إسلاميا، وقل ما تريد، وافعل ما تشاء، واضطهد المسيحيين في وطنك، ثم التفت وقم بتوزيع التصنيفات كما يحلو لك، واطعن في وطنية الإسلاميين وانتمائهم متسلحا بمظلومية المسيحيين، التي هم برآء منها، وأنت وتيارك من يجب أن توجه لهم أصابع الاتهام لو كان ثمة عدل وإنصاف.
 
هذا و لم يلتفت كثير من المراقبين أو الإعلاميين إلى أن حزب الحرية والعدالة المنبثق عن الإخوان المسلمين، كان نائب رئيسه مسيحي إنجيلي مثقف ومفكر (رفيق حبيب) ومروا عن هذه مرور الكرام وهو أيضا عمل ضمن الفريق الرئاسي الخاص بالرئيس الراحل المنتخب د.محمد مرسي، فالعلمانية العسكرية لم تفرق في قمعها بين مسلم ومسيحي، ولكنها تتوكّأ على إسناد غربي، وصمت ينبع من حقد أو جهل، ولها بيادق إعلامية وثقافية وماكنة إعلامية ودرامية(مسلسلات وأفلام تتبنى رواية النظم) تجعل ظلم المسيحيين مسئولية الإسلاميين...وكأن للإسلاميين جيش وشرطة وأمن مركزي يقتل الناس!
 
حكمكم هو السبب
وإذا كان هناك ظلم واقع بالمسيحيين، فهم يشاطرون الأغلبية المسلمة هذا الظلم الذي سببه استيلاء التيار المتعلمن المدعوم من الغرب مقاليد الأمور واستبدادهم بالأمر، مما جعل حياة الناس من مختلف الملل والنحل جحيما دفعهم إلى شتى السبل للنجاة بأنفسهم، والسواد الأعظم من مثقفي ومفكري وإعلاميي العلمانية والليبرالية في بلاد العرب يؤيدون الاستبداد، أو يسكتون عنه، ويوجهون ما في جعبتهم من سهام حاقدة نحو الإسلاميين، ومن ضمن تلك السهام المسمومة استخدام ورقة الأقليات خاصة المسيحيين، وهم ليسوا بأوصياء عليهم، ولا يحق لهم-وهذا حالهم- التحدث باسمهم، لأن حديثهم أشبه بدموع التماسيح، ولا يحق لهم أن ينصبوا أنفسهم على ما هم ليسوا له بأهل، لأن من يمالئ الظالم المستبد شريك له في فعله وبطشه وقهره الذي مسّ المسلم والمسيحي وغيرهما!