عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    22-Sep-2020

الهروب إلى حاكورة الدار !*رشاد ابو داود

 الدستور

عشر دجاجات و طبعاً ديك ، عشر أزواج حمام، بدينار بذار فجل و بقدونس، عشرون شتلة بندورة ومثلها بتنجان، و..قطعة أرض صغيرة سمها مزرعة، سمها حاكورة أو ما شئت، حتى لو كنت تسكن في شقة فبامكانك، بل يجب أن تكف عن زراعة الورد وبدلاً منه ازرع الأكل. فالزمن ليس زمن الورد بعدما ذبل الود وقتلوا في أرواحنا الجمال، مرة بالكورونا ومرة بالتطبيع مع العدو ومرات بالديون وفوائد الديون وبالضرائب وبنات و أحفاد الضرائب. 
 
لست خيالياً ولا خالياً من الهموم، لكنها الاستراتيجية الأنجح في غياب الاستراتيجيات التي أوصلت الأمة الى هذا الحضيض. وكل ما تخشاه أن يكون ثمة حضيض ثان و ثالث ورابع وعاشر. لا أحد يعرف، والكل يسأل : لوين رايحين ! 
 
هناك، الدجاج لا يسمع الأخبار ولا يسألك :  ما أخبار الكورونا،  وكيف حال لبنان واليمن وليبيا وسوريا والعراق اليوم، وكم شهيداً سقط في غزة الليلة، وماذا يخبئون لفلسطين أيضاً ؟  
 
تقدم الواحدة منهن لك فطورك الصحي على طبق من قش، وبديمقراطية تترك لك الخيار أن تأكله مقلياً بزيت الزيتون أو السمن البلدي أو مسلوقاً مع الملح و الفلفل الأسود «تمعس» البيضة الواحدة في الصحن وتضيف اليها الزيت فتصبح أكثر، تغمسها بالخبز الساخن و..تحمد ربك على هذه النعمة. النعمة التي سرقها منك الفاسدون والأفاقون و المنافقون و..الخونة. 
 
أما الحمام فلا يوقظك هديله مع الفجر فقط. يطير يطير، يصفق بأجنحته فيأخذك الى فضاء بدون حصار، يمارس رقصته أسراباً أسراباً، فيجعلك تتمنى ان تكون طيراً لتخرج من هذا القفص. قفص الاجراءات والتعليمات و البروتوكولات و..العقوبات. 
 
يوفر عليك الحمام الوقوف في طابور «اترك مسافة مترين أو مترا ونصف المتر بينك وبين غيرك». ويحميك من نظرة حارس  الباب وهو «يستغل» سلطاته ليقول لك كما لو كان جنرالاً بلا حرب : أين الكمامة؟ يخيل اليك كما لو أنك سجين هارب أو مهرب ممنوعات. فتخضع للأوامر بلا مناقشة ولا اعتراض. كل ذلك لتحصل على صدر دجاجة أو قطعة لحم لطبخة اليوم.  
 
الحمام كريم. يقدم لك صغاره «الزغاليل» لتتطبخها أو تشويها و «ترم عظمك « من شوربتها أو تضيف اليها حفنة رز او فريكة من قمح بلادك. وان كان عقيماً يقدم لك نفسه حلالاً طيباً.  
 
كان أهلنا يعيشون على ما يزرعون وما يربون من دجاج وحمام و أغنام. لم يكونوا يعرفون الهامبرغر ولا المرتديللا ولا الهوت دوغ ولا البيتزا. لم تكن تفتك بهم أمراض السكري و السرطان والضغط وهشاشة العظام ولا الزهايمر. كان الواحد منهم بعشرة رجال حين يسلم عليك يضغط على يدك أنت الشاب فلا تحتمل. كان المسن يحدثك عن العصمليين و الانجليز واليهود والفرنسيين و الطليان بدقة كاشفاً عن تفاصيل لم تذكرها كتب التاريخ. 
 
لا لم يكونوا متخلفين يا سيدي. وماذا فعلنا نحن بالحضارة المستوردة التي استغلنا مصدروها بدل ان نستغلها؟ ها نحن أمة مهزومة مأزومة، مقسمة طوائف و طبقات وفئات، وأغلبنا يعيش على ما تتصدق به الدول من فتات. 
 
عودوا الى الأرض التي هجرتموها فغضبت عليكم سماؤها.