عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Sep-2024

المنظومة الصحية الأردنية.. الواقع والتحديات*أ.د. أحمد التميمي

 الراي 

تأتي هذه المقالة في ضوء دراسة علمية نُشرت حديثا أجراها الأستاذ الدكتور أحمد التميمي وفريقه البحثي في إحدى المجلات العلمية العالمية العريقة المُتخصصة في الرعاية الصحيّة والبحث وهي من مجموعة مجلة:BMC Healthcare and Research وما يُميّز هذه الدراسة النظرةالشمولية التي قدّمتها حولَ واقع النظام الصحي في الأردن من محاور متخصصة وجوهرية فضلاً عن أنها من أوائل الدراسات على مُستوى الأردن والعالم العربي والمنطقة في هذا المجال.
 
وحول مُكوّنات الدراسة فقد بدأت بمُقدمة حولَ منظومة إدارة الدولة الأردنية بشكل عام بما يُسهم بإفادة كل من الباحثين والمهتمين في الشؤون الأردنية، فيما ركّزت في محاور عدة على تغطية كافة جوانب المنظومة الصحيةالأردنية من حيث المؤشرات الصحيّة الرئيسة والبُنى التحتية والموارد البشرية والمنظومة الصحية بكافة جوانبهاالفنية والمالية والتعليم الطبي والسياحة العلاجية، كما وتطرّقت الدراسة للوضع الحالي وأبرز التحديات التي يجب التغلُّب عليها لما فيه خير المنظومة الصحيّة ونمائها.
 
وفيما يخُص المؤشرات الصحيّة الأردنية فقد وفّرّت الدراسة بياناتٍ وأرقاما تعلقت بالعديد من الجوانب ابتداءً من الديموغرافيا السُكانية حيث بلغ عدد سكان الأردن 11.517.887 نسمة،فيما يصل عدد الوافدين الى 3.003.817أي ما يُقارب 26%من العدد الكُلي للسكان، وهي ثاني أعلى نسبة في العالم بعد استراليا حيث تشكّل 30.14% وأكثر من كندا (21%)والمانيا (18%) وبريطانيا (15%). الدول المُستقبلة للوافدين باستثناء دول الخليج العربي لخصوصيتها.
 
ونوهت الدراسة إلى أن متوسط عُمر الأردنيين يبلغ 24 عاماًأي أن 50% من سكان الأردن حالياًتحت عمر الـ 24 عاماً، وأن متوسط الأعمار لدول العالم هو 30 عاماً.مما يُشير إلى أن الشعب الأردني شعب ٌفتي ٌجداً،وأن نسبة السكان الذين تتجاوز أعمارهم الــ 65 عاماًتصل الى 3.7% وهي متدنية جداً، مما يترتب على هذه الأرقام من تداعيات على الدولة الأردنية بشكلٍ عام وعلى المنظومة الصحية بشكل خاص، وأن نسبة الأبناء لكل سيده أردنية حاليا هي 2.2 حيث انخفضت بشكل كبير خلال العقدين الأخيرين نتيجة برامج التنظيم الأسري بشكل رئيسي.و أن نسبة وفيات الأطفال دون سن الخامسة 12.8 لكل الف حالة ولادة حيث أظهرت تحسناً ملحوظاً وأن مُتوسط الأعمار المتوقعه هو77عاماً للرجال و 78.8 عام للنساء، و كلاهما يعكس تحسن مستوى الرعاية الصحية في العقدين الأخيرين.
 
وفي سياقٍ مُتصل فقد بيّنت الدراسة بأن أسباب الوفيات في الأردن لكل 100.000 نسمة سنوياً سببها الأول هي أمراض القلب بنسبة 48،تليها الجلطات الدماغية بنسبة 28وفي الدرجة الثالثة حوادث السير وتُشكّل 17 وهي من أعلى النسب في العالم، فيما تبلغ الكلفة السنوية لها 324 مليون ديناراً، ما عدا الخسارة البشرية التي لا تقدر بثمن، ويلي ذلك مرض السُكري يتبعُهُ سرطان الرئة، وحولَ المشاكل الصحية الأخرى التي تشكّلُ عبئا كبيراً على المنظومة الصحية بشكل خاص وعلى الوطن بشكل عام فلفتت الدراسة إلى(مُشكلة التدخين) حيث تُعتبر منأعلى النسب في العالم وتشمل 85% من السكان دون الــ 45عاماً فيما تبلغ هذهالنسبة عند السيدات 46.4%.وتصل الكلفة المالية الى 2.67 مليار دولار سنوياً، وتُشكل ثامن سبب وفاة في الأردن بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، تلي تلك المشاكل مشكلة (البدانة) التي تشكّل عبئاً إضافيا هاماً، حيث تُعتبر من النسب العالية على مُستوى دول العالم وتصل إلى 44.2% عند الرجال و47.8% عند السيدات فيما تصل كلفتها ما يتبعها من أمور صحية قرابة 650 مليون دينار سنوي.
 
من جانب آخر بيّنت الدراسة بأن التأمين الصحي يغطيما نسبته76.8% من المواطنين الأردنيين، حيث تغطي (وزارة الصحة 41% من تلك النسبة، أما الخدمات الطبية الملكية فتبلغ 23.3%والمستشفيات الجامعية 1.3% والقطاع الخاص 12.5%) وكذلك منظمه الإغاثة الدولية لشؤون اللاجئين الفلسطينيين(UNRWA) 6.8% للرعاية الطبية الأولية بشكل رئيسي،المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (.(UNHCR أما بخصوص النفقات المالية على المنظومةالصحية على القطاع العام فتشكّل 6.4% من إنتاج الدخل الوطني، حيث يُغطي ذلك 65.6% من مجموع الأردنيين، وأن نسبة الكُلفة الصحيّة في القطاع العام تصل إلى 64% من النفقات الصحية بينما القطاع الخاص يشكل 31%، وأن النفقات الصحيّة تذهب بشكل رئيسي للعناية داخل المستشفيات اذ تصل الى 69.55% وفيما تستهلك الرعاية الصحية الأولية 21% من النفقات منها 7.17% للأمور الإدارية و 1.62 % لغايات التدريب، فيما أشارت الدراسة بأنه ولتتمكن الدولة من تغطية التامين الصحي الشامل فإن ذلك يتطلب زيادة النفقات على المنظومة الصحية بنسبة 30% تقريبا أي 271 مليون دينار،حيثُ يمكن تطبيق ذلك بشكل تدريجي خلال ثلاث سنوات تقريباً بزيادة تقريبية تبلغ1% سنوياً أي أن كلفة الزيادة السنوية تصل الى 72 مليون دينار سنوياً، علما بأن هنالك دولاً محدودة في العالم تصل نسبة التامين العام بشكل كامل أو شبة كامل مثل الدول الإسكندنافية وإسبانيا، علما بأن تركيا تصل الى 90% ومصر 60%.
 
وحول مُساهمه المواطن في التأمين في وزاره الصحة فتبلغ 3% من المعاش الإجمالي وبسقف لا يتجاوز 30 ديناراً شهرياً، وبما يُشبه مُنتفع يالخدمات الطبية، وحول الكلفة الدوائية فتصل الى 26.6% مننفقات الصحةالاجمالية،فيما يدفع المواطِن ما بين 0.25-10 دنانير من كل دواء وهو مشابه لباقي التأمينات الصحية، اما بخصوص كلفة الرعاية الصحية على الإخوة اللاجئين السوريين فوصلت الى 271 مليون دينارٍ سنوياً، حيثُ تم تغيير التشريعات بهذا الخصوص عام 2018 فأصبحوا يُغطون كُلفة 80% مما تتقاضاهُ وزارة الصحةمن الوافدين،الذين لا زالوا يتمتعون بالرعاية الصحية المجانية لحالات الولادة والطفولة.
 
وفيما يخُص البُنية التحتية للمنظومة الصحية الأردنية: فأوضحت الدراسة بأن مجموع المستشفيات في الأردن يصل إلى 120 مستشفى 70 منها للقطاع الخاص فيما يصل عدد الأسرة في الأردن الى 15999 موزعاً بين وزارة الصحة 5884 سريرا والخدمات الطبية الملكية 3350 سريراً والمستشفيات الجامعية 1236 سريراً ومستشفيات القطاع الخاص 5529 سريراًوتصل نسبة الإشغال الشمولية الى 58.6%،ومما يبين وجوداشكال يتينيجب ان تكون ان أولوية في إدارة المنظومةالصحية وهُما: زيادة نسبة الإشغال وزيادة عدد الأسرّة خلال فترة زمنية محددة.
 
وحولَ الموارد البشرية فإن أعداد الكوادر لكُل 10.000 نسمة هي على النحو التالي:الأطباء 31.7 أطباء الأسنان 9 الصيادلة، والتمريض37.5،حيث أن نسب الأطباء وأطباء الأسنان تعتبر عالية جدا مقارنة بالأرقام العالمية والإقليمية بينما يوجد نقص كبير في أعداد الكوادر التمريضية، ويجب تصويب ذلك من خلال زيادة الكوادر التمريضية وتنظيم عدد الاطباء وأطباء الأسنان والصيادلة.
 
وقد عملت المنظومة الصحية الأردنية على مُواكبة معايير النوعية والتميزعلى مدار العقود الأخيرة معتمدةً معايير الجودة العالمية وكذلك المعايير الوطنية حيثُ حصلت 7 مستشفيات وطنية على معايير الاعتمادالعالمية بشكل دوري حيث يعاد تقييم هذه المؤسسات كل 3 أعوام وكذلك تم الحصول على شهادة الاعتماديةالوطنية في 17 مستشفى و42 مركزاًصحياً وبعض مراكز التصوير التشخيصي.
 
أما محور التعليم الطبي فقد واكب الأخير التحوّلات العامّة في العِقدين الأخيرين عبر زيادة عدد الطلبة والتوسع في الكليات الطبية العامة، وإنشاء كليات في الجامعات الخاصة،فأصبح لدينا حالياً 8 كليات طب و6 كليات طب أسنان، كما أن معايير القبول ترتكز على التحصيل في شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها بشكل تنافسي، باستثناء القبول في النظام الدولي للطلبة الأجانب. أما باقي منظومة القبول فهي ضمن قوائم التنافس وفق الفئة المعنية فيما بينها، وأن خطط المناهج هي مزيج بين المُدمج في العلوم الطبية الأساسية والتقليدي في العلوم الطبية السريرية وهي بحاجة الى التطوير بما يتناسب مع التطور التكنولوجي والتقني، وهنالك عدد كبير حاليا من الطلبة على مقاعد كليات الطب الأردنية العامة اذ يتجاوز العدد الـــ 20 الف طالب وطالبة، وتشكل نسبة الوافدي نمنهم ما نسبته20% وهنالك أيضا 4188 طالب و طالبة على مقاعد الدراسة في كُليات طب الأسنان منهم 19% من الطلبة الوافدين، كما أن هُنالك 10.397طالباً وطالبة في كليات الصيدلة منهم 10% من الطلبة الوافدين.
 
وحول الدراسات العُليا فان الغالبية العظمى من التخصصات الطبية الرئيسية والفرعية يتم التدريب فيها محلياً، بالتعاون مع المجلس الطبي الأردني، فيما يبلغ عدد الخريجين الذين يلتحقون في برامج الاختصاص قرابة 1200 طبيب وطبيبة سنوياً في مختلف المؤسسات، فيما تتراوح مدة التدريب بين 3-6 سنوات حسب التخصص، وينتهي ذلكَ بامتحان المجلس الطبي الأردني الذي يُعتبر الأساس للحصول على شهادةالاختصاص من المجلس الطبي الأردني لممارسة مهنة الاختصاص في الأردن، وتقوم على الأمتحان من قبل لجان طبية متخصصة تنفذ وتُدير الامتحان من قبل المجلس الطبي الأردني ويتم الامتحان مرتين كل عام.وقد حصل تعديل لقانون المجلس الطبي الأردنيعام 2023 بحيث يسمح لمعادلة الشهادة دون الدخول الى امتحان المجلس الطبي الأردني،لمن حصل على الشهادة من الخارج وخدم 3 سنوات كاختصاصي في البلد الذي تم التدريب فيه.
 
وفي ذات السياق فمن المُلاحظ بأن هُنالك نقصاً شديداً في برامج الماجستير في الدراسات العليا في العلوم الطبية الأساسية، فهنالك تقريبا عدم وجود برامج دراسات عليا لدرجة الدكتوراه في كليات الطب بشكل خاص، إذ يجب انشاء هذه البرامج للحاجة الماسة لذلك على مستوى الوطن و ألأقليم.
 
وقد عرّجت الدراسة على موضوع السياحة العلاجية التيتُشكل مصدر دخل مهم للأردنيين حيث أن السياحة في الأردن بشكل عام قبل جائحة كورونا ساهمت في 10.3% من انتاج الدخل الوطني فيما ان السياحه العلاجية تعتبر جزءاً مُهماً من السياحة بشكل عام وتشكل 3.5% من بالغ الإنتاج المحلي حيث يتمتع الأردن بسمعة طبية عالية وبنىتحتية جيدة فيما تتيح العلاقات الدولية للأردن تسهيل قدوم الطالبين للعلاج اضافة الى عوامل مُساندة منها عامل اللغة والحضارة والثقافة وتنوع المرافق السياحية الأخرى في الأردن وكذلك الكلفة الأجمالية للعلاج مقارنة مع أي دولة منافسة في الإقليم أو خارجه مما يجعل من الأردن مقصداً مُنافسا عالمياً، الا أنه يحتاجُ الى التنظيم والدعم اللازم، علما بأن هذا القطاع يعاني مؤخراً لتوابع حرب اسرائيل على غزة ونامل أن يتعافى قريباً بوقف هذه الحرب.
 
حَفظ الله الأردن ومؤسساته ومُقدرّاته ليبقى النموذج الأمثل الذي نتمناه على الدوام.