عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Oct-2020

سفراء القرآن*سائد كراجة

 الغد

الحملة على ماكرون هي حملة تأييد له، ذلك أنه يحتاج لأكبر قدر من عداء الإسلام والمسلمين لكي يهزم اليمين الفرنسي، بزعامة مارلين لوبان في الانتخابات الفرنسية المقبلة، وكما هو معروف فليس لليمين الأوروبي عموما، والفرنسي خصوصا سوى قصة المهاجرين وتحديدا المسلمين منهم.
المسلمون الذي يَقضون مضاجع أوروبا اليوم ـ وقد فاق عددهم في الاتحاد الأوروبي أكثر من عشرين مليون مسلم، أقول إن هؤلاء المسلمين ليسوا أحفاد عبد الرحمن الغافقي قائد جيوش «الفتح» في معركة بلاط الشهداء جنوب فرنسا، هؤلاء مسلمون فرنسيون من الجيل الثاني والثالث، وأي واحد منهم يستطيع أن يصبح رئيسا لجمهورية فرنسا، فحيث تَعَرف الغرب في القرن الثامن الميلادي على المسلمين « كغزاة» جهز في مواجهتهم جيوشا وخاض معهم حروب الاسترداد لطردهم من الأندلس وأوروبا عموما وقد نجح، فإنه اليوم يجابه مسلمين «أوروبيين» لا يملك وسيلة لطردهم، وهم على ذات المستوى من الحقوق والواجبات، وهذا لعمري في روع أوروبا خطر عميم.
مصدر الخطر كما يعيشه الأوروبي يكمن في أن الآباء الأوائل لهؤلاء المهاجرين كانوا عموما يتسابقون للتماهي مع الغرب الذي أبهرهم حضارة، وعلما وفرصا أفضل للحياة، ولكن وبعد المد الإسلامي الخميني، ورديفه السني، وفي ضوء فشل سياسة إدماج هؤلاء المواطنين في المجتمع الأوروبي، وأمام أنماط من تمييز»ناعم» ضدهم، وأمام حاجتهم لهوية في الغربة، – والغربة تكثف شعور الحاجة للهوية- صار الإسلام في الغرب برموزه وشعائره ملجأ لهم، وقد ساعدهم في ذلك مساحة كبيرة من حرية العبادة والاعتقاد أكثر من ذات المساحة المتاحة لهم في اوطانهم الأصلية.
وفي أفياء الحرية التي يعيشون، تحول عدد كبير منهم إلى مُنكِر ورافض، بل ومحارب للمجتمع الأوروبي الذي يعيش فيه، وهو جاهز للانقلاب عليه، رافضٌ عقائديا لثقافة هذا المجتمع وفكره، وقد التقط كثيرٌ من رموز اليمين الأوروبي الكارهين أصلا للمهاجرين واندماجهم هذا التناقض الذي شكل خوفا عند الأوروبيين وجعل من شخصيات يمينية أوروبية وأميركية مثل ترامب ولوبان والهولندي فيلدرز نجوما تحج لهم أصوات الناخبين في انتخابات الدول الأوروبية والأميركية.
وفي هذا السياق فإن العلاقة بين حرية التعبير في الغرب، وثقافة المسلمين الأوروبيين، قضية أوروبية بحتة، وهي قضية تحكمها صناديق الاقتراع هناك، وفي اليوم الذي يكون فيه للمسلمين رأي في الصناديق سوف يغيرون عبرها القانون، وقد يصبح مس الرسولِ أو أي رمزٍ ديني أو التهجم على الحجاب، جريمةٌ تماما مثلما ما هو الآن ذكر الصهيونية – ولو بمعرض بحث علمي-جريمة تلاحقُ عليها قانونا في أغلب دولِ أوروبا.
نعلمُ أن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، رسول العالمين جميعا، وأن المس به يمس مشاعر المسلمين جميعا، وهذا – وحتى من وجهة نظر علمانية – مرفوض رفضا قاطعا، فليس في العلمانية ولا في حرية التعبير مجالٌ للإهانة أو الأذية، ولا يغير من هذا القانون ما درجت عليه أوروبا من التعرض والتعريض بكل الرموز الدينية والسياسية، ومنها الأنبياء والمرسلون والكتب السماوية جميعا، ونحن إذ نؤكد على مكانة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، وقيمته الحضارية قبل الدينية، فإنه من المتفق عليه سندا لسنة الرسول الثابتة، ونهجه العملي في الدعوة، أن قطع رأس إنسان أيا كان لأنه تعرض للرسول أو آذاه لا يمثل سنة الرسول ولا سيرته ولا نهجه، لا بل أنه هو الاعتداء على إرث وسنة هذا الرمز العالمي العظيم، الذي تحدث بهما علماء ومفكرو الغرب نفسه قبل العرب أحيانا.
أختم بقول للإمام علي ـ كرم الله وجهه ـ :» ….. هَذَا اَلْقُرْآنُ إِنمَا هُوَ خَط مَسْطُورٌ بَيْنَ اَلدَّفَتَيْنِ لاَ يَنْطِقُ بِلِسَانٍ ولاَ بُد لَهُ مِنْ تَرْجُمَان. ….»، والشاهد هنا أن سلوك المسلمين هو ترجمان القرآن، وأنه بقدر حقهم في الانتصار لسيرة الرسول وكرامته، فإن ليس من حقهم غض الطرف عن فعل مُنكَرٍ يُؤتى تحت عنوان الإسلام والمسلمين، وما يُعتَقَدُ أنه دفاع عن الرسول الكريم.
المسلمون هم سفراء القرآن والإسلام، وهم الآن في كثير من سلوكياتهم حجة عليه وليس حجة له، وهذا ما يجعل ليس فقط المسلمين بل الإسلام في أزمة، فاهم علي جنابك؟