عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Sep-2024

لماذا الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة حرب غربية على الشعب الفلسطيني‏

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

جوزيف مسعد‏* - (ميدل إيست آي) 30/8/2024
‏‏تشترك الدول الغربية وإسرائيل في نفس قيم الاستعمار الاستيطاني والعنصرية والتفوقية البيضاء والإبادة الجماعية - وكلها أدوات إمبريالية لحماية مصالحها.‏
 
 
‏حرب الإبادة الجماعية التي تُشن حالياً ضد الشعب ‏‏الفلسطيني‏‏ لا تشنها ‏‏إسرائيل‏‏ وحدها.‏ ‏إنها إبادة جماعية غربية، ترتكبها ‏‏الولايات المتحدة‏،‏ والمملكة ‏‏المتحدة،‏‏ ‏‏وفرنسا‏‏ ‏‏وألمانيا‏‏ وبقية دول ‏‏الاتحاد الأوروبي‏‏ ‏‏وحلف شمال الأطلسي‏‏.‏
وليست حقيقة تأسيس إسرائيل كموقع إمبريالي غربي لضمان سيطرة الدول الغربية ونهبها للعالم العربي بالخبر الجديد. ومع ذلك، يشعر الكثيرون اليوم بالارتباك إزاء دعم الغرب الهائل للإبادة الجماعية الإسرائيلية، معتقدين على ما يبدو أن المذبحة الغربية للفلسطينيين لم تبدأ إلا بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر).‏
‏في الواقع، بدأ الجهد العسكري والسياسي لتأسيس إسرائيل كمحطة عسكرية غربية في العام 1917، عندما أصدرت بريطانيا "وعد بلفور" بدعم من القوى الاستعمارية والإمبريالية الأخرى.‏ ومنذ ذلك الحين، لم تهدأ الحرب الإمبريالية والعنصرية الغربية ضد الشعب الفلسطيني.‏
‏في العالم العربي، لطالما نظر معظم المثقفين المناهضين للإمبريالية إلى إسرائيل على أنها محطة إمبريالية غربية مزروعة في قلب المنطقة.‏ وعلى النقيض من ذلك، تنظر النخب العربية اليوم، الموالية للإمبريالية والتكنوقراطية العربية التي تدير المنظمات غير الحكومية المحلية الممولة من الغرب إلى إسرائيل على أنها منفصلة عن الغرب، ولو أنها ترتبط به. وهم يؤكدون أن ‏‏لوبيها‏‏ يتمتع بقدر هائل من النفوذ في العواصم الغربية، التي يُزعم أنه تسلل إليها واخترقها.‏ وقد أعربت هذه النخب عن صدمتها من الدعم الغربي الأخير للإبادة الجماعية في إسرائيل، لأنها كانت تثق بأن الغرب يدافع عن "حقوق الإنسان".‏
وفي ترديد للدعاية الليبرالية الغربية، غالبًا ما تسيء هذه النخب تقديم الالتزام الغربي بحقوق الإنسان، فتقدمه على أنه "عالمي" بدلاً من كونه مُقتصرًا على الأوروبيين البيض والأميركيين فقط.‏
‏أما الاستثناءات من السكان غير البيض، فهي تتعلق بأولئك الذين يعتبرون ضحايا لـ"أعداء" معلنين للغرب. عند ذلك فقط يستحقون تعاطف الليبراليين الأوروبيين والأميركيين البيض -وفقط طالما كانت المصالح الغربية تتطلب ذلك، حتى يتم نبذهم ونسيانهم، مثلما حدث مع شعوب ‏‏العراق‏‏ ‏‏وسورية‏ ‏‏وليبيا‏‏، من بين آخرين.‏
وبما أن الفلسطينيين لا يستوفون هذا المعيار العنصري والإمبريالي الغربي، فقد دعم الغرب ذبحهم لأكثر من ‏‏سبعة عقود‏‏.‏
‏ومنذ العام 1948، زود الغرب إسرائيل بشكل متواصل وبلا كلل بجميع ‏‏أنواع الأسلحة‏‏ اللازمة للقضاء على الفلسطينيين، وسرقة واستعمار أراضيهم، وطردهم مباشرة، وقهر السكان الباقين وقمعهم من خلال إخضاعهم لنظام فصل عنصري تديره الدولة الإسرائيلية، والمذابح التي تفوض بتنفيذها المستعمرين اليهود في المستعمرات.‏ وفي الوقت نفسه، وفر الغرب غطاء قانونياً ودبلوماسياً لحماية إسرائيل من الازدراء الدولي (من الدول غير الغربية).
‏محطة إمبريالية‏
‏منذ إنشائها في العام 1948، عُهد إلى إسرائيل بالمساعدة في حماية قناة السويس، وكذلك نفط الشرق الأوسط، لصالح الولايات ‏‏المتحدة‏‏ ‏‏وبريطانيا‏‏ ‏‏وفرنسا‏‏.‏ وبدأت مقترحات إنشاء دولة يهودية صهيونية في فلسطين لخدمة المصالح الإمبريالية في وقت مبكر هو العام 1859، عند بداية بناء قناة السويس. وقد اعتبرها الصهاينة المسيحيون واليهود والضباط الإمبرياليون من بريطانيا وفرنسا محطة إمبريالية دائمة لحماية طريق التجارة ضد المقاومة المحلية المحتملة لحكمهم أو التهديدات القادمة من الإمبراطوريات المنافسة.‏
‏قدم موسيس هيس، وهو يهودي فرنسي ألماني من الصهاينة الأوائل، هذه ‏‏الحجة‏‏ في كتابه ‏‏"روما والقدس‏‏"، 1862، فكتب: "هل ما زلتَ تشك في أن فرنسا ستساعد اليهود على تأسيس مستعمرات قد تمتد من السويس إلى القدس ومن ضفاف نهر الأردن إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط؟‏".
‏الشيء نفسه قدمه مؤسس "المنظمة الصهيونية"، ‏‏تيودور هرتزل‏‏، عندما سافر إلى مصر في العام 1903 للتفاوض مع ‏‏اللورد كرومر‏‏ من أجل ‏‏الاستعمار‏‏ اليهودي للمنطقة الواقعة بين النيل وقناة السويس.‏
‏وبعد أكثر من عقد من الزمان لاحقًا، شدد رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد لويد جورج، على أن السيطرة البريطانية على فلسطين ضرورية استراتيجياً للدفاع عن قناة السويس. وكانت هذه نقطة سبق أن أكد ‏‏عليها جوزيف تشامبرلين‏‏، وزير المستعمرات البريطاني الصهيوني المسيحي، لهرتزل عندما عرض عليه سيناء والعريش للاستعمار اليهودي.‏
‏وفي حين كان البريطانيون هم الذين رعوا استعمار فلسطين، كانت "عصبة الأمم" التي يسيطر عليها الغرب هي التي عهدت إلى بريطانيا بهذه المهمة الغربية الخبيثة في العام 1922.‏ كما كانت الأمم المتحدة، الوليدة الرسمية للعصبة، هي التي شرعنت أيضًا سرقة المستعمرين اليهود للأراضي الفلسطينية من خلال قرار التقسيم الذي صدر في تشرين الثاني (نوفمبر) 1947، ثم اعترفت بالمستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية بعد إنشائها.‏
‏كمحطة إمبريالية، قامت إسرائيل بغزو ‏‏مصر‏‏ في العام 1956 لتسهيل الاستيلاء العسكري البريطاني والفرنسي على القناة بعد أن قام الرئيس المصري جمال عبد الناصر بتأميمها.‏ ثم، بعد أن أصبحت امتدادًا إقليميًا حقيقيًا للولايات المتحدة في العام 1967، عُهد إلى إسرائيل بحماية ما تعتبره الولايات المتحدة أحلافًا موالية لها وضمان بقائها في السلطة.
‏وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي وأحداث 9/11، ظلت إسرائيل محطة إمبريالية مهمة، وأصبحت شريكاً رئيسياً في التحالف الأميركي في المنطقة. وتم تكليفها بمهمة درء أي أعداء جدد تستحضرهم الإمبراطورية الأميركية في المنطقة والعالم.‏
التواطؤ الغربي‏
‏في الوقت الذي يشهد فيه العالم إبادة جماعية على الهواء مباشرة ضد الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأول (أكتوبر)، لم يكن أمام الحكومات الغربية خيار سوى دعم الإبادة الجماعية علنًا بكل طريقة ممكنة -عسكرياً ومالياً- وكذلك بالدعاية الرسمية الحرفية التي تنشرها وسائل الإعلام الغربية الرئيسية العنصرية والمؤيدة للإمبريالية.‏
‏وللمساعدة في جهود إسرائيل، أطلقت الحكومات الغربية أيضًا تدابير شرطية قمعية صارمة ضد المواطنين الغربيين الذين يتكرّمون بدعم الفلسطينيين.‏
وسارع المجرمون البريطانيون، الذين قادوا القطيع تاريخياً في جهد تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم وتشريدهم، إلى إرسال ‏‏الأسلحة والقوات‏‏ في 8 تشرين الأول (أكتوبر) لمساعدة المستعمرة الاستيطانية التي أنشأوها، وكرسوا قواعدهم العسكرية في المنطقة للدفاع عن إسرائيل.‏
‏ومنذ ذلك الحين، صوتوا لحماية إسرائيل من الإدانة في الأمم المتحدة، وضغطوا على "‏‏المحكمة الجنائية الدولية"‏‏ لحملها على عدم توجيه اتهام إلى القادة المجرمين في إسرائيل بسبب فظائعهم، وعارضوا تحقيق "محكمة العدل الدولية" في ‏‏جرائم الاحتلال‏‏ الإسرائيلي ‏‏والإبادة الجماعية‏‏، وأطلقوا العنان لأجهزتهم الشرطية ‏‏لمضايقة‏‏ النشطاء البريطانيين الذين يدافعون عن الفلسطينيين، وأطلقوا حملة دعائية كبيرة، بمساعدة هيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي) لدعم الجرائم الإسرائيلية. وأسهمت ‏‏الجامعات البريطانية‏‏ في هذا الجهد المؤيد للإبادة الجماعية من خلال سن تدابير قمعية ضد طلابها.‏
كما أرسل الفرنسيون، الذين وصلت ‏‏عنصرية الدولة‏‏ ضد العرب والمسلمين عندهم إلى مستويات مروعة في العقدين الماضيين، ‏‏سفنًا‏‏ وأسلحة وأفرادًا لمساعدة إسرائيل في حرب الإبادة الجماعية، وأمروا القواعد العسكرية الفرنسية في المنطقة بالدفاع عن إسرائيل.‏
‏كما قدمت فرنسا الحماية لإسرائيل في الأمم المتحدة، ‏‏وبررت‏‏ الاحتلال الإسرائيلي أمام "محكمة العدل الدولية"، ونشرت الدعاية المؤيدة لإسرائيل من خلال وصف معارضة الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة بأنها شكل من أشكال معاداة السامية، ومن المفارقات أن ذلك شكل حافزًا لتنظيم ‏‏مظاهرات فرنسية‏‏ حاشدة -ليس ضد الإبادة الجماعية بل ضد معاداة السامية المزعومة، بينما ‏‏حظرت الدولة‏‏ جميع المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين.‏
كل هذا بالكاد جديد، حيث كانت فرنسا المورد الرئيسي للأسلحة إلى إسرائيل طوال فترة الخمسينيات وحتى العام 1967، وكانت مهندس البرنامج النووي الإسرائيلي.‏
‏"حق إسرائيل في القتل"‏
‏على الرغم من المنافسة الشديدة بين الدول الأوروبية الأخرى والولايات المتحدة في دعم إسرائيل، فإن إجراءات ألمانيا المعادية للفلسطينيين ربما تكون الأسوأ على الإطلاق.‏
‏فقد ‏‏حظرت هي أيضًا‏‏ ‏‏وقمعت‏‏ جميع ‏‏المظاهرات‏‏ المؤيدة للفلسطينيين، وقدمت ‏‏الأسلحة‏‏ والأموال والدعم الدبلوماسي لإسرائيل، وسارعت إلى الوقوف معها في "‏‏محكمة العدل الدولية"‏‏ للدفاع عن جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها باعتبار أنها ليست إبادة جماعية، ‏‏وانتقدت‏‏ المدعي العام لـ"المحكمة الجنائية الدولية" لطلبه إصدار مذكرات اعتقال بحق القادة الإسرائيليين مجرمي الحرب، وأطلقت ‏‏العنان لدعاية‏‏ مكثفة مؤيدة لإسرائيل ومعادية للفلسطينيين لسكانها الذين يتعرضون مسبقًا لقصف كبير من الدعاية -بل وحتى للجماهير الأجنبية.‏ كما واصلت حكومة برلين ‏‏قمع‏‏ حرية التعبير ‏‏وإسكات‏‏ أي منتقدين إعلاميين للدعم الألماني لدولة الإبادة الجماعية.‏
‏لا شيء من هذا جديد، بطبيعة الحال، لأن ألمانيا كانت مورداً رئيسياً للأسلحة لإسرائيل منذ عقود، وزودت إسرائيل بغواصات قادرة على حمل صواريخ كروز ‏‏ذات رؤوس نووية‏‏.‏ بل إن مسؤولي الدولة ‏‏أيدوا‏‏ حق إسرائيل في قتل الشعب الفلسطيني باسم الدفاع عن النفس ضد سكان مأسورين.‏
‏ومن جانبها، ولكي لا يتفوق عليها أحد، بذلت الأمم المتحدة أيضًا جهودًا كبيرة لدعم المذبحة الإسرائيلية. في حزيران (يونيو) 2023، قبل أشهر فقط من حملة الإبادة الجماعية، رفضت إدراج إسرائيل ‏‏كمنتهكة‏‏ لحقوق الأطفال.‏ ‏ثم أصدرت في وقت لاحق ‏‏تقريرًا رديئًا‏‏ عن مزاعم الاغتصاب التي أطلقتها إسرائيل ودعائيوها الغربيون بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر)، بينما اعترفت بأن فريقها "لم يتمكن من تحديد مدى انتشار العنف الجنسي وخلص إلى أن الحجم الإجمالي والنطاق والإسناد المحدد لهذه الانتهاكات يتطلب تحقيقا كاملاً".‏
‏وفي الآونة الأخيرة، طلبت الأمم المتحدة من ‏‏سيغريد كاغ‏‏، كبيرة منسقي الشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار الهولندية في غزة، التنسيق مع أعداء المقاومة الفلسطينية، بما في ذلك إسرائيل وحلفاؤها والسلطة الفلسطينية المتعاونة، بشأن اقتراح "الوصاية الدولية والانتقالية والمؤقتة" على غزة، والتي تعتقد أنه سيتم تفويضها من خلال قرار من مجلس الأمن الدولي.‏
وحضرت كاغ اجتماعات ضمت رئيس المخابرات في السلطة الفلسطينية ماجد فرج، الذي يتعاون مع الإسرائيليين لقمع المقاومة الفلسطينية، ومع اللواء في الجيش الإسرائيلي، غسان عليان، لمساعدتهم على حل عقدة "رفح ونتساريم"، التي تريد أن تتولى الأمم المتحدة السيطرة عليها.‏
وتبدو حقيقة أن اقتراح كاغ الأمم سيجعل الأمم المتحدة ليست متواطئة مع الاحتلال الإسرائيلي فحسب، وإنما طرفًا نشطًا فيه، لا تزعج كاغ أو رؤساءها في الأمم المتحدة، كما ‏‏كشفت‏‏ صحيفة الأخبار اللبنانية مؤخرًا.‏
مشاركة فعالة‏
‏في الأثناء، تبدو فرص الربح المالي في غزة ما بعد الإبادة الجماعية مغرية للغاية بحيث لا يمكن تفويتها.‏ و‏يقال إن ‏بعض العرب ‏من المنطقة ‏ينسقون‏‏ مع الأميركيين والجامعة الأميركية في بيروت للاستحواذ المخطط له على جميع المرافق الصحية في غزة، في حين يقال إن شركات عربية تستعد لتصبح المصدر الوحيد لمواد البناء في القطاع في أعقاب الإبادة الجماعية.‏
وعلى النقيض من الذين يبدو أنهم مهتمون بالصفقات المربحة، ‏‏عرض‏‏ ‏‏آخرون‏، مثل الجزائر،‏ إرسال مرافق طبية وبناء مستشفيات متعددة في غزة مجانًا بمجرد فتح الحدود لمساعدة الفلسطينيين.‏
‏ومع ذلك، فإن كل هذه المساعدة لنظام الإبادة الجماعية هي مجرد تكملة للمشاركة العسكرية الرئيسية والنشطة للولايات المتحدة في الجرائم الإسرائيلية.‏
‏في حين أن هذا بدأ قبل عقود من 7 تشرين الأول (أكتوبر)، أرسلت الولايات المتحدة منذ ذلك الحين المزيد من الأفراد والأسلحة والغواصات وحاملات الطائرات للدفاع عن إسرائيل، مع إرسال المزيد من السفن ‏‏والغواصات‏‏ في الأسابيع الأخيرة.‏
كما تواصل تزويد إسرائيل ‏‏بقنابل تزن الواحدة منها طناً ‏‏وأسلحة فتاكة أخرى لإبادة الشعب الفلسطيني. وفي الأسابيع الأخيرة فقط، وافقت الحكومة الأميركية على ‏‏حزمة بيع المزيد من الأسلحة التي تقتل الفلسطينيين لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار‏‏.‏
‏هذا بالإضافة إلى الدعاية الأميركية الرسمية التي تكملها الصحافة الأميركية السائدة المعادية للفلسطينيين والقمع البوليسي الهائل للاحتجاجات الجامعية الذي أمر به رؤساء الجامعات من أجل قمع طلابهم لتجرؤهم على معارضة الإبادة الجماعية.‏
‏تستمر حماية واشنطن لإسرائيل في الأمم المتحدة والمحافل الدولية بلا هوادة، وكذلك ‏‏رفضها‏‏ للتحقيق الذي تجريه "محكمة العدل الدولية" في جرائم إسرائيل الوحشية ضد الشعب الفلسطيني، ‏‏ومعاقبتها‏‏ لـ"المحكمة الجنائية الدولية" بسبب أوامر الاعتقال المتوقع أن تصدرها بحق أولئك الذين نفذوا الإبادة الجماعية.‏
‏كما عزز الأميركيون وجودهم العسكري الإمبريالي في المنطقة إلى ما يزيد على ‏‏40.000 جندي‏‏ للدفاع عن محطتهم الاستعمارية الاستيطانية من أي محاولة لوقف حربها الإبادية.
‏جريمة غربية‏
‏قد لا تكون إسرائيل استثنائية في تلقي الدعم الغربي لحروبها والفظائع التي ترتكبها (تلقت جنوب إفريقيا بشكل بارز الكثير من الدعم الغربي، حتى لو بمستويات أقل فلكية).‏ ‏لكن هذه المستويات الهائلة من الدعم تُظهر بشكل لا لبس فيه أن إسرائيل ليست سياسة خارجية أو قضية خارجية بالنسبة للبلدان الإمبريالية الغربية.
كما كنتُ قد جادلت في مقالات مختلفة، إنها بالفعل قضية داخلية، بقدر ما كانت ‏‏دائمًا امتدادًا‏‏ للإمبراطورية الأميركية وشركائها الأوروبيين التابعين.‏
‏إن ادعاء بعض المنتقدين الغربيين اليساريين لإسرائيل القائل إن الصهاينة الأميركيين المؤيدين لإسرائيل هم "‏‏متسللون صهاينة‏‏" أو "أصول صهيونية"، والذين يعتبرونهم خارجيين عن النظام السياسي الأميركي بدلاً من كونهم جزءاً جوهرياً منه، إنما يقلب رأسًا على عقب النظام الفعلي للعلاقة.‏
على وجه التحديد، في لعبة السيطرة الإمبريالية العالمية، فإن إسرائيل والمدافعين عنها هم عملاء للإمبراطورية الأميركية وأتباعها الأوروبيين، وليس العكس.‏
‏إن حقيقة مغادرة أكثر من ‏‏نصف مليون‏‏ يهودي إسرائيلي لإسرائيل منذ بدء حرب الإبادة الجماعية، وأن ‏‏40 في المائة‏‏ من المواطنين اليهود الإسرائيليين -وفقًا لاستطلاعات ما قبل تشرين الأول (أكتوبر) 2023- فكروا في الهجرة حتى ذلك الحين، يظهر أن الدولة الإسرائيلية ‏‏فقدت‏‏ جزءًا كبيرًا من دعم مواطنيها.‏
ومع ذلك، فإن أسياد البلد الإمبرياليين سيدافعون عنه حتى الموت، على وجه التحديد لأنهم يدافعون عن مصالحهم الخاصة، التي تعتبر إسرائيل جزءاً داخلياً رسمياً من الغرب، ولو أنه جزء يقع على بعد مسافة إقليمية من المركز.‏ ويجب أن نضع في اعتبارنا أيضًا أن لدى فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة مجموعات كبيرة من مواطنيها الذين يعيشون في إسرائيل كمستعمرين يهود ويخدمون في الجيش الإسرائيلي.‏
هذه حرب غربية وإبادة جماعية غربية ضد الشعب الفلسطيني، يجري تنفيذها دفاعًا عن الغرب، وليس دفاعًا عن إسرائيل فحسب.‏
‏إن القيم المشتركة التي تلوح بها الدول الغربية وإسرائيل هي نفسها بالفعل -قيم الاستعمار الاستيطاني والعنصرية وتفوقية البيض والإبادة الجماعية- وكلها كانت وما تزال جزءًا من صندوق الأدوات الإمبريالي المستخدم لدرء التهديدات التي تتوجه إلى المصالح الإمبريالية.‏
أصبحت معارضة الإبادة الجماعية في غزة والدفاع عن الفلسطينيين أخيرًا قضايا داخلية في السياسة الأميركية وأوروبا الغربية.‏ وهذا يعني أن القوى المناصرة للفلسطينيين في الغرب قد فهمت أيضًا أن إبادة الشعب الفلسطيني هي في الأساس جريمة غربية وليست جريمة إسرائيلية حصرًا.‏
 
‏*جوزيف مسعد Joseph Massad: أستاذ السياسة العربية الحديثة والتاريخ الفكري في جامعة كولومبيا في نيويورك. له العديد من الكتب والمقالات الأكاديمية والصحفية. تشمل كتبه "العرب الراغبون"؛ "استمرار القضية الفلسطينية: مقالات عن الصهيونية والفلسطينيين"، ومؤخرًا "الإسلام في الليبرالية". ترجمت كتبه ومقالاته إلى اثنتي عشرة لغة.‏
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Why Israel's genocide in Gaza is a western war on the Palestinian people