عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Feb-2020

العربي الجيد هو العربي المهان - بقلم: عودة بشارات

 

هآرتس
 
“السلام يصنع فقط مع اعداء مهزومين”، هذا ما كتب في لافتات كبيرة علقت في شوارع تل ابيب الرئيسة في الاسبوع الماضي. الى جانب هذا الشعار رفرفت صور زعيمي الشعب الفلسطيني، اسماعيل هنية ومحمود عباس، وهما راكعان ومعصوبا العيون. أحدهما وهو يرفع يديه كإشارة على الاستسلام والآخر يحمل راية بيضاء. وفي الخلفية دمار شامل، حيث طائرات اسرائيلية (يمكن التخمين) تحلق فوقه.
هذا أمر صادم ومقلق، سواء لدى الموجودين في الطرف المهزوم أو في اوساط الناس العاديين في الطرف المنتصر. ولكن هذه هي الترجمة العملية للشعار السائد هنا طوال سنوات: “العرب يفهمون فقط لغة القوة”. اجل، هذا جوهر سياسة القوة لاسرائيل تجاه الفلسطينيين: راية بيضاء وركوع وعيون معصوبة. واذا لم تكن الأيدي مكبلة فهي مرفوعة الى الأعلى.
في الانتفاضة الاولى وفي الانتفاضة الثانية حول الحواجز واثناء الخروج من البيوت الفلسطينية بعد الاقتحامات الليلية المعتادة، المنظر المعتاد هم فلسطينيون مكبلون وعيونهم معصوبة، واحيانا وجوههم موجهة نحو جدار. ورغم أن هذا المشهد هو مشهد معتاد جدا، إلا أنه لم يثر الغضب أو الدهشة. مثلا، أيها الاصدقاء، مع ذلك الامر يتعلق بانسان.
يصعب علي نسيان الاعتقال الذي نفذه الجيش الاسرائيلي لأحمد سعدات، رئيس الجبهة الشعبية، وسجناء آخرين كانوا في سجن السلطة الفلسطينية في أريحا. لقد تم اخذهم وهم بملابسهم الداخلية أمام مصوري الصحافة الذين تمت دعوتهم مسبقا لتخليد حفل الاهانة.
إن جوهر مقاربة الاذلال للعرب هي مقاربة قديمة. فبعد هزيمة العرب الكبرى في حرب الايام الستة، اعلن موشيه ديان، اكبر القادة العسكريين للشعب اليهودي، بأنه ينتظر قرب الهاتف لتلقي مكالمة الاستسلام من الزعماء العرب. وبهذا، كان الشعار الرئيسي هو ليس فقط أن ننتصر، بل ايضا أن نذل. وبشكل عام كسر روح الأمة العربية، التي للتو نهضت على ارجلها وشهدت بعثها بعد مئات السنين من الكولونيالية، التي فرضت عليها من قبل العثمانيين والبريطانيين والفرنسيين والايطاليين وحتى الاسبانيين.
إن كسر روح الأمة العربية وجد تعبيره بعد العام 1948، وبصورة أكبر بعد العام 1967، حيث سادت اجواء العجز في العالم العربي ازاء مقولة إن ثلاثة ملايين من اليهود هزموا 100 مليون من العرب. اضافة الى ذلك، الشعوب فقدت الثقة بقدرتها على احداث تغيير، وسادت اجواء من الشك. شك الجمهور بقادته في أن يكونوا خونة. وحتى ساد الشك بين الجار وجاره.
في حينه بدلا من تلقي مكالمة الاستسلام حصل موشيه ديان مؤتمر القمة العربية في الخرطوم باللاءات الثلاث التي تم الاتفاق عليها: لا صلح ولا اعتراف ولا مفاوضات. وفي اسرائيل، مثلما في اسرائيل، فسروا ذلك كـ “رفض عربي”. ولسبب ما نسوا في اسرائيل مقولة “ليس بالخبز وحده يعيش الانسان”. هناك ايضا ما يسمى باحترام الذات، حتى لدى الشعب المهزوم.
اليوم الاهانة تحل علينا بصورة “صفقة القرن”، التي جوهرها هو أنه يجب على الفلسطينيين الموافقة على الوضع الراهن الذي شكلته اسرائيل بقوة الذراع، وإلا فهم سيخسرون كل شيء. المشكلة في هذا الاذلال هي أن شظاياه تصل ايضا الى الجمهور اليهودي الذي ينظر في المرآة ولم يعد يعرف نفسه.
“الصورة تحرض على العنف الذي يذكر بداعش والنازيين، الذين لا نريد أن نحسب معهم”، كتب رئيس بلدية تل ابيب، رون خولدائي، وأمر برفع اللافتات المرعبة. ولكن هذه اللافتات هي فقط احد اعراض الوضع الفاسد، الذي تراكم منذ سنوات. واذا استمر فان الدولة ستسارع الخطى نحو اماكن حتى بعض المنتصرين سيشعرون بأنهم غرباء فيها.