الغد
أصدر الروائي والكاتب مجدي دعيبس الجزء الثالث من "ثلاثية الثورات: الوزر المالح (الثورة العربية الكبرى 1916)، قلعة الدروز (الثورة السورية الكبرى 1925)، السيح (الثورة الفلسطينية الكبرى 1936)".
الرواية التي صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت. تظهر على الغلاف الذي صممه يوسف الصرايرة لوحة للفنان الفلسطيني ماهر ناجي الذي اتكأ في كثير من أعماله على التراث لتأكيد موضوع الهوية الفلسطينية.
وجاءت على الغلاف الخلفي صورة ومقطع من قصيدة شاعر ثورة 36 نوح إبراهيم، وهو شاعر شعبي من حيفا استشهد خلال أحداث الثورة ولم يتجاوز الخامسة والعشرين، يقول: "اسمعوا لي يا ساداتْ/ خصوصًا يا سيّداتْ/ قصة شاهدتها بالذاتْ/ من امرأة قرويّةْ/ قصة عجيبة يا ناسْ/حوادثها بترفع الراسْ/ واللي في عندو إحساسْ/ بتمعّن فيها شويّةْ/ في الثورةْ الأخيرة/ْ وبقريةْ اسمها عصيرةْ/ نابلس الشهيرةْ جرت هالقصّة التاريخيّةْ/ حرمة كبيرة في البلد/ ما لها معين أحدْ/زوجها خلّف لها ولدْ/ تعزّه معزّة قويّةْ/ مسكينة وفقيرة حالْ/ ما بتملك شي من المالْ/ ولدها وفراشها رسمالْ/ وبعض أساور ذهبيّةْ/ من كثر حماستها/ وغيرتها وشهامتها/ باعت فراشها وسيغتها/ واشترتْ له بندقيةّْ".
تمثل القصيدة التي توزعت أبياتها على فصول الرواية حكاية موازية لحكاية الرواية، وعلى الرغم من هذا التوازي إلا أن الحكايتين تتقاطعان في المغازي والمرامي وتصلان إلى النتيجة عينها. حيث اعتمد الشاعر نوح إبراهيم في قصائده على لغة سهلة وغنائية لتصل إلى الناس البسطاء الذين حملوا لواء الثورة، وراح المتظاهرون يرددون أشعاره في المسيرات والمظاهرات.
أما "السيح"، فتعني "التجويف الصخري الطبيعي الذي يشبه الكهف غير أن له فتحة في السقف، حيث تسيح مياه الأمطار على الصخور المجاورة وتسقط في التجويف وتظل هناك حتى الصيف ليستخدمها الأهالي لسقاية حيواناتهم ومزروعاتهم".
جاء الإهداء على النحو الآتي: "إلى أمهات الثورة .. خضرة وأمينة وفاطمة وعائشة وبهية وحميدة وفريدة وراشدة ونعمة ولولو وذيبة وخديجة وبدوية ونجمة وسعاد وآمنة ولطيفة وفطوم وسعدى وصبحية وبينار ورابعة وظريفة وبرلا وكاترينا.. والقائمة تطول.. وتطول".
والقائمة التي تطول هي إشارة إلى (150) فتاة وامرأة فلسطينية أعدمن في سجن بيت لحم من قبل الإنجليز خلال الثورة لضلوعهن بأعمال مقاومة من نقل السلاح والمؤن والمعلومات للثوار أو اشتراكهن بالمقاومة المسلحة بشكل مباشر.
السيح رواية تحتفي بدور المرأة المفصلي في الثورات الوطنيّة، الحل يبدأ منها وينتهي إليها، هي التي تربي الثوار وهي التي تهدب الكوفية وتطرز ثوبها وهي التي تقول: "يا ريت إلي ولد ثاني حتى أقدمه هديةْ"، المرأة تصنع أمة، وتصنع حياة كاملة بمواسم فرحها وترحها.
ما بين مكانين في الأردن وفلسطين؛ ما بين الكلمة التي صارت مدينة كما وصفها جوني منصور، والسيح بئر الماء الطبيعية، وما بين جيلين؛ جيل الأب والأم وجيل الأبناء تدور رحى الزمن لتسرد حكايتين متداخلتين لهما الأصل نفسه، بينما تتشعب الفروع وتتباعد مصائرها لكن تظل عينها على نقطة البداية.
اعتمد مجدي دعيبس، كما فعل في مناسبات كثيرة، على تعدد الأصوات، إضافة إلى السارد العليم ليعطي مساحة كافية للشخصيات لتعبر عن هواجسها وقلقها وآمالها، وعمد أيضا إلى تشظية خط الزمن من خلال التنقل بين الحكايتين خدمة للعبة التشويق.
ويذكر أن هذه الرواية هي السادسة لدعيبس الذي في رصيده أيضا أربع مجموعات قصصية كان آخرها ليلة عيد الحب/ كولاج حكي وحكائين، وقد فازت روايته الأولى الوزر المالح بجائزة كتارا للرواية العربية، في دورتها الخامسة العام 2019 عن فئة الروايات المنشورة، وترجمت إلى الإنجليزيّة.