عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    27-Nov-2024

"الاستلزام الحواري".. دراسة تحليلية في قصيدة "لاعب النرد" لمحمود درويش

 الغد-عزيزة علي

 صدر عن دار ركاز للنشر، الأردن، وبالدعم من وزارة الثقافة، كتاب بعنوان "رؤية جديدة للاستلزام الحواري في انسجام الخطاب: دراسة بينية في تحليل الخطاب"، للباحث محمد حسين الضامن.
 
 
يقول المؤلف، في مقدمة كتابه، إن الخطاب ظاهرة إنسانية امتلكها الناس، وهو ضرورة حتمية لتحقيق التواصل بينهم، تواصل منسجم يضمن لهم الفهم والإفهام، والتعبير عن مقاصدهم، فمن هنا كانت أهميته. وكما نعلم، لا يكون الخطاب منسجما ناجحا قادرا على نقل المعاني والمقاصد، وعلى الإقناع تحقيقا لحاجة الإنسان إليه، إلا إذا ساد التعاون بين الأطراف المشتركة فيه، فالتعاون القائم على إرادة صادقة في إيصال المعاني والمقاصد المرادة لنجاحه، لا التضليل، والتعاون القائم على فهم المراد من المتكلم لا نقيضه.
 
ويشير الضامن إلى أن المتداولين لم يفتهم البحث والتفكير في هذه الظاهرة الإنسانية، فكان رائدهم في ذلك الفيلسوف البريطاني "هربرت بول غرایس"، الذي اقترح مصطلح "الاستلزام الحواري"، جاعلاً منه نظرية تبين كيفية إيصال المتكلم أكثر مما يقول، وكيفية فهم المخاطب أكثر مما قيل. فالمتكلم، أساسا، أمامه خياران في التعبير عن معانيه ومقاصده، فإما أن يعبر عنها تعبيرا حرفيا مباشرا أو غير مباشر، أي مستلزما حواريا من خلال الاستلزامات الحوارية التي يستنتجها المخاطب عند وصول الخطاب إليه استماعا أو قراءة، متخطيا حدود السياق التركيبي إلى خارج النص، إلى الخطاب. فكانت أهميته تأتي من قدرته على الوصول إلى المعاني الخفية التي يوصلها المتكلم إلى المخاطب من دون أن يحملها القول مباشرة.
ويقول المؤلف إنه في هذه الدراسة اتخذ "الاستلزام الحواري"، لتكتشف أثره في الانسجام أفقيا وعموديا في الخطاب، مقترحة لهذا أداتين، نجحتا بالاستناد إلى التطبيق في النموذج المختارة، وهي قصيدة "لاعب النرد لمحمود درويش"، التي هي من ديوانه الأخير "لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي"، الذي صدر في العام 2009. وجاء اختيار هذه القصيدة لتداخلها بين الشعر والنثر، فمن حيث الشعر تعد قصيدة من عيون الشعر الحديث من جميع الجوانب، ومن حيث النثر تمثل سيرة ذاتية شعرية للشاعر محمود درويش، تبدأ من ولادته وتنتهي عند وفاته.
ويضيف الضامن أن فكرة هذه الدراسة جاءت من خلال تساؤله الآتي: "بما أن الخطاب لا يتكون من مجموعة من الجمل المتوالية المتصلة فيما بينها فقط، وإنها أكثر من ذلك، إذ إن من العناصر المكونة له المعاني غير المباشرة؛ أي المعاني المستلزمة حواريا، وبما أن الانسجام من الممكن أن يعرف بأنه ترابط جميع معاني العناصر المكونة للخطاب فيما بينها وبين المتلقي، وانبثاقها من معنى واحد كلي، ومن ثم كان التساؤل في الدراسة هو الآتي: ما العلاقة بين المعاني المستلزمة حوارياً وبين تحقق الانسجام؟ إزاء هذا بحثت لاكتشاف هذه العلاقة، أثر تلك المعاني المستلزمة حواريا أفقيا وعموديا في الانسجام من خلال إقامة مركبات من المعالي المستلزمة حواريا يجمعها كلها جامع واحد".
وينوه المؤلف إلى أنه عندما اطلع على المراجع حول تساؤل هذا لم يجد دراسة سابقة، لا عربية ولا أجنبية، كانت قد بحثت في أثر "الاستلزام الحواري"، في انسجام الخطاب، وإنما وجد عند بعض الباحثين في تحليل الخطاب، إشارات إلى العلاقة بينمها تصريحا أو تلميحا أو تطبيقا غير مباشر في مثال توضيحي، وقد أشرت إليهم جميعا في بداية الفصل الثاني، أما عن الدراسات السابقة التي جاءت منفردة في الانسجام أو الاستلزام الحواري، أو في القصيدة المختارة واستفادت منها الدراسة، فقد أشرت إلى كل واحدة منها في موطن الإفادة مباشرة.
ويقول الضامن إنه اتخذ في هذه الدراسة المنهج الاستدلالي اتخاذا عاما؛ فعرضت باختزال غير مخل، نظرية "الاستلزام الحواري"، وما يحيط بها مما يفيد الدراسة كالتداولية وتحليل الخطاب والكفايات وغيرها، وكذلك عرض مفهومي الانسجام والاتساق، ثم اقترح أداتين الدراسة الانسجام في أي خطاب، مبينا صحتهما من خلال التطبيق، وكاشفا عن العلاقة وطبيعتها بين الانسجام والاستلزام الحواري. ومن ثم كانت حدود الدراسة في نطاق التنظير هي نظرية الاستلزام الحواري بما يتعلق بها، وما أفدنا منه في اقتراح الأداتين، وأما في نطاق التطبيق، فهي قصيدة "لاعب النرد، للشاعر محمود درويش"، من ديوانه الأخير "لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي"، المنشور لأول مرة في العام 2009، أي بعد وفاة الشاعر، رحمه الله تعالى، بعام واحد.
ويقول الضامن إن مسألة التفريق بين الاختصاصات في العصر الحالي، سواء العلمية والإنسانية، أم اللسانية فيما بينها أمر لا يمكن التسليم به تسليما كاملاً؛ فقد أفادت اللسانيات الحديثة من عدد من الختصاصات، مثلما أفاد الانسجام في لسانيات الخطاب من الحاسوب "الذكاء الاصطناعي"، أو من علم النفس المعرفي وغيره، وهذه الدراسات تُعرف باسم "الدراسات البيئية". ومن ثم يكون توظيف الاستلزام الحواري في الانسجام أمرا ممكنا ذا أهمية، تمثلت في تقديم الرؤية الجديدة. ومن هذه الأهمية ومن ذلك التلاقح بين العلوم الذي يميز هذا العصر ويميز علم تحليل الخطاب الذي تتضوي الدراسة تحته، كان هذا الكتاب، الذي توصلنا به إلى عدد من النتائج أكدت جميعها عدم إمكانية تحقيق المخاطب انسجام الخطاب أفقيا أو عموديا من دون الوصول إلى المعنى المستلزم حواريا، مما أظهر إمكانية أن يقدم هذا الأمر قراءات جديدة للخطابات.
جاء الكتاب في ثلاثة فصول وتمهيد، يتحدث الفصل الأول عن "نظرية الاستلزام الحواري"، من أجل بيان النظرية وعملها، فوقف عليها وقفة سريعة مختزلة من دون الخوض في التفاصيل وما طرأ على النظرية بعد وضع جرايس إياها إلا بما يخدم الدراسة. كما توقف المؤلف عند مفهوم الاستلزام الحواري، ثم على مبدأ التعاون وقواعده، إذ هو ركن النظرية الركين، فلا يمكن أن ينفصل عنها، ثم على أنواع الاستلزام الحواري وما يحيط بها لتحديد المراد من النظرية، وفي الدراسة خصوصا، وهو الاستلزام الحواري المخصص، ثم على آلية إنتاج المعنى المستلزم حواريا؛ بیان كيفية تمكن المتكلم من إنتاجه وفق تحقق الشروط التي كشف عنها جرايس، ثم على آلية تأويل المخاطب المعنى المستلزم حوارية بيان الاستدلال الذي اقترحه جرايس في وضعه متوالا للوصول إلى المعنى المستلزم حواريا، وهو ما عرف فيما بعد بالاستدلال التعاوني أو الجرابي، وبيان الحجة التي بينيها المخاطب ليحقق استدلاله ويتيقن منه، من خلال خمسة معطيات كشف عنها جرايس، وفصلتها باقتراح مصطلحات من تحليل الخطاب توضح آلية الإفادة منها في الوصول إلى المعنى المستلزم حواريا، ثم على خصائص الاستلزام الحواري التي كشف عنها جرايس وغيره من الباحثين الذين جاؤوا بعده، لما لها من أهمية في فهم المراد بالاستلزام الحواري وعمله، وفي التطبيق لاحقا في الفصل الثالث.
أما الفصل الثاني فيتحدث عن "كيفية دراسة الاستلزام الحواري انسجام الخطاب"، فقد جاء لبيان كيفية دراسة الانسجام في أي خطاب لا الشعري فقط من خلال الاستلزام الحواري، فوقف فيه بداية على الباحثين الذين تنبهوا إلى العلاقة بين نظرية الاستلزام الحواري وانسجام الخطاب للإفادة من فهمهم العلاقة بينهما، ثم يقدم إضاءات على ما سبق.
فيما يتناول الفصل الثالث "الانسجام من خلال الاستلزام الحواري في قصيدة لاعب النرد أفقيا وعموديا: تحليل متداخل متكامل"، فقد جاء لإثبات صحة ما سبق وبيان العلاقة تطبيقا بين الاستلزام الحواري وانسجام الخطاب، فوقفت فيه، بداية، على خصوصية قصيدة لاعب النرد وفق الأداة العمودية لبنية الاستلزامات الحوارية الكلية الأصل إلى نتيجة هي أن القصيدة تطرح فكرة قوة المصادقة في رسم حياة الفرد، وحياة الشاعر محمود درويش خصوصا، وإلى أنها تمثل سيرة ذاتية شعرية له، ثم وقفت على المركبات التي كنت قد اقترحتها في بيان كيفية دراسة الانسجام فيها عموديا من خلال الاستلزام الحواري وطبقت في كل واحد منهما الأداتين الأفقية والعمودية بتطبيق متداخل متكامل يؤكد كمال تحقق الانسجام في القصيدة. وهذه المركبات هي: المركب الأول "قوة المصادفات المؤثرة في العالم، والمركب الثاني المصادفات المتعلقة بنجاة الشاعر محمود درويش من الموت". والمركب الثالث المصادفات المتعلقة بتشكل موهبة الشاعر محمود درويش الشعرية، والمركب الرابع المصادقات المتعلقة بالشعر، والمركب الخامس المصادفات المتعلقة بالمكان ببلاد الشاعر محمود درويش وبيته والمركب السادس المصادفات المتعلقة بالحب، وهذه المركبات، بدورها، قامت على المصادقة، إذ كانت العنصر الأبرز بينها الذي حقق الانسجام فيما بينها لما جعلتها منبثقة من بنية كلية هي المصادفات المؤثرة في تكوين حياة الشاعر محمود درويش وما يتعلق به. ثم وقفت في ختام الفصل، على نتائج الأداة العمودية في بنية الاستلزامات الحوارية الكلية، مبينا كمال الانسجام العمودي الذي وصلت إليه في القصيدة.