الجزيرة - دائما ما تكون الكوارث الكبرى مصحوبة بالنذر "قلنا لكم ذلك"، وقد لعب يوتيوب هذا الدور في أزمة كورونا الحالية، عندما احتفظ بمداخلة لمؤسس مايكروسوفت بيل غيتس وصف فيها قبل خمس سنوات، مخاوفه من حدوث وباء يشبه إلى حد كبير ما يمر به العالم هذه الأيام.
وقالت مجلة لنوفيل أوبسرفاتور الفرنسية، إن هذا التسجيل القصير (أقل من عشر دقائق) الذي شاهده خمسة ملايين شخص ويطلق عليه ببساطة "الوباء التالي؟ لسنا مستعدين"، يصف فيه أغنى رجل في العالم أحد هواجسه الذي عبر عنه في العديد من المقابلات، وهو تفشي وباء عالمي دون أن تكون البشرية مستعدة له.
الحجر
كان ذلك في مارس/آذار 2015، عقب وباء الإيبولا الرهيب في غرب أفريقيا، عندما قال مؤسس شركة مايكروسوفت "عندما كنت صغيرا، كانت الكارثة التي نخشاها أكثر من غيرها هي الحرب النووية، أما إذا كان شيئا ما سيقتل أكثر من عشرة ملايين شخص في العقود القليلة المقبلة، فمن المرجح أن يكون فيروسا شديد العدوى وليس الحرب، استثمرنا الكثير في الردع النووي، والقليل جدا في نظام احتواء الأوبئة، نحن لسنا مستعدين".
وفيما يتعلق بفيروس إيبولا، قال بيل غيتس الذي تابع تقدم الوباء الذي قتل عشرة آلاف شخص في ليبيريا وسيراليون وغينيا، عبر مؤسسته الإنسانية، إن "المشكلة هي أنه لم يكن هناك نظام. لم يكن لدينا فريق من علماء الأوبئة جاهز للذهاب إلى عين المكان، وكانت التقارير تصل على الورق وهي غير دقيقة. ولم تكن منظمة الصحة العالمية مسلحة للقيام بدورها".
قد نكون أقل حظا
وفي مقاله بمجلة لنوفيل أوبسرفاتور الفرنسية، أوضح تيموتي فيلار أن ما كان يخشاه بيل غيتس هو حدوث وباء أكثر فتكا وانتشارا من إيبولا، وصفه بأنه سيكون إنذارا عالميا، مشيرا إلى أن عدم انتشار إيبولا أكثر مما وقع كانت له ثلاثة أسباب.
ولخص هذه الأسباب في أنها أولا، العمل البطولي الذي قامت به الفرق الصحية والذي منع انتشار العدوى على الفور. وثانيا طبيعة الفيروس الذي لا ينتشر في الهواء، كما أن الشخص لا يصبح معديا إلا بعد أن يكون مريضا لدرجة أنه طريح الفراش. وثالثا حقيقة أن فيروس إيبولا لم يؤثر إلا على عدد قليل جدا من المناطق الحضرية، وهي مسألة حظ فقط.
أما في المرة المقبلة -كما يقول بيل غيتس- "فقد نكون أقل حظا، إذا تخيلنا مثلا فيروسا آخر، يستطيع المصابون به السفر أو الذهاب إلى السوبر ماركت. أو ما هو أسوأ من ذاك ألف مرة، بأن يكون الفيروس قادرا على الانتشار في الهواء مثل الإنفلونزا الإسبانية عام 1918".
وتشير الأدلة -حسب فيلار- إلى أن (كوفيد-19) يعيش في الهواء لمدة ثلاث ساعات، وأن الأعراض يمكن أن تستغرق أسبوعين قبل الظهور، وأن المصابين يمكن أن ينقلوا العدوى أثناء فترة الحضانة.
واختتم بيل غيتس كلامه عام 2015، بأنه "لا داعي للذعر، ولكن علينا أن نفعل شيئا"، ودعا إلى "نظام صحي عالمي"، وتكوين وحدات طبية متنقلة مسنودة باحتياطات، خاصة أن التقدم في الاتصالات وعلم الأحياء يمنح البشرية أسلحة للرد بسرعة.
ويضيف الرجل الثري "ليس لدي ميزانية محددة ، لكنها ستكون ضئيلة مقارنة بالضرر المحتمل"، خاصة أن البنك الدولي يقدر أن وباء الإنفلونزا العالمي من شأنه أن يقلل الثروة العالمية بمقدار ثلاثة تريليونات دولار، بالإضافة إلى تكبيدها ملايين الوفيات.
في منطقة مثل الصين
في الساعات الأخيرة -كما يقول الكاتب- ظهر على وسائل التواصل الاجتماعي كتاب صغير بغلاف أحمر أقدم من محاضرة بيل غيتس، وهو "تقرير لوكالة المخابرات المركزية الأميركية بعنوان "كيف سيكون العالم عام 2025؟"، وقد نشرت طبعته الفرنسية عام 2009.
ويسعى تقرير الوكالة هذا بانتظام للتنبؤ بمستقبل العالم في أفق خمس عشرة أو عشرين سنة، وبالعوامل التي يمكن أن تثير الصراعات أو الحروب، وفي مقال بعنوان "احتمال تفشي وباء عالمي"، يصف خبراء الوكالة سيناريو قريبا جدا من أزمة (كوفيد-19)، متخيلين "ظهور مرض تنفسي بشري جديد شديد العدوى".
وتنبأ النص بالمنطقة وظروف ظهور هذا الفيروس الجديد قائلا "إذا حدث مرض وبائي، فسيكون دون شك في منطقة ذات كثافة سكانية عالية وفيها جوار متصل بين البشر والحيوانات، كما يوجد في الصين وجنوب شرق آسيا حيث يعيش الناس على اتصال مع الماشية".
وأشار الكاتب إلى أن الممارسات الزراعية في هذه المناطق تشكل ناقلات للعدوى الفيروسية بين مجموعات الحيوانات ومنها إلى البشر، كما هي الحال مع إنفلونزا إتش5 إن1، وفي مثل هذا السيناريو، يخشى المحللون من أن "لا يكون من السهل تحديد المرض إذا لم تكن لدى بلد المنشأ وسائل كافية لاكتشافه. وستحتاج المختبرات إلى أسابيع لتقديم النتائج النهائية التي تؤكد وجود مرض يمكن أن يتحول إلى وباء".
وقد تم التعرف على الحالات الأولى لـ(كوفيد-19) في 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد ثلاثة أسابيع من ظهور الأعراض الأولى لدى العاملين في سوق للمأكولات البحرية في ووهان، ولم تعلن منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ الصحية حتى 30 يناير/كانون الثاني الماضي.
وقد توقع المؤلفون أن تحاول الدول السيطرة على تحركات سكانها والحد منها بصعوبة ودون ضمان النجاح، كما أن وجود مرضى لا تظهر عليهم الأعراض سيكون عاملا مشددا، لأن "المسافرين الذين لا تظهر عليهم أعراض يستطيعون نقل الفيروس إلى قارات أخرى، رغم القيود التي تحد من السفر دوليا".
وأضافت الوكالة التي توقعت أيضا صدمة اقتصادية كبرى، أن يزداد عدد المرضى من شهر لآخر في غياب لقاح فعال مع "تدهور البنية التحتية الحيوية والخسائر الاقتصادية"، مشيرة إلى أن "ما بين عشرة ملايين ومئات الملايين من الغربيين سيصابون بالمرض في أسوأ الأحوال".
ورأت الوكالة أن العالم لم يستعد بالفعل، مشيرة إلى أن هناك مراكز بحث تعمل على تطوير لقاحات قادرة على منع أو الحد من أوبئة الإنفلونزا، و"إن النتيجة الإيجابية في السنوات المقبلة ستقلل من خطر مثل هذا الوباء لعقود مقبلة".
وأشار الكاتب في خاتمة مقاله بالمجلة الفرنسية إلى أن مجلس الأمن القومي الأميركي أنشأ وحدة لمكافحة الأوبئة في أعقاب وباء إيبولا 2014-2015، ولكن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ألغتها في مايو/أيار 2018 واعتبرتها عديمة الفائدة.
المصدر : لونوفيل أوبسيرفيتور