الدستور
ما زلتُ من أولئك الذين يقعون في عشق كوكب الزهرة، نجمة الصبح والمساء. ليس لأنه ألمع جرم سماوي بعد الشمس والقمر، ولا لأنه علامة للعشاق الساهرين على أمل طلة من يحبون، بل لأنه مختلف، كما أحب المختلفين. يزهر قبل الجميع في صفحة السماء، ويغيب في صمت قبل أن يدهمنا قرص النهار.
وأنا، كم أنا محظوظ يا قلبي المجنون، إذ لي نجمة صبح أخرى حطّت أرضاً. أحب اختلافها عن باقي الشجر. أحبها إذ تطرح نوارها الأبيض الجميل بعد أن يطوي الخريف أوراقه الصفراء ويرحل مع أول ريح شتوية. الأسدنيا، سيدة الاختلاف الراقي، والمذاقات المتعددة، والبهجة. هي مجنونتي التي عاندت البرد وعصي المطر وندف الثلج، ثم نجت بثمارها. هي دنيانا القديمة الجديدة، التي تجاري الربيع وتجمّله، فأهلاً بكِ سيدتي البهية.
سنختلف في تسميتك: (أبو صاع) في تونس، والبشملة في مصر، والمشمش الهندي. لكننا سنتفق بلسان واحد، أنكِ مثل الموسيقى، لا تُؤخذ إلا بالعين المغمضة،فهل جربتم تذوق الموسيقى بهذه الطريقة؟. يااااه! فلنصغِ لنغمة نكهتك البعيدة القريبة. كأن بينك وبين التفاح نسباً من سلالة واحدة. أهذا صحيح؟ هل أنتما من العائلة الوردية؟ قولي، فلا شيء يخفى على مذاق العشاق يا سيدتي.
يعجبني أن تُسمين «الأسدنيا» أي «الدنيا القديمة» بالتركية. تسمية عبقرية، لأنكِ تزهرين في تشارين، وتثمرين في أوج الربيع وترافقينه. وحين تأخذنا الذاكرة القصيرة إلى خريف مضى، نتذكر نوّارك الجريء، الذي تفتح بعدما سكنت الطبيعة واستسلمت للخمول. كم أنت عظيمة، أيتها الحياة القديمة المتجددة. فتجددي، وجددينا.
في نهاية الأسبوع الماضي، كنا في بلدة راجب، غربي عجلون، تلك البلدة العريقة، الوادعة، المتكئة على أكتاف الغور. شدتني بساتين الأسكدنيا العامرة بذهبها الناضج الداني. كانت راجب تُعرف بالرمان، ويكاد اسمه يقترن بها. لكن شحّ الماء جعل أهلها يميلون إلى هذه الشجرة الجديدة قبل ربع قرن، واليوم تكاد تغدو الشجرة الرسمية للبلدة.
فلماذا لا يُمنح أهل هذه البلدة والمستثمرون فرصة دعمها، لتكون سلعة استراتيجية ومصدراً وفيراً للعملة الصعبة، خاصة وأنها تنضج عندهم قبل أي مكان آخر؟ ولماذا لا نتوسع في زراعتها، بدلاً من الإصرار على محاصيل رخيصة الثمن، تستهلك ماءنا الشحيح؟ الأسكدنيا لا تحتاج الكثير، وتعطي الكثير. إنها، فعلاً، شجرة ذهب.