عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    22-Feb-2021

العقوبة الفاعلة المهملة*حسني عايش

 الغد-قلّما تظهر حاجة إلى الشرطة والقضاء الرسمي في القرية، أو في القبيلة، أو في المجتمع الصغير، أو في المجتمع المغلق، لأن الأمن فيها مستتب بحكم الأعراف والتقاليد بين اناس يعرفون بعضهم بعضاً بصورة شخصية، ويلتزم بها الجميع. وعليه فإن كل من ينتهكهما يعرض نفسه إلى عقوبة فاعلة، وهي عقوبة العار أو الخجل أو الذل الملازمة لذلك. تعاقب هذه المجتمعات الخارج على أعرافها وتقاليدها علناً أمام الجميع، فيقاطعه الجميع، ويعيش حياة صعبة، وإحساساً دائماً بالخجل والذل، وربما يهرب بعيداً عنها. وكما يقول أستاذ القانون الشهير لويس فريدمان/هرفارد في كتابه:

(Impact: How Law Affects Behavior,2016
المترجم إلى العربية عن عالم المعرفة 2020) ، ” إن العار وصمة أو علامة خارجية فارقة، وكأنها مرئية تلاحق صاحبها مدى الحياة. إن وصمة العار قوية جداً، ولها تأثير هائل في الوقاية والعلاج”. وكانت الدولة الإسلامية تمارسها بما يعرف بعقوبة التعزير، أي التأديب الذي لا يبلغ الحد الشرعي. ومن ذلك – مثلاً– إركاب الجاني بالمقلوب على حمار، والدوران به في ازقة البلدة، والسخرية منه بالتطبيل والتزمير كي يراه الجميع.
كانت العقوبة في الماضي علنية، أي أنها كانت تتم قدام الناس، وما تزال كذلك في بعض البلدان، ففي السعودية يتم قطع رأس المجرم أو يده يوم الجمعة أمام الجميع.
ومع أن المجتمعات تغيرت وكبرت، وصارت العقوبة تتم بالسجن، إلا أن تأثيرها يستمر بأخبارها التي تنشر وسائل الإعلام، ووسائط التواصل الاجتماعي. ولكنها في الأردن لا تقوم بذلك، إذ يجري إغفال أسماء الجناة والمجرمين، وكأن محاكمتهم سرية، فلا تقي ولا تعالج، لأن الفضيحة أو العار لا يلزقان بهم، مع أنهما شديدا الأثر أو الفاعلية في المجتمع العربي، فيستميت (العربي) الجاني أو المجرم الذي اغتصب طفلة، أو ابنته، او أخته، او اختلس، او سرق… لإبقاء الجناية أو الجريمة خفية، مما يسهّل عليه تكرارها بعد انتهاء محكوميته.
إن عقوبة الفضيحة أو العار سلاح شديد الوطأة. إنها يمكن أن تقضي على عنف الاسرة، والفساد، وسرقة البيوت والمحلات، أو الماء، أو الكهرباء، والاتاوات، والتسول المحترف، ومفتعلي حوادث المرور، والتزييف، ومنتحلي البحوث والكتب…
تصور نشر أسماء الفاعلين وصورهم في الصحافة وانتشارها في وسائل التواصل الاجتماعي التي حلت محل الساحة العامة في القرية، أو القبيلة… أو يجرؤ واحد بعد ذلك على تكرارها؟
تستخدم دائرة ضريبة الدخل أحياناً هذه العقوبة بنشر أسماء المتخلفين عن دفع الضريبة، فيقوم كل منا بقراءة قائمة الاسماء ليعرف فيما إذا كان أحد الناس المعروفين في الساحة الذي يزاود عليهم في الوطنية، موجوداً أم لا فيها.
لقد دفع أحدهم خمسمائة دينار إتاوة لمفتعلي حادث مرور، تدافعوا نحوه ليهددوه بإصابة زميلهم، وأنهم سيأخذونه إلى المستشفى مما سيكلفه الكثير، ولتسوية المشكلة “قبلوا” خمسمائة دينار فدفع المسكين. تصور نشر أسماء هؤلاء وصورهم في الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، فهل يكررون ذلك؟
أما الاستاذ فقد اقتربت منه سيارة لتُخدش بسيارته فوقف، وإذا بالعصابة تنزل من السيارات وتهدده، وأن كلفة التصليح تبلغ مائتين وخمسين ديناراً. وأخيراً “قبلوا” مائة دينار وذهبوا. وقد برر ذلك بأن متابعة المشكلة ستكلفه كثيراً.
لولا انبراء واحد قام بتصوير جريمة الزرقاء الوحشية، وانتشارها كالنار في الهشيم في وسائل التواصل الاجتماعي أكان سأل عنها أو اهتم بها أحد؟ لقد هزت المجتمع وأدت إلى تنظيفه حالياً من الزعران والبلطجية، ولكنهم سيعودون إلى سابق عملهم بعد خروجهم من السجن ما دامت عقوبة الفضيحة أو العار لم تطلهم، لكن نشر صورهم ومعرفة الناس لهم بها وإضافتها إلى هواتفهم كافٍ لضبطهم.
البديل لسياسة التعتيم انتشار الإشاعات والأقاويل والانتقادات (ونظريات المؤامرة) التي تنتشر بسرعة الضوء في المجتمع.
يقول فريدمان: “عقوبة العار تثير الرأي العام وتحشّده، وهي شكل (ألطف) من أشكال القانون، ومن عقوبة الإعدام بشرط ألا يساء استخدامها للانتقام، أو انتقائياً”.