عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    01-Dec-2025

كيف نجحت الدبلوماسية الأردنية بربط المؤتمرات الدولية بالرؤية الوطنية

 الغد-إيمان الفارس

 في ظل التحديات الإقليمية المتنامية وتعقيدات المشهد في الشرق الأوسط، برزت الدبلوماسية الأردنية كعامل محوري قادر على تحويل المؤتمرات الإقليمية والدولية إلى أدوات فعّالة لتحقيق مصالح وطنية وإستراتيجية واضحة، وهو ما تجسّد بشكل جلي خلال رئاسة الأردن المشتركة للمنتدى الإقليمي العاشر لوزراء خارجية دول الاتحاد من أجل المتوسط.
 
 
ونجح الأردن، عبر قيادة وزير خارجيته أيمن الصفدي، في توجيه مواقف الدول الأعضاء نحو موقف موحد يدعم تثبيت وقف إطلاق النار في غزة، ورفض التهجير القسري والسياسات الأحادية، ويعزز خريطة الطريق الأردنية – السورية - الأميركية لحل الأزمة في الجنوب السوري، إضافة إلى دعم أمن واستقرار وسيادة لبنان، ما جعل حضوره في المنتدى عنصرا مؤثرا وفاعلا بدلا من مجرد مشاركة شكلية.
واعتمد الأردن في هذا السياق، على مجموعة متكاملة من الأدوات والإستراتيجيات الدبلوماسية التي دمجت بين العمل الإنساني والسياسي والإستراتيجي.
وشملت هذه الأدوات تقديم بيانات دقيقة حول حجم الكارثة الإنسانية في غزة، وتحويلها إلى حجج سياسية مؤثرة، فضلا عن تنسيق الجهود مع الدول الشريكة في المنطقة وخارجها لدفعها نحو اتخاذ مواقف عملية، كما قدم الأردن خطة عمل واضحة للجنوب السوري لتعزيز الأمن الحدودي ومنع الفوضى، إلى جانب تقديم قراءة دقيقة للوضع اللبناني السياسي والاقتصادي والأمني لدعم استقرار الدولة اللبنانية وحماية الحدود ومنع تفاقم الأزمات الإنسانية.
أهداف إستراتيجية
انطلاقا من ذلك، أكد الخبير العسكري والإستراتيجي د. نضال أبو زيد، أن الدبلوماسية الأردنية نجحت من خلال تجسيد المؤتمر الأورومتوسطي، في تحقيق أهداف دبلوماسية أردنية إستراتيجية.
ولفت أبو زيد إلى أن من أبرز هذه الأهداف ما يتعلق بالملف السوري، حيث تمكن الأردن من إدماج الملف السوري في إطار التعاون الأورومتوسطي، رغم أن سورية لم تكن عضوا في هذا المؤتمر بعد العام 2011، لكنها عادت الآن إلى طبيعتها ضمن هذا الإطار.
وأشار أبو زيد إلى أن مخرجات هذا المؤتمر، دعمت الموقف الأردني فيما يتعلق بالملف السوري، إذ أكدت وحدة الأراضي السورية، وبقاء سورية ضمن محيط عربي موحد.
ورأى أن هذا الدعم يسحب البساط من تحت أقدام الاحتلال الصهيوني فيما يخص التوغلات التي تجري في الجنوب السوري، ما يعكس نجاح الأردن في تحويل القضية السورية إلى محور فاعل ضمن السياسات الأورومتوسطية.
ولفت إلى أن الدبلوماسية الأردنية نجحت أيضا في تعزيز موقف الأردن حول ملف قطاع غزة والضفة الغربية من خلال تجسيد الرؤية الأردنية في هذا المؤتمر.
وأوضح أن خطاب وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، تناول موضوع حل الدولتين، وحظي بتأييد واضح من الدول الأورومتوسطية؛ ما يعكس قدرة الأردن على توجيه مواقف الدول الأعضاء نحو دعم مبادئ أساسية مثل وقف التهجير القسري ورفض السياسات الأحادية الجانب.
وأشار إلى أن ما حدث يؤكد بشكل واضح مدى نجاح ونجاعة الدبلوماسية الأردنية في ربط المؤتمرات الإقليمية والدولية بالرؤية الوطنية الأردنية، مبينا أن هذا النجاح مكن الأردن من تحقيق مصالحه الإستراتيجية في المنطقة وضمان مواجهة دبلوماسية محكمة مع الجانب الإسرائيلي عند الضرورة مع إبراز الدور الأردني كعنصر فاعل في تعزيز التعاون الأورومتوسطي وترجمته إلى نتائج عملية تدعم أمن واستقرار المنطقة وازدهار شعوبها.
تفاقم معاناة غزة
من جانبه، أكد رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية د. خالد شنيكات، أن الوضع الإنساني في قطاع غزة كارثي للغاية، حيث ما يزال الاحتلال الصهيوني يناور ويقيّد وصول المساعدات والخيم الضرورية لسكان القطاع، بينما تتفاقم معاناة المدنيين جراء غرق بعض الخيام بالمياه واستمرار نقص المواد الأساسية للإعمار والبنية التحتية.
وقال شنيكات إن الإستراتيجية الصهيونية تهدف عمليا إلى تقسيم قطاع غزة، ودفع السكان نحو التهجير القسري من خلال تقييد وصول المساعدات الإنسانية وإحكام السيطرة على الأوضاع على الأرض.
ورأى أن الموقف الأردني كان واضحا وحاسما على صعيد هذا الملف، إذ دعا الأردن أولا لإدخال المساعدات الإنسانية، وثانيا للعمل على إعادة الإعمار، وثالثا لإيجاد أفق سياسي يضمن الحقوق الفلسطينية ويحقق الدولة الفلسطينية، من خلال تفعيل دور الأردن في المنتديات الدولية، سواء عبر الأمم المتحدة أو من خلال خطابات الملك أو عبر الاجتماعات والمؤتمرات الإقليمية مثل مؤتمر شرم الشيخ.
أما عن الدور الأردني في المنتدى الأورومتوسطي، فأشار شنيكات إلى أن الرئاسة المشتركة الأردنية للمنتدى الإقليمي العاشر لدول الاتحاد من أجل المتوسط، شكلت منصة مهمة لتنسيق الجهود الأردنية مع مصر باعتبارها دولة مجاورة، ومع الدول العربية والأوروبية، ومع الولايات المتحدة، لتثبيت السكان الفلسطينيين على الأرض وضمان إيصال المساعدات الإنسانية بما فيها الخيم ومواد إعادة الإعمار.
وحول الإستراتيجيات والأهداف الأردنية، بيّن أن الإستراتيجية الأردنية ترتكز على الدمج بين العمل الإنساني والسياسي والدبلوماسي لخلق مسار مستدام يعيد للفلسطينيين حقوقهم، ويؤسس لحياة طبيعية ضمن الدولة الفلسطينية.
وأكد أن استمرار هذا التنسيق بين الأردن والدول المعنية يعد ضرورة ملحة لتعزيز فاعلية الجهود الدولية، وإيجاد حلول سياسية تؤدي إلى انسحاب الاحتلال من القطاع وفتح المجال أمام استعادة الحقوق الفلسطينية وإعادة بناء قطاع غزة بما يضمن أمن واستقرار المنطقة وازدهار شعوبها.
دور محوري للأردن
وفي ضوء تطورات المشهد الإقليمي وتعقيداته المتزايدة، برز رأي الخبير الأمني والإستراتيجي د. بشير الدعجة، كمحاولة تحليلية معمقة لفهم حجم الدور الذي أداه الأردن خلال رئاسته المشتركة للمنتدى الإقليمي وكيفية توظيف أدواته الدبلوماسية لتوجيه مسار النقاشات داخل أطر الاتحاد من أجل المتوسط.
وأكد الدعجة في هذا السياق، أن الرئاسة الأردنية المشتركة للمنتدى الإقليمي العاشر لوزراء خارجية دول الاتحاد من أجل المتوسط، أبرزت بوضوح الدور المحوري الذي لعبه وزير الخارجية أيمن الصفدي في توجيه النقاشات وتحريك مواقف الدول الأعضاء نحو موقف موحد وواضح.
ورأى أن هذا الدور عكس قدرة سياسية عالية على إدارة الحوار وبناء توافقات بين مختلف الأطراف.
وأشار إلى أن الأردن أثبت قدرة استثنائية على تحويل الأزمة الإنسانية والسياسية في غزة إلى ملف إستراتيجي لا يمكن تجاوزه، وذلك من خلال إظهار تعقيداتها وتداعياتها الإقليمية.
وشدد على أن الأردن عبر اتصالات دبلوماسية متواصلة، سعى إلى تثبيت وقف إطلاق النار وإقناع الدول الأعضاء برفض التهجير القسري، ورفض سياسات الضم والإجراءات الأحادية، معتبرا أن هذا النشاط الدبلوماسي الممنهج هو ما دفع نحو موقف أوروبي متوسطي أكثر تماسكا.
ولفت الدعجة إلى أن هذا التحرك ترجم في صدور بيانات أورومتوسطية مشتركة أكدت حماية المدنيين، وضرورة الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، والتحذير من أن إعادة رسم الخرائط بالقوة ستزيد الأزمة تعقيدا.
وأضاف إن هذه النتائج شكلت دليلا مباشرا على فاعلية الضغط الأردني، لافتا إلى قدرة الأردن على تحويل الأرقام والحقائق الإنسانية الى حجج سياسية مؤثرة.
مواقف أكثر حزما
وأشار الدعجة إلى أن عدد الشهداء المدنيين في غزة، تجاوز حاجز الـ70 ألفا منذ العام 2023 وفق بيانات وزارة الصحة هناك، وهو ما شكل عامل ضغط كبير دفع الدول الأورومتوسطية نحو مواقف أكثر حزما، معتبرا أن أي تأخير في الجهود الدولية كان سيؤدي إلى تفاقم الفوضى الإنسانية بشكل أكبر.
وأكد أن الأردن لم يكتف بعرض المخاطر في ملف الجنوب السوري، بل قدم خطة عمل واضحة عبر تعزيز خريطة الطريق الأردنية السورية الأميركية الهادفة إلى تثبيت الأمن الحدودي، ومنع الفوضى وتقييد حركة الجماعات المسلحة العابرة للحدود.
ولفت إلى أن الاردن أدرك مبكرا أن أي انفلات أمني في الجنوب سينعكس مباشرة على حدوده الشمالية واستقراره الداخلي، ولذلك دمج بين التحليل الأمني والضغط الدبلوماسي لإقناع المجتمع الدولي بدعم استقرار الجنوب.
وأضاف إن هذا التوجه وجد قبولا لدى الدول الأوروبية التي رأت في استقرار الجنوب السوري ضرورة للحد من موجات نزوح جديدة ومنع تدهور يمكن أن يتحول إلى تهديد أمني إقليمي.
ورأى الدعجة أن الأردن قدم قراءة دقيقة للتحديات السياسية والاقتصادية والأمنية في لبنان، موضحا أن الدولة اللبنانية رغم استمرار مؤسساتها رسميا، واجهت انهيارا اقتصاديا جزئيا وضغوطا مالية وإدارية، بينما ظلت الحدود الجنوبية معرضة للتصعيد، واستمرت موجات الهجرة والنزوح.
ومن هذا المنطلق، عمل الأردن على تعزيز الدعم اللبناني عبر القنوات الدبلوماسية؛ إيمانا منه بأن استقرار لبنان يمثل استثمارا أمنيا إقليميا ينعكس على شرق المتوسط وعلى مسارات التهريب والهجرة غير الشرعية، بحسب الدعجة.
وقال إن النجاح الدبلوماسي الأردني، اعتمد على مجموعة مترابطة من الأدوات والإستراتيجيات تمثلت في اعتماد خطاب قائم على الحقائق والأرقام، واستثمار المعلومات الميدانية والأمنية، بما في ذلك بيانات القوات المسلحة الأردنية حول الحدود وحركة التهريب، وربط أزمات غزة، والجنوب السوري ولبنان في رؤية أمنية إستراتيجية واحدة.
وذلك إلى جانب تنسيق متواصل مع حلفاء مؤثرين داخل الاتحاد الأورومتوسطي لدفعهم نحو قرارات عملية، وتحويل التحذيرات إلى خطوات تنفيذية قابلة للتطبيق الأمر الذي عزز فاعلية التعاون الأورومتوسطي.
وأكد الدعجة أن الأردن قدم نموذجا لدبلوماسية دمجت بين القراءة الأمنية الدقيقة، والقدرة السياسية والخبرة الإستراتيجية ومهارات التفاوض، ما جعل حضوره داخل المنتدى مؤثرا وليس شكليا.
وشدّد على أن الأردن أثبت أن الأمن الإقليمي لا يترك للصدفة، وأن القرارات السياسية الجريئة شكلت الطريق للحفاظ على استقرار المنطقة وازدهار شعوبها، الأمر الذي جعل الموقف الأردني محل تقدير واعتراف دولي، ونموذجا في تحويل الأزمات إلى فرص لحلول مستدامة.