عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    27-Jan-2020

هل ثار المصريون القدماء؟ - د. حسين دقيل
 
الجزيرة - السعي نحو التغيير فطرة فطر الله الناس عليها .. كما أن مقاومة الظلم والدفاع عن المظلومين معاني ومفاهيم وجدت بوجود الإنسان، ولما كان المجتمع المصري القديم كغيره من المجتمعات به أخيار وبه أشرار، فقد وجد به -كما وجد في كل العصور- شباب حملوا راية الثورة ضد قلة من الأشرار الذين سعوا في الأرض فسادا، ولم يخش هؤلاء الثوار طغيان الأشرار ولا جبروتهم، ولا ما كانوا يتترسون به من عدة وعتاد. 
 
وهذا هو ديدن الثائر في كل وقت وحين؛ لا يخشى بطش الظلم ولا جبروت الظالمين، بل يتحداهم حتى وإن كانت نهايته في هذا التحدي، وتاريخنا القديم يحكي لنا أنه متى وجد الحاكم الظالم المستبد في أي عصر من العصور إلا ووجد معه الحر أو الأحرار الذين يُزيحونه من على جبروت عرشه.. ولو بعد حين. وقد ثار المصري القديم لأسباب عديدة وأغراض متنوعة؛ منها أسباب اقتصادية وحوادث اجتماعية وخلافات دينية وعقائدية، لكن بالتأكيد كانت أصعبها وأشدها أثرا هي الثورات التي حدثت لأسباب سياسية، فقد قوبل خلالها الثوار -كما قوبلوا في كل الأزمان- بأعتى أنواع التنكيل والانتقام .. ولكن كان النصر في النهاية حليفهم.
 
فهناك لوحة حجرية من عصر الأسرة الثانية والعشرين -أي منذ ما يقرب من ثلاثة آلاف عام- تحكي أن ملكا كان يُدعى "تكلوت الثاني" حكم مصر واستتب له الأمر لعشر سنوات دون قلاقل تذكر، لكن وبمجرد دخول حكمه في العام الحادي عشر، مات أحد المقربين إليه؛ والذي كان يشغل وظيفة "كبير كهنة آمون" المدعو "نمروت"، ولأن الملك هو الذي كان يستحوذ على السلطة الدينية وغيرها من السلطات التنفيذية والتشريعية، فقد كان من سلطاته أن يختار خليفة لنمروت، ولما كانت التقاليد الموضوعة تلزمه باختيار شخص من أربعة مرشحين طبيعيين لخلافة "نمروت"، فقد تجاهل الملك هذه الشرائع الموضوعة، واختار شخصا آخر دون الأربعة وهو حفيده المدعو "وسركون" الذي كان لا يزال حينها طفلا صغيرا!
 
هكذا تحكي لنا كتب التاريخ: أن لكل حاكم ظالم نهاية، ولكل خائن عميل ساعة ندم؛ آتيها لا محالة وإن طال به الزمن .. فاستبشروا
 
مواقع التواصل
  
وهنا وعلى إثر هذا الاستخفاف بعقول المصريين الذي بلغ مداه؛ ثار أهل طيبة ومن حولهم بعد أن هيجهم أحد المرشحين الأربعة المدعو "حور سا ايزيس"؛ حتى وصلت الثورة شمالا إلى ربوع مصر الوسطى، فاستخدم الملك أساليب الإغراء في التفريق بين المرشحين الأربعة فعين ثلاثة منهم في مناصب عليا بالدولة، واستفرد برابعهم قائد الثورة "حور سا ايزيس" ومن معه من الثوار فسحقهم سحقا ونكل بهم تنكيلا عظيما ثم أعدمهم وحرق جثثهم!
 
ولكن وبالرغم من شدة القهر والاستبداد، وكذلك القضاء على قائد الثورة، إلا أن الثورة لم تمت في نفوس المصريين، حيث استمر الهدوء الحذر لمدة أربع سنوات، سرعان ما ثاروا بعدها ضد هذا الظالم المستبد، واستمرت ثورتهم لعشر سنوات متتالية؛ استطاعوا خلالها إزاحة هذا الحفيد المعين "وسركون" الذي أراد أن يورثه جده أيضا "تكلوت الثاني" حكم مصر، فاستبدلوه بقائد ثورتهم "شاشنق الثالث" الذي لاقى قبولا وترحيبا من المصريين بل وساندوه حتى استتب له الحكم!! (العجيب أن اللوحة التي احتوت على نص القصة؛ تم تهريبها منذ عشرات السنين لمتحف اللوفر بفرنسا ويدعي الآن ملكيتها!)
 
كما تحكى لنا أوراق البردي وكتابات هيردوت، أن المصريين وبعد تلك الثورة بأربعة قرون -أي منذ ما يقرب من 2400 عام- ثاروا أيضا على الملك "بسماتيك الأول" أحد ملوك الأسرة السادسة والعشرين؛ حين اتهمهوه بالخيانة والتخلص من المحاربين المصريين الذين كانوا في طريقهم لمساعدات الشعب الليبي في حربه ضد القوات اليونانية التي كانت ترغب في احتلال ليبيا، فقد وقعت القوات المصرية وهي في طريقها في كمين قضى على جميع المحاربين، مما كان له أثر سيء على نفوس المصريين شعبا وجيشا فثاروا على هذا الخائن، وأعلنوا عصيانهم، وهبوا للثأر من أجل محاربيهم، ولم تهدأ ثورتهم إلا بإزاحة هذا الملك العميل وأسره! وهكذا تحكي لنا كتب التاريخ، أن لكل حاكم ظالم نهاية، ولكل خائن عميل ساعة ندم؛ آتيها لا محالة وإن طال به الزمن .. فاستبشروا!