الغد
ماري ديجيفسكي* - (الإندبندنت) 2025/8/25
بدأت إسرائيل حملة برية مثيرة للجدل ضد غزة، وسط احتجاجات داخلية وانقسامات عسكرية غير مسبوقة، بينما تسعى في الوقت نفسه إلى القضاء على "حماس" وتأمين إطلاق سراح رهائنها. وتتزايد الشكوك حول قدرة نتنياهو على الاستمرار، حيث يُنظر إلى السابع من تشرين الأول (أكتوبر) بوصفه الفشل الأمني الذي دشّن بداية نهايته السياسية. ومع استدعائه 60 ألف جندي من الاحتياط لتنفيذ حصاره لمدينة غزة، وسط تزايد الاحتجاجات ضد حكومته، ربما سيندم رئيس الوزراء الإسرائيلي على ذلك؟
بدأت العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد مدينة غزة مصحوبة باحتجاجات حاشدة في المدن الإسرائيلية، وإدانات دولية واسعة النطاق. والتصور السائد هو أن تكون هذه العملية البرية المرحلة الأخيرة في الحملة الإسرائيلية لتدمير حركة "حماس"، باعتبارها القوة المسؤولة عن هجمات السابع من تشرين الأول (أكتوبر). وهي عملية محفوفة بالأخطار مثل أي من الهجمات السابقة التي شنها الجيش الإسرائيلي على غزة، بل إنها من أكثر هذه الحملات إثارة للجدل.
استغرق المجلس الوزاري الأمني المصغر يوماً كاملاً تقريباً لإقرار العملية قبل نحو أسبوعين، مع إعراب كبار القادة العسكريين عن شكوكهم علنًا. كما تتزايد الاحتجاجات في الشوارع ضد أخطار العملية نفسها، وضد استدعاء 60 ألف جندي احتياط (مع دعوات غير مألوفة من بعضها للمجندين برفض الالتحاق بالخدمة)، بالإضافة إلى المخاوف من أن تجعل هذه العملية الجديدة في غزة عودة الرهائن الإسرائيليين المتبقين، والذين قد يكون 20 منهم ما يزالون على قيد الحياة، احتمالاً أبعد مما هو عليه مسبقًا.
كانت المفاوضات مع كل من قطر ومصر قد استؤنفت من أجل التوصل إلى وقف جديد لإطلاق النار في غزة وبحث إمكانية إطلاق سراح الرهائن. ولكن، مع تمسك إسرائيل بأن أي وقف لإطلاق النار سيكون مشروطًا بعودة جميع الرهائن سلفًا، وبعد فشل الجولات السابقة، لا يكاد يوجد أي قدر يُعتد به من التفاؤل بالنجاح. وفي الأثناء، تستمر عملية الإجلاء القسرية لأكثر من مليون فلسطيني عن مدينة غزة وتهجيرهم إلى باقي أنحاء القطاع المدمر.
يتصدر المشهد رئيس الوزراء الذي هيمن على السياسة الإسرائيلية لنحو 30 عاماً، بنيامين نتنياهو، الذي ساعدته قدرته على الصمود السياسي على البقاء في منصبه على الرغم من الأزمات والفضائح التي هددت بإسقاطه. ومع بدء العملية العسكرية الجديدة في مدينة غزة، يبرز سؤال مشروع حول ما إذا كانت هذه المرة ستكون مخاطرة تتجاوز حدود الاحتمال.
العملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، التي كان هدفها المعلن تدمير حركة "حماس"، تحولت في جوانب كثيرة إلى حملة غير معتادة بالنسبة لإسرائيل. بدت العملية مرتبكة، وتفتقر إلى القيادة العامة، ومفرطة في استخدام القوة النارية، وقاسية في حجم الخسائر البشرية، وغير فعالة، وانتقامية في ما يتعلق بتقديم المساعدات الإنسانية.
من الصعب فهم كيف يمكن لدولة وجيش معروفين بدقتهما العسكرية في أماكن أخرى، أن يتسببا -في مواجهة خصم ضعيف التجهيز نسبياً- في مثل هذا القدر الهائل من الدمار على مدى فترة طويلة، وفي أرض يعرفانها جيداً من احتلالهما السابق لها.
قد يكون جزء من التفسير هو عدم التكافؤ بين القدرات لدى الجانبين، وحقيقة أن حركة "حماس" كانت وما تزال مندمجة داخل السكان المدنيين. لكن ثمة سبباً آخر كان هناك بالتأكيد، هو وجود الرهائن الإسرائيليين. لقد وجدت إسرائيل نفسها وهي تسعى إلى تحقيق هدفين متعارضين: القضاء على "حماس"، وتأمين إطلاق سراح جميع الرهائن، أحياءً إذا أمكن.
لو لم يكن هناك رهائن، لكانت العمليات الإسرائيلية في غزة أبسط بكثير، وإن لم تكن أقل وحشية. وربما كان إدراك "حماس" للقيمة التي توليها إسرائيل لحياة مواطنيها جزءاً من منطق هجومها في السابع من تشرين الأول (أكتوبر). وأثر ذلك لا يقتصر على تعقيد الخطط العسكرية الإسرائيلية، بل أدى أيضاً إلى إحداث انقسام بين الإسرائيليين: بين من يرون أن على قيادتهم أن تكون أكثر استعداداً للقبول بوقف إطلاق نار أملاً في تسريع عودة الرهائن سالمين؛ وبين أولئك الذين يعتبرون هزيمة "حماس"، والانتقام لهجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، الأولوية القصوى.
كما ظهرت انقسامات بين قطاعات من الجيش الإسرائيلي، حيث كان رئيس الأركان من بين الذين شككوا علناً في جدوى الهجوم على مدينة غزة. وتجلت الانقسامات أيضاً بين بعض قدامى المحاربين الرافضين لإعادة التجنيد، وبين جنود الاحتياط الذين أعلنوا أنهم سيرفضون تلبية الاستدعاء. وهذا مستوى غير مسبوق تقريباً من المعارضة في بلد تعتبر فيه الخدمة العسكرية ركناً من أركان العقيدة الوطنية، ويُستثنى منها فقط اليهود المتدينون الأرثوذكس.
قد تكون هذه الانقسامات في النهاية قاتلة بالنسبة إلى نتنياهو، ولكن ليس بعد. فقد ظل نتنياهو في السلطة تحديداً لأنه الشخص الوحيد القادر على الحفاظ على التحالفات المعقدة التي تفرزها الانتخابات الإسرائيلية. وربما يعكس تمسكه بالسطة، كما يقال أحياناً، خشيته من الملاحقة القضائية بتهم الفساد إذا ما غادر منصبه. لكن بقاءه الطويل في الحكم ربما يعكس أكثر وجود تردد شعبي إزاء تغيير القيادة في وقت يُنظر فيه إلى أمن الدولة على أنه مهدد.
أما السؤال عما إذا كانت هذه العملية، التي تبدو في هذه المرحلة دموية وسيئة الإدارة ولم تتمكن حتى الآن من هزيمة "حماس"، ستشكل الفشل الذي ينهي مسيرة نتنياهو ويطبعها، فإنني أفضل القول إن الأحداث التي أدت إلى اندلاعها هي التي ستحدد ذلك. لقد مثلت عمليات القتل التي وقعت في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 فشلاً ذريعاً للاستخبارات والأمن في بلد ينظر إليه على نطاق واسع بوصفه مرادفاً للتفوق في المجالين، وقد حدث ذلك في عهد نتنياهو. ومن المفهوم أن يختار البقاء في منصبه ليقود الرد، ثم يواصل تحدي كل انتكاسة تالية بإصرار في سعيه إلى تحقيق الهدف المنشود.
لكن، ومهما يكن الوضع الذي سيكون عليه مستقبل غزة، فإن السابع من تشرين الأول (أكتوبر) سيظل إلى الأبد بداية النهاية لمسيرة نتنياهو.
*ماري ديجيفسكي Mary Dejevsky: صحفية وكاتبة بريطانية بارزة، وكاتبة عمود في صحيفة "الإندبندنت" وعضو منتظم في "مجلس مراجعة الصحافة البريطانية". لها مساهمات في مؤسسات إعلامية عدة مثل "الغاديان" و"التايمز". عملت سابقًا مراسلة أجنبية لصحيفة "الإندبندنت" في موسكو وباريس وواشنطن، وكسبت بذلك خبرة واسعة في الشؤون الدولية، خصوصًا في السياسة الروسية والأوروبية والأميركية. عُرفت بتحليلاتها العميقة للعلاقات الدولية وبمواقفها النقدية تجاه السياسات الغربية، وهي أيضًا محاضِرة وكاتبة في قضايا السياسة الخارجية ووسائل الإعلام.