بين المحلي والعالمي.. "أجيال" يلبي تطلعات جمهور متنوع بأفلام استثنائية
الغد- رشا كناكرية
الدوحة - ليلة بعد الأخرى، يتألق الحي الثقافي كتارا بعروض سينمائية ساحرة ضمن فعاليات مهرجان أجيال السينمائي 2024. تعرض خلاله مجموعة مهمة من الأفلام الطويلة والقصيرة، التي تحمل في طياتها قصصا وحكايات تبعث برسائل عميقة لإحداث تغيير ملموس. تتناول هذه الأفلام مجموعة متنوعة من الأفكار والقضايا الاجتماعية، الأسرية، والإنسانية، بأساليب سينمائية مبتكرة تمزج بين الإبداع والتأثير.
ضمن فعاليات الدورة الثانية عشرة لمهرجان أجيال السينمائي 2024، التي حملت شعار "لحظات تشكلنا"، كان جمهور المهرجان على موعد مميز مع عرض الفيلم الطويل "لقاء مع بول بوت" للمخرج ريثي بان، إلى جانب الفيلم القطري "إلى أبناء الوطن"، من إخراج كل من: أمل المفتاح وروضة آل ثاني.
وسط حضور كبير، عرض الفيلم الوثائقي "إلى أبناء الوطن"، الذي أنتجته مؤسسة الدوحة لصالح متحف قطر الوطني. يعد هذا العمل تجربة سينمائية متكاملة لمؤسسة الدوحة للأفلام، ويحتفي برؤية الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في بناء دولة حديثة، تكرس جهودها لازدهار جميع أفراد شعبها. الفيلم من إخراج موهبتين واعدتين من قطر.
يسرد الفيلم في 81 دقيقة مسيرة الأمير الوالد، بدءًا من طفولته وحتى توليه مقاليد الحكم. ومن خلال لقاءات وذكريات واستكشاف شاعري وشخصي، يقدم "إلى أبناء الوطن"، توثيقا لمسيرة ملهمة اتسمت بالشجاعة، العزيمة، والإصرار، أحدثت تغييرات جذرية في تاريخ البلاد.
اختتمت الأمسية بعرض الفيلم الروائي الطويل "لقاء مع بول بوت" للمخرج ريثي بان، الذي ترشح لجائزة آسيا باسيفيك سكرين 2024. أُنتج الفيلم بدعم من مؤسسة الدوحة للأفلام، وهو مستوحى من كتاب "عندما انتهت الحرب.. كمبوديا وثورة الخمير الحمر" للكاتبة الأميركية إليزابيث بيكر. يتميز الفيلم بمزجه بين أنماط سينمائية متعددة وأساليب فنية مبتكرة.
تدور أحداث الفيلم في كمبوتشيا الديمقراطية (كمبوديا) خلال العام 1978، حيث يدعو نظام الخمير الحمر ثلاثة صحفيين فرنسيين لإجراء لقاء حصري مع زعيم النظام، بول بوت. ورغم الصورة المثالية التي تبدو عليها البلاد، تكشف الأحداث تدريجيا عن قرية بوتيمكين التي تخفي وراءها وجها آخر للحقيقة. فالنظام يعاني من تراجع مستمر، في ظل تهديد الحرب مع فيتنام لأمن البلاد ومستقبلها.
وفي هذا الجانب المضطرب، يطلق النظام حملة اعتقالات واسعة ضد المعارضين، ويشرع في تنفيذ عمليات تطهير عرقي سرية. وبينما يلاحظ الصحفيون التصدعات في الرواية الرسمية التي يقدمها النظام، يكتشفون الحقيقة القاتمة خلف المشهد المثالي، لتتحول رحلتهم من استكشاف صحفي إلى كابوس حقيقي.
وفي 112 دقيقة، امتزجت مشاهد الفيلم الروائي بالوثائقي، من خلال تضمينه صورا أرشيفية بالأسود والأبيض، إضافة إلى مشاهد أبطالها نماذج مصنوعة من الطين، وهذا المزج المبتكر جسد مشاهد عميقة تخبر الحقيقة بطريقة إبداعية.
وبوصلة تصفيق حار عبر جمهور مهرجان أجيال السينمائي عن إعجابهم بالفيلم والأحداث التي جعلتهم يشعرون أنهم جزء من الفيلم الذي عاشوا خلال مشاهدته مشاعر الخوف، القلق والتوتر وسط حالة من التشويق لمعرفة النهاية.
وضمن إطار فعاليات العام الثقافي قطر - المغرب 2024، عرض مهرجان أجيال السينمائي 2024، مجموعة مختارة من الأفلام المغربية القصيرة التي تعكس جمال المشهد الثقافي المغربي المتنوع، والنسيج الاجتماعي المتطور في اليوم ما قبل الأخير من المهرجان.
ويأتي هذا العرض بعد تقديم أفلام برنامج "صنع في قطر" في مهرجان مراكش للفيلم القصير، ليعزز بذلك الروابط الثقافية القوية بين الدولتين.
وبدء العرض بفيلم "زجاجات" للمخرج ياسين الإدريسي، وتحدث عن الصبي سعيد البالغ من العمر 13 عامًا، والذي يجمع الزجاجات الفارغة لبيعها في قلب المدينة القديمة الرباط، ويستخدم عائداتها لإطعام كلب يعتني به سرا متحديا معتقدات عائلته ومجتمعه حول ما هو ممنوع.
واستكمل البرنامج بعرض فيلم "ما الذي ينمو في راحة يدك" للمخرجة ضياء بيا، ويرصد الفيلم الروابط المخفية بين جيلين من النساء "حياة وجدتها الراحلة"، وذلك أثناء استرجاع لذاكرتها وتفاصيل أيامها ومن خلال أبسط الإيماءات التي كانت تعيشها في يومها. ويعد الفيلم تأملا عميقا في كيف أن اللحظات اليومية الصغيرة، تبقي أحباءنا حاضرين في حياتنا حتى بعد رحيلهم.
وعرض أيضا فيلم "الفزاعة" للمخرج أنس الزماطي، وهو الأطول بينهم بـ24 دقيقة، ويحكي عن سعيد الذي يتطلع إلى مستقبل أفضل مع حبيبته زينب.
ومع تخطيطهما للهروب من واقعهما القاسي، تقف مخاوف سعيد من المجهول عائقا أمام تحقيق هذا الحلم، ويطرح الفيلم تأملا حول الشجاعة اللازمة للسعي نحو التغيير في مواجهة المجهول.
أما فيلم "باي باي بنز بنز" للمخرجين مأمون رطل بناني وجولز روفيو، فيروي قصة "كبير" وهو آخر سائقي سيارات الأجرة من طراز مرسيدس في المغرب، فهو متعلق بسيارته المرسيدس 240 القديمة.
ويواجه "كبير" تحدي تحديث وسائل النقل العامة، بينما تكتسب سيارات الأجرة الجديدة والآمنة شعبية أكبر، ويوثق الفيلم إرث تلك السيارات الأيقونية مستعرضا لحظات الحنين والتغيير الحتمي.
بينما فيلم "قمر" للمخرجة زينب وكريم يسرد قصة حسنا وسماد طفلان امازيغيان اللذان يستخدمان الرسم والفن وسيلة للعثور على ضوء الأمل وسط عتمة ظروفهما الصعبة، وفعلا ينجحان في العثور على مكامن الجمال في كل ما يراه الآخرون غريبا.
وفيلم "قمر" يتحدث اللغة الامازيغية، ويستخدم الفيلم تباينا بصريا جاذبا لاستكشاف موضوعات العزلة، الصمود والسعي نحو الأمل وسط الصعوبات.
واختتم برنامج "صنع في المغرب" بفيلم "لماذا تركت الحصان وحيدا" للمخرج فوزي بنسعيدي، ويعد استكشافا تأمليا لعملية اتخاذ القرار في العمل الإبداعي ضمن مشاهد الطبيعة، حيث تتصادم التحديات الفنية مع الواقع العملي.
ووفر برنامج "صنع في المغرب" للجمهور نظرة أعمق على المشهد السينمائي المغربي المعاصر والعمليات الإبداعية التي تقف وراء هذه الأعمال المميزة.
ومع اقتراب موعد ختام المهرجان، يستعد الجمهور ليعود "أجيال" على أمل بلقاء جديد، وفي الوقت ذاته، تأمل مؤسسة الدوحة للأفلام في أنها تمكنت من تحقيق هدفها وهو تحويل السينما إلى شكل من أشكال الفن المتاح للجميع، وذلك من خلال توفير تجربة سينمائية تلبي احتياجات جمهور متنوع في مهرجان أجيال السينمائي 2024.