عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-Nov-2025

عقيدة معبام*إسماعيل الشريف

 الدستور

الهدف الأساسي هو توفير فتراتٍ من الهدوء أثناء عرض القوة... الفكرة هي مهاجمة بناء قوات أعدائنا وتقليصها قدر الإمكان، من أجل تقوية الجانب الإسرائيلي- غادي آيزنكوت (رئيس الأركان الصهيوني الأسبق).
 
لأشهرٍ طويلة، زعم الكيان الصهيوني أن هدف الإبادة الجماعية في غزة هو استعادة المحتجزين، فكان هذا الادعاء أساس دبلوماسيته، ومصدر دعمه الغربي، ومبرّرًا لإحدى أكثر الحروب وحشية في التاريخ الحديث.
 
لكن جميع المحتجزين عادوا عبر صفقاتٍ ومفاوضاتٍ وضغوطٍ دولية، وكان من المفترض أن تضع الحروب أوزارها، ولا سيّما أن أعداء الكيان لم يعودوا يشكّلون تهديدًا حقيقيًا له. غير أنّ الكيان ما زال، حتى اليوم، يواصل هجماته اليومية على لبنان وسوريا وغزة.
 
من بين أسس عقيدة الجيش الصهيوني ما يُعرف بـ«عقيدة معبام». لم تكن مطبقة على نطاقٍ واسع قبل عام 2015، لكنها بدأت تطفو على السطح مع مطلع الألفية الجديدة، لتغدو بعد ذلك من أكثر العقائد حضورًا وتطبيقًا في الاستراتيجية العسكرية الصهيونية، حتى أصبحت اليوم «عقيدة العقائد».
 
وعقيدة «معبام» هي اختصارٌ لعبارةٍ عبرية تعني «المعركة بين الحروب»، وتقوم على مبدأ توجيه ضرباتٍ وقائيةٍ متواصلة ضد الخصوم، بهدف منعهم من تطوير قدراتهم العسكرية أو تشكيل أيّ تهديدٍ مستقبلي دون الانجرار إلى حربٍ شاملة.
 
بعد عام 2017، توسعت عمليات «معبام» بشكلٍ ملحوظ، ولا سيّما في سوريا، حيث نفّذت مئات الضربات الجوية. ومع اندلاع «طوفان الأقصى»، أصبحت هذه الاستراتيجية الركيزة الأساسية للعقيدة العسكرية الصهيونية، لتشمل لبنان وغزة وسوريا والعراق واليمن وإيران، تحت ما يُعرف بـمحور إيران.
 
وتعتمد هذه العقيدة على تنفيذ عملياتٍ عسكريةٍ محدودة ومدروسة؛ ضرباتٍ جوية، عملياتٍ استخباراتية، هجماتٍ سيبرانية، واغتيالاتٍ تستهدف قادةً وعلماء   تُنفّذ خلال فترات الهدوء النسبي. وتهدف إلى إضعاف المقاومة تدريجيًا، ومنع تراكم الأسلحة، والحفاظ على حالة الردع.
 
ولعلّ ذلك يفسّر استمرار العمليات في غزة، تحت ذريعة أن مقاتلين من حماس ما زالوا متحصنين في الأنفاق والمناطق المدمّرة. وفي سوريا، ورغم انهيار نظام بشار الأسد وقيام نظامٍ جديدٍ انفكّ عن إيران كليًّا، مكتفيًا بمحاولات إعادة إعمار بلاده وتوفير حياةٍ كريمةٍ لشعبه، ما زال الكيان ينفّذ عملياتٍ يومية داخل أراضيه ويحتلّ أجزاءً منها. وعلى المنوال ذاته في لبنان، ورغم ضعف حزب الله وتزايد الضغوط الداخلية عليه لتسليم ما تبقّى من سلاحه، يتعرض لبنان الشقيق لضرباتٍ جويةٍ وعملياتٍ بريةٍ محدودة بشكلٍ شبه يومي.
 
ولا يمكن إغفال الأبعاد السياسية الداخلية المرتبطة بمجرم الحرب نتن ياهو؛ فالحرب تُبقيه ممسكًا بجميع خيوط اللعبة السياسية في الداخل، وإنهاؤها قد يُضعِف موقفه ويؤدي إلى انهيار حكومته، وهو الذي يستعد للانتخابات المقبلة.
 
وإلى جانب البعد الأمني والعقيدة العسكرية والدوافع السياسية، ثمة أسباب أعمق تجعل الكيان عاجزًا عن التوقف عن الحروب والتعايش في سلام. فهويته القومية قائمة على فكرة «التهديد الوجودي»، ما يجعل الحرب عنصرًا أساسيًا في تماسكه الداخلي. كما أنّ الانقسامات العميقة بين المتدينين والعلمانيين تُنذر بالانفجار في أوقات السلم، مما يجعل الحروب وسيلةً لتوحيد الجبهة الداخلية. يُضاف إلى ذلك اعتماد اقتصاده على الولايات المتحدة، إذ يمثّل التوتر مصدرَ ربحٍ للمجمّع العسكري الأمريكي الذي يضغط بدوره على الساسة للاستمرار في دعم الكيان تحقيقًا لمصالحه. ولا يمكن إغفال أنّ النزعة التوسعية وضم الأراضي متجذران في الفكر الصهيوني، وهما أساسٌ لقيام هذا الكيان، إلى جانب أسبابٍ أخرى تدفعه نحو الحرب بدل السلام.
 
ويُضاف إلى ذلك أنّ الولايات المتحدة تدعم عمليات الكيان في لبنان وسوريا واليمن، في الوقت الذي تُعلن فيه دعمها لوقف الحروب، وهو ما يمنح الكيان مساحةً أوسع لمواصلة عدوانه دون أيّ ضغوطٍ حقيقية.
 
وقد وصف أحد المحللين السياسيين المنطقة بأنها «مليئة بالأضواء الحمراء»، فخطأٌ واحد في الحسابات؛ ضربةٌ مبالغٌ فيها، أو اغتيالٌ سياسي   قد يشعل سلسلةً من التفاعلات كأحجار الدومينو؛ حينها قد ينهار وقف إطلاق النار في غزة، وتُجرّ سوريا إلى صراعٍ جديدٍ بدعمٍ تركي، وقد يعود حزب الله إلى إطلاق صواريخه، وربما تنضم مجموعاتٌ مدعومةٌ من إيران في دولٍ عدّة إلى دائرة المواجهة.
 
حتى الآن، تشير كلّ المؤشرات إلى منطقةٍ تتهاوى فيها الهدن، وتتفاقم فيها التوترات، ويعلو فيها صوت المدافع؛ فذلك الكيان لا يستطيع أن يعيش دون حروب.