عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Nov-2020

ترامب لا يريد تسليم السلطة!*د. محمد حسين المومني

 الغد

يتصرف الرئيس ترامب كما أي رئيس دولة دكتاتورية شمولية مارقة: لا يبارك للرئيس المنتخب كما جرت التقاليد السياسية بين الرؤساء المقبلين والمغادرين، يطعن في نزاهة الانتخابات ويشكك في مصداقيتها، يضع العراقيل أمام فريق بايدن الانتقالي في مسعاه لاستلام السلطة، يمنع عن بايدن ونائبته هاريس الإحاطات الأمنية، كما جرت العادة في مراحل تسليم السلطة بين رئاستين، ويقول إن أمر الانتخابات لم يحسم بعد في انتظار نتائج الطعون القانونية التي يعتزم شنها في عدد من الولايات. صحيح أن ترامب بالنهاية حتما سيتنحى عن السلطة مرغما أو بمحض اختياره، ولكن سلوكه أحدث ضررا بالغا شكك الأميركيين بصحة وجودة نظامهم الانتخابي، وأعطى انطباعا سيئا عن مؤسسية الأجهزة الديمقراطية الانتخابية في الولايات المتحدة.
هذا هو ترامب… يجسد الغرور السياسي بأوضح تجلياته، ويرى نفسه أكبر وأعلى من المؤسسية الديمقراطية في بلاده. سلوكه هذا، وعلى مدى الأعوام الأربعة الماضية، أحدث حالة من الانقسام السياسي والشعبي الشديد في الولايات المتحدة، وأفضى ذلك الانقسام لحالة مشاركة سياسية انتخابية لم تشهدها أميركا على مدى الأعوام المائة والعشرين الماضية. حصل هو نفسه على ملايين الأصوات الإضافية مقارنة بالانتخابات العام 2016، ولكنه بالنهاية خسر أمام بايدن الذي قدم نموذجا فاضله غالبية الناخبين الأميركيين.
لم تكن الانتخابات الرئاسية الماضية في أميركا انتخابات عادية روتينية؛ كانت معركة ضروسا على قيم الولايات المتحدة ومجتمعها، فتجلت قيم الوحدة والعدالة ونبذ العنصرية كفوارق أساسية بين المرشحين، واندفعت حشود الناخبين لتصوت للنموذج الذي ترى أنه يمثلها. فاز بايدن بطرحه لنفسه كمنقذ لروحية وقيم الولايات المتحدة كما يراها وكما يعتقد ترغب بها غالبية الأميركيين. أمام بايدن هاريس مهمة صعبة معقدة لتضميد الجراح التقسيمية التي أحدثها ترامب، ولإعادة الاعتبار لقيم المساواة والعدالة بين الأميركيين، ولبث الأمل من جديد بقيم المواطنة التي تجمع الأميركيين بصرف النظر عن عرقهم أو دينهم أو أصلهم أو جنسهم.
لقد كانت القيم السياسية والاجتماعية الأميركية جزءا أساسيا من حضورها كدولة قائد في العالم، وقد كانت قدرتها على تحويل التنوع والتعدد في مجتمعها لعنصر قوة محط إعجاب وعنصر جذب، وها هي الدولة الأقوى في العالم تحاول إعادة الاعتبار لهذه الصورة التي نال منها ترامب وبددها بتهور ودون تدبر. إعادة رسم صورة الولايات المتحدة دوليا، وأيضا أمام أعين الأميركيين من أهم وأعقد الأهداف التي سيضطلع بها بايدن، بدأ بذلك في حملته الانتخابية، ومنحه الأميركيون تفويضا لأن يكمل مهمته وينجزها، في دلالة واضحة على وعي غالبية الأميركيين بالضرر الذي أحدثه ترامب وضرورة إصلاحه. طرد الأميركيين ترامب من البيت الأبيض يعد الدلالة الأوضح على نبذ نموذجه والإقرار بضرورة استبداله، ولكن هذا لا بد أن يتبع باستقطاب قيمي لكل من دعمه وساند نموذجه.