عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Sep-2020

حلوة الفطام* رمزي الغزوي
الدستور -
 
ما أصعب فطام الكبير وما أقساه. هذه من تأكيدات الأمثال الشعبية حين نحاول جاهدين التخلص من عادة تغلغلت فينا حدَّ نخاع العظم، وسارت معنا مسرى الدم. وبمثل معناه قالت من قبله العرب: إنّ العوان لا تُعلم الخمرة. إي أن الصبية في منتصف العمر، لا يمكنك أن تعلمها ارتداء الخمار. 
 
بعيداً عن ما صرّح به رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز من أن الفطام الاقتصادي يشكل فرصة لتنفيذ برنامج موسع للإصلاح وخفض الدين العام، وعجز الموازنة، وزيادة التشغيل، وضبط المالية العامة. بعيداً عن هذا الأمر الملح، يخامرني سؤال أصعب من فطام الكبير: هل حقاً ما زال اقتصادنا يرتع في مهد الرضاعة، مع أننا على مرمى حجر من مئوية الدولة؟ وهل حقاً سيشكل الفطام القصري الذي فرضته علينا جائحة الكورونا فرصة تُستغل وتهتبل؟.
 
في المقابل، ليس ما هو أسهل من فطام الصغير. فقد يتم بأشكال أولها الخدعة بالقول واللعب والتسلية، حتى ينسى الطفل ثدي أمه ويسلاه. وأما إن كان متعلقاً بحليب أمه حتى شغاف القلب؛ فلا بد من العطار الذي ربما يصلح الأمر هذه المرة.
 
ستجد أسماء مغايرة ومتناقضة لهذا الدواء. فهو (المُرة) أو (الحلوة)، ولكنك بما تناديه أو تسميه؛ فسيعرف العطار مطلوبك بسرعة، بعد أن يسألك عن عمر الطفل، ويتحسّر عليه إن كان أصغر مما ينبغي. هذه الحلوة آخر تكتيكات الفطام، وهي مادة سوداء شديدة المرارة، ما أن يتذوقها الطفل؛ حتى يعاف أمه قبل ثديها.
 
نستخدم المجاز والتوريات كثيراً مع الحقائق القاصمة؛ كي تستقيم حياتنا. ومن هذا لا نقول عن الأعور أعور بل إن عينه كريمة من باب التلطيف. والأمر مثله مع الحلوة، التي نعرف أن هذا اسم زائف لها، لأنها بمرارة حنظل معتق. 
 
الأمهات اليوم لا يستخدمن الحلوة أبداً. بل ثمة لهاية مطاطية تفي بالغرض، بعد غمسها بالماء المحلى، تعطى للطفل فيتلهى وينام. هذه اللهاية قد منحتها ذات صخب اسما حركيا يفرحني: صانعة السلام. 
 
التطورات السياسية في المنطقة والعالم فرضت علينا واقعا كان الأولى أن يلهمنا أن نتفكر ما بأنفسنا وفيها، ونرتد لها، قبل أن ننتظر يد مساعدة من هنا أوهناك. فهذا باب أقفل بقفل وترباس. كان الأولى أن نرى أن ما نعانيه ليس فطاماً بالمعنى الدقيق، بقدر ما هو حرمان مقصود، لن تنفع معه حلوة، أو لهاية تصنع السلام، ولن ينفع معه موجة سؤال متحسر: لماذا انتظرنا طيلة هذه الفترة؛ كي نستشعر بأن الفطام واقع؟ لماذا لم ندرج باقتصادنا مدارج النمو المعروفة في دنيا الشعوب؟