عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    25-Apr-2019

الدستور.. المعركة الاستراتيجية الممتدة.. هل تنتهي؟ - خالد عاشور
معلوم أن الحدث الاستراتيجي هو الذي يحقق تحولا هاماً ومؤثراً في مشهد ما. فثورة يناير 2011 حدث استراتيجي والانقلاب عليها 2013 كذلك. وإصدار الدستور وتعديله هو أيضا حدث استراتيجي بامتياز. حيث يغير ملامح الدولة ويشكل مرجعاً للتشريع وعلاقات الحكم وسلطات الدولة وحقوق الشعب الأمر الذي يحدث تغييرات جوهرية مؤثرة.
 
ودستور مصر حالة صراعية دائمة بين الشعب وحكم العسكريين، امتدت إليه يد مبارك لتوريث حكمه فقامت بعدها ثورة يناير2011، ووضع الشعب دستوره 2012. واجتهد الجيش وأذرعه لإعاقة صدوره وحل جمعيته التأسيسية، ووضع مبادئ فوق دستورية وفشل في ذلك. ثم انقلب على الإرادة الشعبية فى 2013 وكان (تعطيل العمل بالدستور) هو صدر بيان الانقلاب، والعمل بمراسيم استثنائية وإعلانات دستورية من قبل العسكر.
 
ثم لا تزال يد العسكر تمتد إليه لتوسيع سلطاتهم ونفوذهم تدريجياً، وبسط السيطرة على الشعب ومقدراته إلى حد التصرف فى الجغرافيا والتاريخ، بالإعلانات الدستورية، مروراً بدستور 2014، إلى تعديلات 2019، غير تعديل مرتقب خلال السنين العشر القادمة كما صرح رئيس البرلمان. كل ذلك لفرض مزيد من تركيز السلطة وتمديدها للرئيس العسكري المنقلب، وتوسيع صلاحياته.
 
استراتيجية (العمل المشترك) تجعل الريادة للأعمال لا للرموز ولا الكيانات، وهذا النموذج ظهر جلياً فى حملة #باطل، حيث ظهر أثرها ولم يتحدث باسمها شخص أو كيان
لذلك فالدستور هو مكمن (صراع المكتسبات والإرادات الممتد بين الشعب والجيش)، إرادة التحرر والحق في تقاسم الموارد السياسية والاقتصادية، مقابل إرادة التحكم والسيطرة لعصابات السلطة والثروة. وعلى قدر القيمة الاستراتيجية للدستور ينبغي أن تكون المعالجة الإعلامية والسياسية، بمستوى القيمة والأهمية، وعلى مدى زمني ممتد.
 
استراتيجية العمل المشترك
وقد قدمت الحملات ضد التعديلات الدستورية (باطل، وقاطع، ولا) أداء مقبولاً فى إصدار مواقف ضد الحكم العسكري على تنوع خلفياتها. فجميعها ساهمت فى فضح النظام، والنيل من شرعيته، حيث كانت نموذجا لتوحيد الاستهداف ضد السيسي، وإن شابتها بعض المناوشات البينية الصديقة.
 
وقد برزت (استراتيجية العمل المشترك) كصيغة بديلة عن اصطفاف الجماعات وتكوين الجبهات. والتي ظهرت مؤخراً فى أعمال عابرة للكيانات، كمثل الوقفات الحقوقية بشأن الإعدامات فى عدد من دول العالم. الأمر الذي يشكل تطوراً نوعيا فى العمل الثوري يعطى أملا جديداً فى التوحد ضد النظام بشكل مختلف. فى وقت تعاني الكيانات والجبهات مشاكل بنيوية وقيادية أضعفتها وفرقتها وأخرجتها من دوائر التأثير الجماهيري والسياسي.
 
فاستراتيجية (العمل المشترك) تجعل الريادة للأعمال لا للرموز ولا الكيانات، وهذا النموذج ظهر جلياً فى حملة #باطل، حيث ظهر أثرها ولم يتحدث باسمها شخص أو كيان. وقد نجحت في صناعة إطار للتعبير الجماهيري حصد نحو 680 ألف رافض للتعديلات الدستورية. ربما لو تصدرها حزب أو رمز سياسي ما حققت ذلك. وقد نجح العمل الثوري أول مرة فى ميدان التحرير حين قام على التجرد وإنكار الذات، والتركيز نحو الهدف.
 
جمهرة العمل السياسي
والعمل الثوري جماهيري بطبيعته، يموت في الغرف المغلقة، وعلى طاولات الحوار. وهذا العمل ضد دستور العسكر هو عمل جماهيري بامتياز، أبطاله في كل دول العالم تحركهم ضمائرهم والهدف المشترك. صحيح أنه لابد وراء كل عمل درجة من الإعداد والتنظيم. ولكن مقتضى العمل الثوري -ليحقق الاستجابة المرجوة- بات يستلزم صدارة الجمهور ومطالبة السياسيين بوضع (الكرافتات والميكروفونات) جانباً، والتخلي عن الترويج الأيدولوجي، والنزول للعمل وسط الجماهير، وتنظيم الأطر التي تدمجها كفاعل رئيسي في المشهد.
 
الجمهور ضمن المنظومة الإعلامية أهم عناصر عملية الاتصال، ومدار اهتمام الوسائل الإعلامية، وواجبها توعيته
وواجب السياسيين في (معركة الدستور الممتدة) تنظيم الفعاليات والورش والندوات حول توعية الشعب بحقوقه الدستورية المهدرة، وتركيز السلطة والثروة فى يد العسكر. وأن يطوروا أداءهم لأشكال تختلف عن السابق، ويستغلوا الحراك والتفاعل الجماهيري، فينتقل من حدث إلى حدث ولا يخمد. لنرى نموذجا مختلفا لعمل سياسي ثورى. فالجماهير الواعية الآن تتطلع إلى أعمال تعيد الأمل والثقة فى العمل الثوري، وتبحث عن قيادات ملهمة تضع فيها أملها. ولن تعطى الثقة (شيكا على بياض) لأحد إلا من خلال عمل ناجح، وهذا مؤشر على وعى جمهور الثورة.
 
الدستور والثورة والإعلام
وإعلاميا -وقد قدمت بالقيمة الاستراتيجية لمعركة الدستور- فلا أخفى تخوفي من إسدال الستار على تناوله كحدث عادى وانتهى. فديمومة العمل على تشكيل وعى الشعب تجاه حقوقه فى استراتيجية إعلامية ممتدة هو عين المطلوب. فالأحداث تنسى ما قبلها خاصة، وتربك أجندة الأولويات. ومتابعة موجاتها دون أجندة ثابتة ستعيد الجمهور إلى حفلات السخرية السياسية في برامج التوك شو وصفحات السوشيال، والتي شكلت ظاهرة فى إعلام الثورة، تفرغ شحنات الغضب في غير ميدان.
 
وليس كل الإعلام نشرات وتغطيات خبرية معيارها الأول هو الوقت. ولكن منظومة متكاملة من البرامج والوسائل الصحفية ذات أهداف ورسالة، وظيفتها الوفاء بالمعرفة للجمهور. والجمهور ضمن المنظومة الإعلامية أهم عناصر عملية الاتصال، ومدار اهتمام الوسائل الإعلامية، وواجبها توعيته. إن كل حدث استراتيجي هام يعلوه النسيان يفقد قيمته وآثاره إلا من الإحباط والسلبية.
 
ثنائية الشعب والعسكر
ولذلك فإن المقال رسالة أخرى إلى صناع الوعي من الكتاب والصحفيين وصانعي المحتوى من أجل العمل الممتد فى حملة الدستور، فلا تنتهي بانتهاء الحدث. فتعمد إلى تفكيك الدستور لعناصره الأولية وربطها بالقيم الأساسية، وحقيقة الصراع على المكتسبات بين الشعب والجيش. ومن ثم تبسيط تلك المعاني للناس على اختلاف مستوى ثقافتهم وتعليمهم. ومن الأهمية بمكان تكريس ثنائية (الشعب والعسكر) كاستراتيجية دائمة تضع الشعب أما السيسي.
 
وأخيراً فإن بالدستور أكثر من مائتي عنوان -تحت أبوابه ومواده- تتصل بكل حدث يومي، في كل سطر فيه محاكمة للنظام على حق دستوري للشعب. وهو مادة غنية بالموضوعات وملأى بالمحاور والأسئلة، ومصدر خام للأفكار التي تصنع مناخاً خصبا لإدارة الحوارات والتحليلات. ذلك لمن أراد أن يكون لعمله الإعلامي والسياسي قيمة، فلا غنى له عن حفظ الدستور مرجعاً هاماً.
 
الجزيرة