الغد-أحمد الشوابكة
يبدع الفنان التشكيلي والمصور الفوتوغرافي الأردني طارق الدجاني في تنفيذ أعماله التي تتلاءم وتنسجم مع أفكاره، خصوصا حينما يوجه عدسة الكاميرا لتلتقط أجمل الصور وأروعها التي تظهر في زواياها الكفاءة والإبداع، وتحديدا التقاطه للصور التي تحاكي جذوره وتراثه العربي والطبيعية الأردنية التي يعتبرها منهلا لجل أعماله الفوتوغرافية.
بدأ الدجاني اهتمامه بالفن في أواخر السبعينيات، حيث تتلمذ على يد الفنان التشكيلي الأردني الراحل مهنا الدرة، الذي أدرك موهبته الشابة وشغفه بالنمو الإبداعي، متذكراً أهم درس تعلمه من الدرة، عندما قال له: "اليد تمسك بالقلم أو الفرشاة، والعين توجه الحركات، لكن القلب هو الذي يشعر بالفن". مشيراً إلى أنه بعد تخرجه في كلية تراسنطة، أكمل دراسته في إنجلترا، وحصل على درجة البكالوريوس في الهندسة، لكن أدرك أن اهتماماته تكمن في مكان آخر، فعاد إلى جامعة لندن لدراسة الفن والتصوير الفوتوغرافي.
وبعد تخريجه بدأ العمل كفنان في مشاريع شخصية كمصور تجاري لشركات الإعلان والتصميم. ثم انتقل بعد سنوات عدة، إلى ستوكهولم- السويد، حيث بدأ يجد المزيد من النجاح في عمله.
ويعرف الدجاني بدراساته الفوتوغرافية للخيول العربية الأصيلة، متبعاً الكثير من الأساليب الإبداعية التي يتفرد بها، والتي تبين أنه ثمة عمق في أعماله الفنية التي تكشف عن اهتمامه وحفاوته الشديدة بجذوره وتراثه العربي الأصيل، ويرمز ذلك في أعماله الفنية التي يجسد فيها الخيل العربية الأصيلة، إضافة إلى صقر الصيد، ودراساته عن الإرث الإسلامي للفلاحة في الأندلس في القرن الثاني عشر من خلال مشروعه "كتاب الفلاحة"، ومشروع "حكايات" الذي يعتبر استكشافا روحيا يجمع بين شعر محمود درويش وسميح القاسم والرومي وجبران خليل جبران مع صور فوتوغرافية.
إلى جانب معرضه الأخير ويحمل عنواناً "على هذه الأرض"، ويخص الارتباط بالأرض والزراعة ويعرض حالياً في جاليري درة الياسمين في جبل اللويبدة.
وتأثر الدجاني، بأساتذة الفنون الجميلة الأوروبيين القدامى، وفي الغالب ما تعتبر مطبوعاته الفوتوغرافية بأنها لوحات فن رسمي، حيث كتبت باربرا رويال مديرة جاليري جاكراندا: "أعماله منتجة ومتقنة بشكل مذهل. الجانب الفني رائع، هناك عمق واقعي كلاسيكي وتفسير فني في الوقت نفسه. في حين أن أعماله معاصرة بحكم الوسيلة، إلا أنه كلاسيكي"، مشيراً إلى أن الحدس يلعب دوراً كبيرا في تجربة أعماله، حيث يتم تقديم الأفكار التقليدية في ضوء جديد، مما يترك انطباعًا دائمًا لدى المشاهد، وفق ما ذكره في سياق حديثه لـ"الغد".
ويرجع الدجاني إلى العام 2005، أثناء وجوده في السويد، ليبدأ بمشروع غير مسار حياته. إذ حول انتباهه إلى حبه مدى الحياة للخيول، وتحديدًا الخيل العربية الأصيلة. وأدرك أنه لتصوير الخيل العربية، كان عليه العودة إلى الأردن، ليتواصل مع كبار المربين للخيول في البلاد. وفقًا للتقاليد العربية، رحبوا به بحفاوة في إسطبلاتهم. مما شجعه على تصوير الخيول، وتوسع تدريجيًا في جسم مشروعه. وقال: "لقد انبهرت تمامًا بهذه المخلوقات الرائعة، وكنت آمل أن أتمكن من عكس ليس فقط جمال وأناقة كل حصان، بل شيء أساسي من شخصيته وسلوكه"، ليقدم مشروعه إلى الأميرة عالية الحسين، التي دعته إلى المربط الملكي الأردني.
ويشير إلى أنه أثناء وجوده في دول الخليج وسع المشروع ليشمل صقر الصيد، وكان الشرق الأوسط المكان المثالي للقيام بذلك، حيث ينظر إلى صقر الصيد، جنبًاً إلى جنب مع الخيل العربية الأصيلة، على أنه رمزا للثقافة والتراث العربي، وبعد سنوات عدة، انتقل إلى إسبانيا مع عائلته لتعلم الطباعة الفوتوغرافية الضوئية القديمة (الجرافيكية) ودمجها في عمله، وأنتج مشروعين رئيسيين هما كتاب الفلاحة وحكايات، وكلاهما يتعلق بالتراث والثقافة العربية والإسلامية.
وعاد الدجاني إلى وطنه، بعد غياب دام أكثر من 40 عامًا من العيش في الخارج، منها 12 عامًا في إسبانيا، ليعمل حاليًا على مشروع جديد بعنوان "الزيتون"، حيث يركز على أشجار الزيتون الرومي القديمة في الأردن، وهذه الأشجار القديمة بجذوعها الملتوية والمعقدة تصل أعمارها الى آلاف السنين.
ويتساءل الدجاني: "إذا كانت هذه الأشجار قادرة على التحدث، فماذا قد تخبرنا؟ إنها تظل من الزمن القديم، وحراس الذاكرة". وسيتم عرض زيتون في دار الأندى، جبل اللويبدة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
واختتم الدجاني حديثه قائلاً: "إن هدفه هو إنتاج فن يتمتع بالروح والشعور، ويخلق استجابة عاطفية لدى المشاهد. سواء أكان صورة للحصان أو فاكهة أو شجرة قديمة، فهو ليس مهتما بما يراه المشاهد، بل أكثر بما يشعر به المشاهد".