عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    01-Sep-2024

"آثار غزة وحرب التاريخ".. توثيق لمحاولات الاحتلال طمس الهوية الفلسطينية

 الغد-عزيزة علي

 صدر عن دار الفينيق للنشر والتوزيع، كتاب بعنوان "آثار غزة وحرب التاريخ"، للكاتب والمؤرخ الفلسطيني حسام أبو النصر.
الكتاب يسلط الضوء على خطر العدوان الإسرائيلي المتكرر والممنهج على غزة، والذي يسعى إلى تدمير الآثار الفلسطينية في المدينة، وتغيير معالمها مما يؤثر على النسق التاريخي لها، وصولا إلى محاولة طمس الهوية الفلسطينية فيها.
 
 
وزير الثقافة الفلسطيني عماد عبدالله حمدان يشير في "تقديم"، للكتاب إلى أن هذا الكتاب يوثق العدوان المستمر منذ السابع من أكتوبر 2023، على جنوب فلسطين واستباحة مدن وبلدات ومخيمات، حيث يستهدف هذا العدوان كل ما استطاعت إليه آلة الشر من قتل وتدمير وتحطيم، ولم يكن التاريخ وشواهده التي استهدفها إلا دلالة على حربة المسعورة منذ احتلاله أرضنا الفلسطينية في العام 1948، ظنا منه أنه بمقدوره سلبه ونهبه وتزويره، وأن يغير أو يشوه أو يمحو وجودنا على أرضنا، فكل شيء ينبت من داخلها يحمل رائحة أجدادنا وسماتهم وصفاتهم ولونهم الذي تلون بترابها.
ويرى حمدان، أن هذا الكتاب التوثيقي جاء ليساهم في فضح جرائم الاحتلال بحق شعبنا وأرضنا وتاريخنا وثقافتنا الوطنية الفلسطينية، وكوثيقة ودليل آخر على ما دمره الاحتلال من آثار وتراث حضاري وإنساني، وليوضح بالتفصيل المواقع التي استهدفت وشكل هذا الاستهداف، وتوضيح تاريخي لهذه الأماكن، لتبقى شاهدة على هذه المقتلة المستمرة حتى الآن، ومستندا إلى الدارسين والباحثين، وذاكرة صلبة على فعل هذا الاحتلال.
ويرى رئيس المجلس العربي للآثاريين العرب د. محمد الكحلاوي، أنه منذ أن انتفض الشعب الفلسطيني في غزة مدافعا عن وطنه، وحمامات الدم والمجازر الصهيونية تحصد آلاف الأرواح من الأطفال والنساء، لافتا إلى أن هذه الصهيونية استباحت حرمة المرضى والمصابين في المستشفيات بعد أن دمرتها بالكامل، بينما حكومات العالم الغربي تشرعن لإسرائيل جرائمها ومن المؤسف والمخزي أن توافقها بعض الحكومات الإسلامية والعربية، إما خوفا من معاداة الغرب أو طمعا في إعطاء الثقة لإسرائيل، إلا أن هذا لم يمنع شعب غزة الأبي من الصمود وراء رجال المقاومة، جسدا واحدا، وهذا ليس جديدا على شعب عصي على أعدائه منذ آلاف السنين، واليوم هذا الشعب الأبي الذي يعاني منذ سنوات من حصار خانق غلقت فيه الأبواب وأحكمت عليه المنافذ، وقطرت أرزاقة وقطعت عنه شرايين الحياة من ماء وكهرباء وغذاء.
ويقول الكحلاوي: "إن كل هذا لم يثن الشعب عن ممارسة حقه في البقاء والدفاع عن وجوده والصمود والوقوف مع مقاوميه"، ومن الجدير بالذكر، أن العدوان الإسرائيلي الغاشم على شعبنا في غزة كان له هدف آخر غير معلن، وهو استهداف بهمجية وعدوانية وتدمير الذاكرة التاريخية لمدينة غزة وطمس ومحو هويتها أمام أعين المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بالتراث، من دون شجب أو تنديد بمخاطر هذا التدمير الذي يذكرنا بهجمات التتار الوحشية على بغداد.
ويدعو الكحلاوي إلى ضرورة التذكير كيف حركت اليونسكو العالم عندما أقدمت طالبان على هدم التماثيل البوذية، ولكن عندما تعلق الأمر بغزة وآثارها وتاريخها، فلم يحرك العالم ساكنا، واليوم أصبح شغلنا الشاغل كمتخصصين متابعة ما تتعرض له آثار غزة عن طريق حصرها بواسطة زملاء لنا يمدوننا من وقت لآخر بالاعتداءات التي تتعرض لها المواقع والمباني الأثرية في غزة، من مساجد ومدارس وكنائس وأديرة ودور وقصور وحمامات ومتاحف، لنتمكن من حصرها في قوائم، ولكن بمجرد الانتهاء من الحصر، يغدو هذا الحصر قديما يتبعه ملحق جديد، ليتماشى مع الأعداد المتتالية من الآثار التي يتم قصفها وتدميرها بشكل يومي.
ويؤكد الكحلاوي أن مؤلف هذا الكتاب هو أحد مؤرخي فلسطين المخلصين، وكتابه جامع مانع يوثق بدقة كاملة الدمار الذي لحق بتاريخ غزة، ويؤكد الكاتب أنه لا يقارن مع الأحداث والصراعات التي واجهتها غزة في حروبها السابقة مع إسرائيل، حيث قدر المؤلف نسبة الدمار الذي لحق بالآثار والمباني التاريخية
بـ"70 %"، من تراث غزة، ومن الطبيعي أن هذه النسبة في تصاعد مستمر نتيجة استمرار العدوان وأهدافه المعلنة والمبطنة لمحو ذاكرة المدينة وهويتها وعروبتها.
ويوضح الكحلاوي، أن الكتاب فيه جهد كبير ودقة في المعلومات، للوقوف على الآثار المدمرة التي شملها الكتاب بالرصد، ويمثل في مجمله وثيقة ومصدرا مهما، حيث اعتمد فيه على المسح الميداني في توثيق المعلومات نصا وصورة، وقد اتبع منهجية علمية صحيحة في تقديم موضوع الكتاب المكون من مقدمة وثلاثة فصول خصص الأول لغزة والواقع التاريخي والجغرافي، فيما خصص الفصل الثاني للمعالم الدينية والأثرية فيها، أما الفصل الثالث، فقد اشتمل على حصر للاعتداءات الإسرائيلية على الآثار في غزة، واهتم بملخص واف حول ما أنجزه من نتاج تضمن حصرا دقيقا شاملا للآثار والمباني والمواقع، مما يجعله مصدرا لا غنى عنه في توثيق الجرائم الإسرائيلية في حق البشر والحجر في غزة.
ويقول مؤلف الكتاب المؤرخ حسام أبو النصر: "إن كتابه يوثق للدمار الذي لحق بتاريخ غزة بعد حرب السابع من أكتوبر 2023، حيث تعد الأخطر والأعنف والأكبر، حيث دمرت الصهيونية ملامح تاريخ المدينة تدميرا شبه كامل، مبينا أنه رغم عمله في مجال توثيق الآثار والمخطوطات منذ أكثر من 20 عاما، إذ تعرضت غزة لحروب عدة، أبرزها العامين 2008، و2014، اللتان دمر فيهما جزء من هذه الآثار، إلا أن حرب  2023، مسحت حوالي 70 %، من المعالم الأثرية والتاريخية في القطاع، في مشهد يذكرنا بالمغول والتتار وما فعلوه في بغداد، مما يدل على أن الاستهداف لغزة ليس فقط للسكان الذين فاق عدد شهدائهم 35 ألف شهيد".
ويؤكد أبو النصر، أن الاحتلال يهدف إلى محو تاريخ غزة عن الخريطة الجغرافية، ليضرب الاحتلال الفاشي الإسرائيلي بعرض الحائط كل القوانين الدولية ليس فيما يخص الممتلكات الثقافية والتاريخية أثناء الحروب فحسب، بل وصل إلى الصحفيين الذين تجاوز عدد شهدائهم أكثر من 140 شهيدا، والمدنيين، والمثقفين والأكاديميين، والكتاب، والفنانين، والأطباء والمستشفيات، والكنائس والمساجد، وكل ما هو فلسطيني، في مشهد يعيدنا إلى هيروشيما، بل والحربين العالميتين الأولى والثانية.
ويشرح المؤلف أن الهدف من هذا الكتاب هو "توثيق تاريخ المدينة الذي فُقد، وليكن شاهدا على دمار ما بعد حرب السابع من أكتوبر، وليوضح أهمية الآثار التي تمثل تاريخ ومكانة غزة الحضارية منذ تأسيسها قبل الميلاد وحتى وقتنا الحاضر، وذلك من خلال سرد تاريخي لهذه الآثار، وكذلك أهم الاعتداءات الإسرائيلية عليها منذ العام 1967، حتى 2008، كمرحلة أولى، والمرحلة الثانية تشمل الحروب الأخيرة على غزة وصولا إلى حرب السابع من أكتوبر، والتي أتت على عدد كبير من الآثار وشهدت أكبر تصعيد واندثار للكثير منها".
ويؤكد أبو النصر في خاتمة الكتاب أنه سرد التاريخ من خلال عرض أثري يوضح أهم المعالم التي بقيت لحضارات مرت على المدينة تاريخيا في الفصل الأول، مما أعطاه صبغة دينية ومعمارية وأثرية، تركت إرثا كبيرا من المخطوطات والروايات التي تحكي عن مجد تاريخها، وحرصت على أن أسرد تاريخ غزة مع إعطاء دلائل أثرية تؤكد المعلومة التاريخية، خاصة أن كثيرا من البحث التاريخي يحتاج لإعادة النظر من خلال التحقق بالدلائل الملوسة لهذا التاريخ، حيث تلعب الآثار والوثائق الدور المهم والأكبر فيها.
ويتابع، أعتقد أن غزة فقدت الكثير من آثارها، مقارنة بالسرد التاريخي المصاحب لحضارتها، وأن هناك تغيرات كبيرة أثرت في معالمها، من عوامل سياسية وحروب، وعوامل طبيعية، من زلازل وتغيرات جوية، وغيرها من العوامل التي أوصلتها إلى شكلها الحالي، والذي ما يزال يتعرض لتغيير كبير؛ بسبب العدوان المستمر على القطاع، ولكن بالمجمل، فإن الآثار الباقية تؤكد تسلسل الأحداث المذكورة في الكتب والمراجع، وتتوافق معها، مع اختلاف بعض المؤرخين على بعض التواريخ، ولكنهم بالمجمل متفقون على العصر والحقبة، وأغلب الآثار تدل مكتشفاتها على زمنها وتاريخها، بما يتوافق مع البحث العلمي، والأثري في مناطق كثيرة في العالم، وهناك كثير من "الأوباد"، ما تزال تكتشف، وكلما ظهر شيء جديد منها، يؤكد أو يغير أي حقيقة تاريخية ذكرت سابقا، وبالتأكيد، فإن ما أظهره الكتاب يؤكد لنا أن غزة كانت مدينة زاخرة عامرة، وكانت جزءا من حضارة فلسطين المشرقة بكامل ما تحمله.
وخلص إلى أن هذا الكتاب هو امتداد لما كتب عن تاريخ هذه المدينة، مع حرصنا على سرد هذا التاريخ مرافقا لبقاياه الأثرية التي تؤكد صحة هذه الروايات، وليكون هذا الكتاب وثيقة لما فقد من آثار غزة خلال الحروب، التي شنت عليها على مدار سنوات، وقد تكون حرب السابع من أكتوبر 2023، أعنفها على الإطلاق، غيرت معالم القطاع بالكامل، وأخفت المعالم الأثرية إلى الأبد، مع التأكيد أنه من خلال صدور هذا الكتاب، ما يزال العدوان مستمرا على غزة وذلك مما قد يضيف بعض المعلومات حول معالم أثرية كانت تعرضت لتدمير جزئي دمرت كليا، أو مواقع لم تصب من قبل تم تدميرها بعد صدور هذا الكتاب.