عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    28-Dec-2018

الرواية والتكنولوجيا

 الدستور-د. محمد عبدالله القواسمة

 
الرواية فن حسّاس لما يجري في الحياة، وما يحدث من تطور في المجتمع من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها؛ فمن البديهي أن تستفيد وتتأثر بما يجري في عصر العولمة، وخاصة بهذا التقدم الهائل في وسائل الاتصالات والتكنولوجيا الرقمية.
 
لقد استفادت الرواية من هذه الوسائل في شكلها الورقي من حيث الطباعة والإخراج والنشر والتوزيع. ووفرت على الروائي الوقت والجهد والمال، وضمنت للرواية حسن العرض في المكتبات ومحال بيع الكتب؛ لجذب القارئ. كما نشرت روايات ورقية كثيرة في الفضاء الإلكتروني،وظهرت مواقع المكتبات الإلكترونية وهي محملة بآلاف الروايات.وتمكن المستخدمون من الوصول إليها بسهولة ويسر،وغالبًا دون تكلفة مالية،باستخدام الحاسوب، أو أجهزة الهواتف النقالة، أو الأجهزة القارئة للكتب.
 
بدورها تناولت الرواية تأثير التكنولوجيا في عقول الناس ومشاعرهم وأحوالهم المعيشية،وقدمت الشخوص وهم يستخدمونها في نواحي الحياة، وأظهرت الأحداث وهي متأثرة بوسائل التواصل الاجتماعي، مثل: الفيس بوك، والبريد الإلكتروني، التويتر وغيرها. لقد ظهرت، الرواية المتعالقة بالإنترنت،أي التي تتناول علاقة الإنسان بهذا العالم الافتراضي الجديد بتقنياته المختلفة، مثلما رأينا في رواية» في كل أسبوع يوم جمعة» للروائي المصري إبراهيم عبد المجيد. 
 
واستخدمت الرواية في بنيتها بعض مفردات التكنولوجيا الإلكترونية، كما وردت في لغاتها الأصلية وخصوصًا اللغة الإنجليزية. ونجد في بعض الروايات أفعالًا مشتقة من كلمات أجنبية مثل سيّف من save  ، وتوتر من twitter  .وبدأت الرواية تستجيب لطبيعة العصر السريعة التغير؛ فلم يعد القارئ قادرًا على قضاء الساعات الطوال في قراءة رواية من 400، إلى 500 صفحة؛ فلجأ الروائي إلى تقليص حجم الرواية بالابتعاد عن كثرة التفاصيل، واختصار الحوار والوصف؛ حتى غدت الروايات الكلاسيكية كبيرة الحجم في مرحلة احتضار. 
 
وازداد تأثر الرواية بالتكنولوجيا الحديثة حتى إن بعض الروائيين انتقل من مرحلة كتابة الرواية على الورق إلى الكتابة مباشرة على الشاشة الإلكترونية. كما أن بعضهم بالغوا باستخدام التكنولوجيا وجعلوها وسيلة لإظهار ما يعرف بالرواية الرقمية أو الإلكترونية أو الافتراضية التي تقرأ من خلال تحميلها مباشرة على الحاسوب، ويتكون عالمها الافتراضي من الكلمة، والصورة، والصوت، والمؤثرات الحاسوبية البصرية والسمعية.وصار الروائي يجمع بين مهارتين: مهارة الإبداع، ومهارة اتقان استخدام التقنيات الحاسوبية. بهذا يمكن أن ندعوه الروائي الرقمي؛ لأنه يتخذ من بيئة الحاسوب والإنترنت مجالا للتصميم والتشكيل، ولا يمكن قراءة عمله إلا من خلال الحاسوب. ومن امثلة الرواية الرقمية البارزة روايات محمد سناجلة الذي يعد الرائد في هذا المجال على المستوى العربي: « شات» و»صقيع»، و»ظلال العاشق».
 
إن ما يسمى الرواية الرقمية لا تتعدى أن تكون ظاهرة شكلية، أو صرعة من الصرعات التي رافقت ظهور الفضاء الإلكتروني؛ ذلك أن فن الرواية لا تتناسب طبيعته مع هذه التكنولوجيا الإلكترونية؛ فالرواية عمل متماسك الأجزاء، يرسم عالمًا نابضًا بالحياة، لا يحتمل أن تبعثره التكنولوجيا إلى مفاصل ووصلات لا يصل إليها القارئ إلا باستخدام التقنيات الحاسوبية.كما أن هذا النوع من الأعمال لا يمكن أن يعيش على أرض الواقع، واقعنا العربي الذي يعاني من نسبة عالية من أمية القراءة والكتابة الورقية فكيف باستخدام الحاسوب والأجهزة الحديثة التي تحتاج إليها قراءة تلك الأعمال. 
 
والخلاصة، إن الرواية قد تأثرت بالتكنولوجيا الحديثة وأفادت من تقنياتها المتعددة، وهي بدورها رصدت في فضاءاتها السردية تأثيرات التكنولوجيا في المجتمع والحياة. لقد استطاعت الرواية استيعاب التكنولوجيا ولم تستطع التكنولوجيا أن تستوعبها وتذيبها بتقنياتها المدهشة. الرواية فن متمرد على كل شيء حتى على ذاته.