عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    22-Feb-2019

بعد الصدمات.. أشخاص یتحلون بالعزیمة وآخرون یرفضون المواجهة
منى أبوحمور
عمان –الغد-  العدید من المواجھات الصعبة والتحدیات الكبیرة قد تعترض حیاة المرء، تضعھ على منعطفات تؤثر على مسار حیاتھ وتغیرھا في كثیر من الأحیان.. فھناك من یمتلك الإرادة والعزیمة في مواجھة ھذه التحدیات، وآخر یقف مكتوف الیدین وتنقلب حیاتھ رأسا على عقب.
حالات مختلفة تواجھ ھذه الصدمات، ومنھا ما وقع مع الموظف الأربعیني بشار العلي؛ إذ لم یكن قرار فصلھ من عملھ أمرا سھلا، فقد أصبح بین لیلة وضحاھا بلا عمل، فلدیھ زوجة وأربعة أطفال، كما أنھ المعیل الوحید لوالدیھ، فاعتبر أن ”الحیاة سوداء“ وشعر بأنھ شخص مظلوم ومقھور.. یفتقد الإحساس بالأمان.
یقول العلي ”أشعر بأن الجمیع متآمر ضدي، فالبرغم من الشكاوى العدیدة التي تقدمت بھا لوزارة العمل، كانت بدون جدوى، بحجة قیام الشركة بإعادة الھیكلة“.
استطاع العلي أن یجعل من ھذه المحنة بدایة جدیدة لحیاة أفضل لھ ولأسرتھ، فخلق من الانكسار
والانھزام نقاط قوة، وكان كتاب الفصل الذي تلقاه مؤخرا، ركیزة وخطوة أولى في تأسیس مشروعھ الخاص، الذي تمكن من خلالھ الوقوف مجددا على قدمیھ.
في حین لم تتمكن الثلاثینیة رغدة بسام من الخروج من حالة الفقد التي تعیش بھا منذ سنة بعد
وفاة والدھا، فشعرت بأن الزمن توقف عند تلك اللحظة، التي سلبت منھا أھم شخص في حیاتھا،
بحسب وصفھا.
”لم یعد للحیاة معنى أو حتى غایة بعد وفاة والدي.. فأنا خسرت سندي ومثلي الأعلى“، كلمات
ترددھا رغدة بین الحین والآخر؛ إذ اتجھت للوحدة والانفصال الاجتماعي عمن حولھا، ووجدت نفسھا تلوم القدر وكل من حولھا على خسارة والدھا، فلم تكن تعتقد أنھا لن تحتمل وقع ھذا الیوم، وأنھ سیصبح سببا في انكسارھا.
وكذلك حال رائد العلاونة، الذي تسببت مدیونیتھ العالیة بخسارة شركتھ ووقوعھ في أزمة مادیة؛ إذ فقد الكثیر من الأموال وأصبح مطالبا بتسدید مبالغ مالیة طائلة.
”خسرت جمیع أموالي.. وفي الوقت ذاتھ لم أجد من یساندني“، بحسب العلاونة، فھناك شیكات
مرتجعة، كمبیالات، وعقود موقعة واتفاقیات باتت حملا ثقیلا علیھ، مرددا مقولة ”لما یقع الجمل تكثر سكاكینھ“.
مشاعر سلبیة وحالة من الحقد والاحتقان الكبیر تلازم العلاونة منذ تعرضھ لتلك الأزمة، فقد كان
معتادا على الرخاء والرفاھیة، إلا أن التجربة كانت قاسیة وفوق احتمالھ، كما یصفھا.
وفي المضمار النفسي، یؤكد أخصائي علم النفس التربوي الدكتور موسى مطارنة، أن شخصیة الإنسان وقدرتھ على التحمل والمواجھة لھا أثر كبیر على قدرتھ على التفاعل مع مواقف الانكسار، الھزیمة، الإحباط والفشل.
ویعود تعامل الشخصیة مع المواقف الصعبة والقاسیة، بحسب مطارنة، بناء على مركبات الشخصیة من حیث الإیجابیة والقوة والوعي والمعرفة؛ حیث تتداخل كلھا في إعداد شخصیة صلبة ومرنة، قادرة على التعامل مع المتغیرات التي تحدث مع الشخص في المستقبل بشكل إیجابي.
”بقدر ما یكون الشخص قادرا على التفاعل والمرونة، یتمكن من التغلب على الكبوة والانكسار ومواصلة الطریق“، فالشخصیة لدى الإنسان تتكون في السنوات الثلاث الأولى من العمر، فإذا بنیت الشخصیة في بیئة صحیة وسلیمة راعت الحاجات النمائیة وكانت أسالیب التربیة جیدة وموحدة، مما یجعل الشخصیة أكثر قوة ولدیھا دعامة، لا سیما في ظل وجود شخصیات نموذجیة في حیاة الطفل، وفق مطارنة.
ویضیف ”أما الشخصیة التي تنھار في المواقف الصعبة، فھي ضعیفة تعاني مشكلات مع ذاتھا، وحالة من السوداویة وعدم الثقة بالنفس، تنكسر فورا وتلعب دور الضحیة“.
ویلفت إلى وجود شخصیات تنشأ في بیئة حرمان تنكسر بسرعة، وھي قائمة على الندب واللوم،
ودائما تبحث عن أسباب ومبررات لما یحدث معھا تؤثر علیھا المتغیرات، واصفا الانكسار بحد ذاتھ حالة غیر طبیعیة تصیب الإنسان، شبیھة بالصدمة وكل ما كان ھناك مرونة في العودة تتمكن من الانتصار.
أخصائي علم الاجتماع الدكتور محمد الجرابیع، یؤكد، بدوره، أن التنشئة الاجتماعیة ھي المؤسسة الأولى المؤثرة في تكوین شخصیة الإنسان، وھي لیست مسؤولیة الأسرة فحسب، فقد دخلت في السنوات الأخیرة مؤسسات جدیدة مثل الحضانة والروضة، وھي البدیلة للأسرة في السنوات الست الأولى من عمر الطفل.
ویضیف ”یعتقد الأھل أن ھذه الأماكن لتعبئة وقت الطفل وحسب، متناسین أنھا تلعب دورا في زراعة القیم والأخلاق والتربیة وتحدد شخصیة الفرد وتخلق المعارف والمھارات في التعامل مع كل الأحداث“.
”شخصیة الإنسان تمر بمحطات فشل ونجاح.. والبعض تتغیر كل حیاتھ، إلا أن البعض ینكسر خلال ھذه المحطات، ویعتبرھا الأعظم في الحیاة، وفي الغالب المشاعر والأحاسیس تنضج وتتبلور ومعظم الانكسارات تكون عاطفیة دون سن 15 سواء في العلاقات العاطفیة أو التوقعات، وتخلق للشخص عقدا نفسیة لمدى الحیاة، وھنا یكمن دور الشخص في فھم فلسفة الحیاة.. بأنھا نجاح وفشل، والفشل لیس النھایة“، وفق الأخصائي جریبیع.
ویضیف ”اذا استطعنا أن نفھم أو نحلل لماذا فشلنا، وتعلم منھجیة التفكیر ومواجھة المواقف والتحلیل، نتخطى الصدمات، فالحاضنة الأولى لا یوجد لھا الوعي الكافي لفھم التنشئة، والتربیة بالنسبة للكثیرین تكمن في تأمین كل شيء، بدون أن یعي الطفل لماذا وكیف حصل على الشيء،
وفي ھذه الحالة یمكن إعادة بناء الأجیال من جدید، لاسیما وأن المدرسة والحضانة والأسرة لم تعد تكمل أدوار بعضھا“.
ویقول ”ضاعت الأمور عند الأجیال، فالبیت یعلم والمدرسة تعلم والشارع یعلم، فالأطفال ینظرون للأھل والمعلمین أنھم القدوة، لذلك لا بد أن یكون ھناك استراتیجیة واحدة لعمل جمیع المؤسسات مع بعضھا بعضا“.
ویرى الأخصائي جریبیع، أن الطفل یستقبل مجموعة من القیم والأفكار بشكل مختلف، وھي حالة من الفوضى.. بل ھي جزء من الفوضى العامة التي یعیشھا المجتمع بشكل عام.