الراي
دعاني السفير السوداني في الأردن، حسن صالح سوار الذهب، لحضور مؤتمر صحفي في منزله الذي يجاور منزلي، وقد استمعت الى شرح عن الوضع في السودان هذه الأيام، وكنت سألت عن علاقة السفير مع الرئيس الأسبق للسودان عبد الرحمن سوار الذهب، الذي استقال من منصبه وهو عسكري ليتيح المجال للحياة السياسية والديمقراطية أن تبدأ بعيداً عن حكم العسكر.
ولم يقم في رئاسة السودان سوى سنة بعد أن جاء بعد عزل جعفر النميري، وربما كان أول زعيم عربي يقوم بمثل هذا العمل الذي خلده في التاريخ أكثر من أي زعيم عربي معاصر.
ورغم أني استمعت جيداً للسفير حسن سوار الذهب واستمعت لرده على اسئلة الزملاء الصحفيين وما حمله المؤتمر من قيمة، الاّ أنني اعتقد أن خلفية الصراع في السودان لا بد أن تشرح ليفهم الكثيرون ما يجري، خاصة وان السودان وتحديداً هذا العام وفي اقليم دارفور، وعلى وجه التحديد في مدينة الفاشر، قد شهد مذابح بشعة، أخذت شكل الابادة والتطهير العرقي خاصة وأن في الاقليم أعراقا مختلفة، رغم أنهم كلهم مسلمون سنة مالكيون إذ أن البعض عرب والبعض الآخر افريقي أو نيلي أو تسميات آخرى قبلية ذات انتماءات متعددة.
لقد جرت ابادة وقتل اكثر من الفي شخص بين طفل وامرأة، ورجل خلال يومين فقط وما زالت المذابح وحرق البيوت والتهجير قائما بشكل بشع تحدث عنه الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش معتبراً ذلك أبشع جرائم العصر.
لقد هدمت البنية التقليدية السودانية المحافظة بسقوط نظام البشير، حيث كانت تحضر البيئة لذلك حين ساهم العقيد معمر القذافي في تسليح مجموعات في المنطقة بحجة الدفاع والحفاظ، على حزام أفريقي كما قام الرئيس التشادي إدريس ديبي بتسليح قبائل وتزويدها بالسلاح لأسباب قبلية ينتمي هو اليها، إضافة الى تسليح الحكومة السودانية، للجندويد، وهي قبائل عربية، اكسبت التمرد الذي وقع شرعية المشاركة في الحكومة المركزية، حيث شارك ممثل قوات الدعم السريع في قيادة منشقة ضد الحكومة المركزية والجيش السوداني، استمرت منذ أكثر من ثلاث سنوات، حيث لم يكن متوقعاً لهذا الصراع أن يطول الى هذا الحد، ورغم أن التمرد بدأ في المركز بداية وأخمد، الاّ أنه انتقل الى دارفور والى الفاشر ومناطقها واستشرى بالشكل القائم.
كنت اتابع الوضع في السودان الذي تمزق منذ حكومة البشير التي جلبت الماسيّ قبل ان تسقط وعملت على العبث العبث بالتركيبة التي عبث فيها من قبل جعفر النميري، حين حاول اسلك المجتمع السرداني المتعدد الأعراق والأديان وتطبيق الشريعة حتى على الجنوبيين والذين لم يكونوا مسلمين، وكان مسؤولاً عن تهريب يهود الفلاشا الى اسرائيل، واستمرت التوترات بشعارات انشقاقية في زمن البشير الذي حضرت انتخابه في الخرطوم وكنا مجموعة من حسن التل رحمه الله وطاهر العدوان وحمادة فراعنة،واخرين ممن اهتموا بشؤون السودان وخاصة زميلنا حمادة الذي الف كتابا في ذلك، ثم هندس اللقاء الأخير في منزل السفير
ما زالت الخلفيات عن السودان تحتاج الى شرح أوسع لنتفهم ما يجري والاشكالية، الاساس الان أن قوى اقليمية ودولية دخلت على خط الصراع بأموال وسلاح واستقطبت ووترت واستمرت في ذلك
ولم يفصح السفير كثيراً في ذلك رغم أن معظم الاسئلة كانت تدور حول هذه المسألة الهامة.
الصراع السوداني خطير ومؤلم، وفي بداياته كان انفصال جنوب السودان بنفس الوتيرة ولم يعرف السودان استقراراً منذ استقلاله الى اليوم، وكانت قياداته المختلفة قد فشلت في نزع فتيل الصراعات، وكثيراً ما استبدلت الحوارات الواجبة بالحسم والقتال الذي لم يكن لصالح السودانيين الذين عانوا قبل الانفصالات وبعدها كما في جنوب السودان، حيث المعاناة ما زالت تتفاقم ويحث لم ينجح الانفصال في بناء دولة مستقرة وقادرة.
العرب لم ينصروا السودان ولم يقفوا معه كما يجب، بل تركوه يحترق ويقتتل كما حدث في سوريا، فقد كانت الاضافة العربية في صراعها سلبية، حتى آلت الظروف الى ما آلت اليه اليوم، وها هي المأساة في السودان، والمطلوب من ابنائه أن يوقفوا هذا الصراع وان يشخصوا الخطأ، وان يتجاوزوه، وأن تضحي قياداتهم الوطنية حتى لا يبدو الصراع سودانيا سودانيا على المواقع، سيما أن الانقسام بدأ في الجيش يقوده حمديتي زعيم الدعم السريع ومازال يتلقى الدعم الخارجي ويسخر مقدرات الشعب السوداني. المنهوبة من الذهب الغنية به مناطق سيطرته
لقد كان السودان في مراحل عديدة مستقراً وصاحب دور بارز وكانت مواكب الحج تبدأ من دارفور حيث السلطان علي دينار الذي كان يرسل كسوة الكعبة، ويضعها في محامل الى مكة عبر مصر، وقد سمي مكان الميقات في احرام أهل المدينة بآبار علي نسبة الى اسمه، السلطان علي دينار كما انه من رمم مسجد ذو الحليفة الشهير في مكة، وهو أخر سلاطين الفاشر حيث بناها لتكون حصنه وموقع حكمه وقصره وقد والى العثمانيين في زمنه عام 1856 وجرى قتله على يد الانجليز.
السودان، لا بد من إنقاذه ويجب ان يتحرك العرب الذين انشغلوا في انفسهم، وضعفوا أمام العالم، وقد تكالبت علىيهم الأمم، فالعدوان الاسرائيلي على غزة وارتكاب اسرائيل لحرب الابادة والتطهير العرقي الذي لم يحدث مثله في التاريخ، أشغل الكثيرين عما يجري في السودان التي دمرتها التدخلات، ومنها التدخلات الدولية التي دمرت انحاء عديدة من القارة الافريقية، حيث ما زلنا نذكر حروب تحرير القارة وحروب انغولا والكونغو ومذابح الهوتو والسوتو والصراع الفرنسي الاحتلالي في مالي والتدخل الأجنبي العسكري في أكثر من بلد أفريقي والاقتصادي للهيمنة على الثروات وافتعال بؤر الصراع العالمية في القارة.
السودان عزيز على أمته وتاريخها ويجب الحفاظ عليه فهو البوابة الجنوبية وحزام حماية مصر المحروسة.
واترحم في هذه المناسبة على الوزير كامل الشريف أبو إسماعيل، الذي لعب دواً كبيراً من خلال موقعه الإسلامي العالمي المرموق في نشر الاسلام وتأييده في مناطق غرب السودان وفي الفاشر والانتقال بالدعوة الى نيجيريا حيث ما زالت بصماته واسمه يذكر كرائد في العمل الاسلامي، والخيري والمصالحات فكلنا مع السودان ومع وقف كل اشكال التدخل في شؤونه الداخلية.وندعوا له ان يبرأ من الفتن وان يستقر بقيادته الشرعية وجيشه الوطني