الدستور - بعيداً عن التشنجات والاصطفاف مع هذا الطرف أو ذاك، لا بد لنا من وقفة جادة وبكل هدوء أمام إشكالية الأزمات المتتابعة التي باتت تأكل من ثقة الحكومات الأردنية بشكل قد يفقدها أي رصيد شعبي تتكئ عليه، في الحالات التي تتطلب موقفاً شعبياً تواجه به ضغوطاً خارجية في ملفات أكبر وأكثر تأثيراً.
أزمة نقابة المعلمين ليست خارج السياق، فقبلها – على سبيل المثال - أزمة بحارة الرمثا وضريبة الدخل، وكأننا في حالة إشغال دائم لجهد الدولة الأردنية في التعامل مع الأزمات، وبشكل غير مفهوم المعالم ولا الأسباب والأهداف، فالأردنيون باتوا يترقبون أزمة جديدة مع انتهاء الفصل الأخير من كل أزمة قائمة.
العقل الرسمي الأردني لطالما كان مثالاً على الحكمة والقدرة على ضبط الأمور، وإطفاء الحرائق عند انطلاق شرارتها الأولى، إلا أننا في المرحلة الحالية نشهد معضلة تبريد الأزمات بدلاً من إطفائها، بحيث تبدو إدارة الأزمة إدارة لحظية، تبدأ مع الأزمة وتعمل على التعامل الظرفي معها دون السعي نحو إيجاد حلول جذرية تمنع تكرارها وتزايدها، حتى لا تعيق العمل الحكومي العام وترسل رسائل غير إيجابية إلى العالم الخارجي، خاصة فيما يتعلق بمناخنا الاقتصادي والاستثماري.
اليوم بات من الضرورة بمكان مأسسة العمل المتعلق بإدارة الأزمات وعدم ترك الموضوع لجهات عدة ووجهات نظر تتناقض أحياناً في الطرح والحلول وآليات التعامل، فليس من الحكمة أن تنشغل الدولة بقضايا محلية ترهقها وتصرف نظرها عن قضايا كبرى في ظل إقليم ملتهب، فنحن في هذه المرحلة أحوج ما نكون إلى صف داخلي متماسك وصلب وقادر على الوقوف خلف الدولة الأردنية، فالكل مدرك صعوبة المرحلة وثقل التحديات الملقاة على الأردن.
القفز على الأزمات والاحتفال بانتهائها دون أن نقف وقفة نناقش فيها التأثيرات غير المباشرة وانعكاس هذه الأزمات على الوعي العام الشعبي، ووضع الخطط الكفيلة بمنع تكرار سيناريوهات الأزمات، والاتكاء في كل مرة على صعوبة الوضع الاقتصادي لتبرير أسباب الأزمات، هي أساليب ثبت عدم جدواها، فأي مجتمع يعيش في ظل أزمات متكررة هو مجتمع مأزوم قابل للانفجار في أي وقت، وهو مجتمع مشحون يبحث عن أي نافذة لتفريغ الطاقة السلبية التي يعززها تعدد الأزمات وتكرارها.
مشكلتنا تكمن في تعاطي بعض مسؤولينا مع الأزمات بمنطق التبريد دون الإطفاء، فجذوة الأزمة عالقة في مجتمعنا ومن لا يدرك هذا عليه فقط تخصيص ساعة واحدة لرصد منشورات وسائل التواصل الاجتماعي، ليعرف مدى الضغط الذي يعيشه مجتمعنا، ومدى التغير في سلوك ونمط التفكير لدى الأردني، وهذه الأمور تمثل مؤشراً بسيطاً على أننا نعاني إخفاقاً واضحاً في إدارة أزماتنا وقراءتها بشكل دقيق.
ليس مطلوباً من أي مسؤول أن يمتلك عصا موسى، وليس مطلوباً منه أن يوزع الحلول وكأنها هبات، ولكن المطلوب ألا تمر أزمة دون أن تخضع لدراسة معمقة بعد انتهائها، لتجنب أي أخطاء وقعت، ومحاولة منع تكرار نفس الآليات غير المجدية في أي أزمة مقبلة، فما نراه بكل وضوح هو أن هناك تكراراً لسيناريوهات إدارة الأزمة، برغم أن الجميع في كل أزمة مقتنع بأن هذه السناريوهات كانت سبباً في التسخين والتأزيم، ولم تكن وسيلة للتبريد والإطفاء.