عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    30-Jun-2020

نازك ضمرة.. الأديب والإنسان

 

 فوزي الخطبا
 
 
الدستور- الحديث عن الأديب الأردني الراحل نازك ضمرة يطول؛ لأنه متعدد المواهب والقدرات، الشاعر والروائي والقاص والمترجم والناقد وكاتب المقالة السياسية والاجتماعية وكاتب أدب الأطفال، وقد فصلت هذا كله في كتابي الموسوم (نازك ضمرة.. الأديب الإنسان) لكنني في هذا المقام سأقف عند ملامح من تجربته الإبداعية بصورة عامة.
 
لقد كتب نازك ضمرة الرواية وأجاد فيها، وبرزت قدرة الروائي ومهاراته العالية في هذا الفن الروائي الراقي ورسوخه فيه بأبعاده الإنسانية وتشكلاته الفنية الكبيرة، فقد حول الحروف والكلمات إلى لوحات فنية أخاذة من ذاكرة المكان وأبعاده الموضوعية والاجتماعية والنفسية، ومزج في أعماله الروائية الأولى بين الطبيعة الخلابة والأماكن التي تناولها، وخاصة عندما وصف القرى والمدن الفلسطينية التي عاش فيها وتنقل بينها من خلال السرد الروائي، بأسلوب وجداني شفاف، فمزج بين المكان وتقاطعات الزمان والأحداث والشخوص، وكأن أديبنا يؤمن بمقولة الفيلسوف الفرنسي « taine» إن قيمة الإنسان من قيمة البيئة التي يعيش فيها، بل ذهب هذا الفيلسوف إلى إرجاع كل عمل أدبي أو فني أو إبداع خلاق إلى عناصر ثلاثة هي العرق والبيئة والزمن، فالمكان هو المعادل الموضوعي في أعمال نازك ضمرة الروائية، فهو يجمع بين عالمين: عالم واقعي يستمد أحداثه من بيئته، وعالم متخيل يقتضيه البناء الفني للرواية.
 
لقد رصد الروائي صورا نابضة من الحياة الاجتماعية في القرية والمدينة الفلسطينية في مرحلة مبكرة من القرن العشرين، فجاءت هذه الصور نابضة بالحركة والحياة فاعلة متنوعة ومتعددة تكشف عن طبيعة الحياة الفلسطينية وأنماط من حياتهم اليومية المعيشة، ومجالسهم وسمارهم وقصصهم وحكاياهم وألعابهم واكلاتهم الشعبية، وافراحهم واتراحهم وعاداتهم وتقاليدهم ومساكنهم، ودواخلهم النفسية، وعن حياة القهر والعذاب والحرمان والالم التي عانى منها الإنسان الفلسطيني في زمن الانتداب البريطاني والاحتلال الصهيوني.
 
نازك ضمرة كان شاهدا على التحولات الكبيرة التي اجتاحت الاردن وفلسطين في اصعب الأيام، واقسى الظروف، وخاصة التحولات في البنى الاجتماعية والسياسية والفكرية والاقتصادية، كما انه رصد بعين الروائي المتيقظ جوانب من الحياة الاجتماعية في العواصم التي عاش فيها أو ارتحل اليها، العربية والغربية.
 
وقد كتب نازك ضمرة القصة القصيره بذكاء وحرفية ومهارة واتقان وقدرة فائقة على التغلل في اعماق الشخصية التي يكتب عنها فهو يلجأ للفلسفة والتحليل النفسي، لينقل القارئ إلى عالم بطل القصة بخيال تأملي، وهي وسيلة قل من يستخدمها، ففي قصة ((قرع)) المنشورة في كتاب قصص يحمل نفس عنوان هذه القصة أي (قـــرع) نجد ان المرأة التي شابت وفقدت جاذبينها لاتصدق نفسها، بل تحادث مرآتها وتعاتبها، لعلها تقتنص وتحتفظ بصورة القديمة ، حين كانت شابة تتأمل نفسها امامها، بجمال وجاذبية تجذب الشباب وكل من شاهدها، وفي حوارها مع مرآتها تظهر خيبة الأمل التي تنغص عليها عيشها، وعلى امل اكتشاف علاج ومهدئ وموازن نفسي.
 
ثم إننا علينا ان نلفت نظر القارئ إلى الرمزية التي تصاحب قصص الأديب نازك ضمرة ونسوق مثالا على ذلك قصة ((زمارة في ســفارة)) المنشورة في مجموعة قصصية تحمل نفلس اعنوان هذه القصة، اي (مجموعة زمارة ف سفارة) لنحس بأن الإنسان العربي مضلل ومهمش في بلده، والتغييرات التي تحصل إما بأطماع بشرية فردية لاصلة لها بمصلحة الوطن والأرض والإنسان، او ربما تحصل مثل تلك التقلبات وربما الانقلابات بتدخلات وتأثيرات أجنبية ، او بانحياز تلك السفارات لفئات لا تعبأ بمصلحة الوطن له، وكثير من الأمور تحدث دون معرفة المسئولين والمهتمين بمصالح البلد العربي.
 
اما في مجال الترجمة أبدع فيها وكان متمكناً من الاجادة والكتابة باللغتين العربية والإنجليزية، وترجم روائع من الأدب الإنجليزي في الشعر والقصة والرواية والمقالة النقدية.
 
أما في مجال النقد فلقد أبدع نازك ضمرة في الكتابة عن مبدعين أردنيين وعرب؛ فقد وقف عند رواية مفلح العدوان «العتبات» للاديب والروائي مفلح العدوان وقفة متأنية، ويرى أن المكان جزء من سيرة الروائي الذاتية، لكن مخيلة يجعل الملتقي في حيرة من الأمر بما يحمل من حميمية وصدق في التعبير وامتداد في الرواية؛ لقد استطاع الروائي بمهارة فائقة أن يمزج بين ذاكرة المكان والمخلية ليرسم لوحات فنية إلى القرية ام العرقان عالية في التشكيل والبناء والسرد واللغة، لقد لمست العاطفة والوجدان والرواية ذات خصوصية تختلف عن الروايات التي قدمت الريف الأردني كأنها حلم ترى الحلم يمتد إلى قرون طويلة، وبعد الانتهاء من الحلم و ترى نفسك أنك شاهدت الرواية بكل مشاهدها وأحداثها، لقد قدم العدوان رواية أردنية متفردة إيمانا بأهمية المكان والتاريخ والأرض والتراث الأردني الأصيل ويرى في هذه من روايات الدهشة بما تحمل من جماليات العرض والطرح في أسلوب والتنوع على طريق الابتكار وهو الأسلوب الذي تميز به الأديب والروائي مفلح العدوان في هذه الرواية التي تحمل بصمته الخاصة به.
 
لقد ترك نازك ضمرة أكثر من عشرين عملا إبداعيا بين مطبوع ومخطوط سنقوم بنشرها.