عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    11-Feb-2024

التفاعل الرقمي السلبي.. حينما "ينجرف" الإنسان وراء الأفكار المسيئة

 الغد- تغريد السعايدة

 منشور، صورة، أو تعليق ومقطع فيديو، يتم بثه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وربما حوار جانبي في جلسةٍ ما يقتحمه آخرون في تبادل للآراء، قد يتحول إلى تفاعل غير منطقي، خاصة في قضايا الرأي العام، وهو ما يُعرف بـ "التفاعل الاجتماعي السلبي".
 
 
منذ سنوات طويلة، وفي كل قضية رأي عام يتم طرحها، سواء عالمية أو إقليمية أو محلية، تشهد ساحات التواصل الاجتماعي حراكا كبيرا في طرح الآراء المتفاوتة، وقد يكون آخر تلك الأحداث على سبيل المثال، الحرب الإسرائيلية الدموية على قطاع غزة، وما تبعها من منشورات وتعليقات، جعلت من بعض الأشخاص غير المرغوبين في طرحهم، من أكثر الأشخاص الذين تشهد منشوراتهم تفاعلاً، ولكن بطريقة سلبية والرد عليهم بهدف "إظهار الحقيقة".
 
ولكن هذا الأمر قد يتحول بالفعل، كما في قوانين العالم الافتراضي في السوشال ميديا، إلى تفاعل اجتماعي سلبي يساهم في زيادة انتشار تلك المنشورات أو الصور ومقاطع الفيديو، وبالتالي وصولها إلى أكبر عدد ممكن من المتابعين، خاصة وإن كانت تلك القضايا المطروحة تتعرض للمراقبة من قِبل الجهات المعنية في إدارة مواقع التواصل الاجتماعي، وأبرزها "ميتا".
ومن دون قصد، يُقدم الكثيرون على الرد على المنشورات المسيئة، وتبادل الردود من قِبل أعداد كبيرة، يجعلها محط اهتمام وتفاعل أكبر يوماً بعد يوم، وهنا، يناشد الكثيرون ممن لديهم "معرفة تكنولوجية رقمية" في هذا الأمر إلى ضرورة أن يتنبه مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي إلى أهمية أن يكونوا على قدر عالٍ من المعرفة، ومحاولة إهمال ملايين المنشورات التي يبحث ناشروها عن التفاعل وزيادة وصولها إلى أكبر عدد ممكن من خلال تعمّدهم إلى أن تكون "مثيرة للجدل ومستفزة".
ووفق دراسات اجتماعية نفسية سلوكية، فإن التفاعل الاجتماعي على اختلافه "سلبيا أو إيجابيا أو محايدا"، نابعٌ عن كون الإنسان بطبعه كائنا اجتماعيا يبحث ويحتاج للتواصل مع الآخرين بأي شكل من الأشكال، وهذه الحاجة تخلق هذا التفاعل، وهو عبارة عن "العملية التي يتصرف فيها الإنسان للحديث أو التفاعل مع محيطه الاجتماعي، ويجد مقابلها استجابة من الآخرين، سواء بالأقوال أو الأفعال".
يخشى كثيرون أن يصطدموا في "مطب التفاعل السلبي"، خاصة في ظل وجود أحداث متسارعة ومتتالية ومثيرة للاهتمام، ولكن ينساق هؤلاء الأشخاص دون علمهم إلى هذا الأمر، وهو ما يجعل التفاعل الاجتماعي السلبي منتشراً بشكل كبير في مواقع التواصل، أو على أرض الواقع، ويحتاج الفرد إلى "التروّي ومعرفة الهدف من كل ما يتم طرحه، وخاصة في القضايا الحساسة ومن الأشخاص الخطأ ممن لهم أهداف مبطنة".
الخبيرة والاختصاصية في علم الاجتماع الدكتور فاديا إبراهيم تقول: إنه وعند نشوء أي مجتمع ينشأ بين أفراده وجماعاته تفاعلات وعلاقات اجتماعية متعددة الأشكال متشابكة الأنواع مركبة الأبعاد، وهناك تفاعلات تؤدي إلى البناء والإيجابية وتسمّى التفاعلات المُجمِّعة، ومن أمثلتها التعاون والتثقيف التوافق والتكيف، وهناك تفاعلات تؤدي إلى الهدم السلبية والتنافر وتسمى بالتفاعلات المُفرِّقة أوالمفكِّكة.
وهذا التفاعل الاجتماعي سواء كان إيجابيا أو سلبيا هو تأثير متبادل بين أفكار وسلوكيات الأفراد والجماعات من خلال عمليات الاتصال، وفق إبراهيم، ولأن عمليات التفاعل الاجتماعي تستند بالأساس إلى الاتصال. ومواقع التواصل أكبر وأهم مكان للتفاعل الاجتماعي وطرح الأفكار بسبب سرعة انتشارها وقلة تكلفتها والعدد الهائل للمشتركين فيها.
وفي التفاعلات الإيجابية يكون هناك محاولات منظمة من جانب بعض الأفراد للوصول إلى هدف مشترك وهو عملية تجمع واتحاد وبناء وتدعيم مثل عمليات وحملات المقاطعة والنصرة لغزة وكسب التأييد من جميع دول العالم للتضامن من أجل وقف الاعتداء على غزة وقتل المدنيين.
وفي التفاعلات السلبية "المُفرِّقة"، ترى إبراهيم أن الصراع يظهر بين القوى الاجتماعية ويكون هناك مظاهر للتطرف والهدم والصراع، ويظهر المتنافسون بكل قواهم لإثبات آرائهم ويقدمون كل ما بحوزتهم من أجل القضاء على غريمهم ويتّبعون في ذلك أهواءهم الجامحة فيبتعدون عن الموضوعية وتبدأ عمليات المغالطة وتضليل الرأي العام، وهذا التضليل لا يرتبط بالقضايا السياسية فقط بل نجده أيضاً في القضايا الاجتماعية وغيرها.
التفاعل السلبي من شأنه أن يسبب في تأصيل الأنانية والذاتية وتغلبها على الصالح العام هو سبب رئيسي لنشوء مثل هذه التفاعلات السلبية، خصوصاً الافتراضية منها، بحسب إبراهيم.
"في الحياة الكثير من الأضداد وهناك الرأي والرأي الآخر، وإن حرية التعبير عن الرأي أصبحت حقا مُقدسا مع تنامي حركات حقوق الإنسان"، إلا أنه يجب علينا، كما تقول إبراهيم، أن نكون على درجة من الوعي والتضحية من أجل تحقيق الصالح العام لمجتمعاتنا، وأن التفاعلات الإيجابية المُجمِّعة هي أساس التكامل والاستقرار والرقيّ.
ولكن مع التطور والتسارع الكبير في تحول ساحات التفاعل السلبية أو الإيجابية إلى العالم الافتراضي وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي باتت أقرب إلى الواقع، يؤكد المستشار والمختص في بناء الهوية الرقمية خالد الأحمد أنه وللأسف، يتميز المحتوى السلبي بجاذبية كبيرة للانتباه والتفاعل مقارنة بالمحتوى الإيجابي، نظرًا لقدرته على استثارة المشاعر بشكل أكبر وتأثيرات بصرية وسمعية قوية.
وتستغل بعض الصفحات الإخبارية والتجارية هذه الخاصية في صياغة عناوين مقالاتها للفت الانتباه وتحفيز التفاعل، وفق الأحمد، حيث كانت هذه مشكلة ملموسة على منصة فيسبوك، الأمر الذي دفع بكثير من المنظمات برفع شكاوى بشأن عدم اتخاذ الإجراءات الفعلية الكافية للحد من انتشار المحتوى السلبي.
وينوّه الأحمد إلى أن العديد من التقارير أوضحت أن هذا النوع من المحتوى يعتبر مهمًا للمنصات الاجتماعية لأنه يولد تفاعلًا كبيراً بغض النظر عن طبيعته، مما يحافظ على تفاعل المستخدمين على المنصة ويساعد في نشر الإعلانات بكافة أشكالها.
ومن جهة أخرى، يقوم البعض بالتفاعل السلبي مع المحتوى "السلبي" لتفريغ مشاعرهم، لكن في الواقع، هذا التفريغ يساهم في نشر المحتوى السلبي لجمهور أوسع، إذ لا تميز الخوارزميات بين التفاعل السلبي أو الإيجابي، فأي تفاعل يعتبر دليل اهتمام بالحساب أو نوع المحتوى المعني، مما يؤدي إلى زيادة توزيعه على الحائط الزمني للمستخدم.
لذا، وكخبير في هذا المجال، يقدم الأحمد مجموعة من التوصيات والتي تتمثل في البداية باعتبار العالم الرقمي منصة لنشر القيم وبناء السمعة الرقمية في المقدمة، والتي تعتمد أولاً على عدم نشر أو التفاعل مع المحتوى السلبي، لأنه سيظل مرتبطًا باسمك إلى الأبد، وهناك العديد من الأمثلة الواقعية على ذلك، التي تؤكد أن التفاعل السلبي لشخصٍ ما قد يكون له تأثير في قرارات حياته الواقعية وتقليل الفرص الجدية التي يمكن أن تتاح له بسبب تلك "الوصمة السلبية".
القاعدة الثانية التي يجب أن يتبعها الشخص في حياته الرقمية كذلك، والتي يوصي بها الأحمد هي، "عدم التفاعل مع المحتوى السلبي فورًا عند الشعور بالانفعال، لأن الندم قد يأتي بعد دقائق من النشر وحذف التفاعل لن يعالج المشكلة، ويُفضل أخذ فترة استراحة والابتعاد عن الشاشة، وستجد عند العودة أن الرد على هذا النوع من المحتوى غير مجد، فيما القاعدة الثالثة تعتمد على أنه من المهم إبلاغ الخوارزمية بعدم الرغبة في رؤية هذا النوع من المحتوى مستقبلًا من خلال الضغط على الثلاث نقاط بجانب المنشور واختيار عدم الظهور، حتى لا ينجرف الشخص نحو التفاعل السلبي تلقائياً".