الدستور
يتجلى يوما بعد يوم، وفي الميدان، افتقادنا الى منظومة واضحة ومحددة لفرز القيادات وتعيينها في المواقع العليا في الحكومات. وفي غياب تدوال ممنهج للسلطة، يختفي التنافس الطبيعي المفتوح، وتصبح عملية اختيار القيادات مشوبة بالضعف ومفتوحة للتشكيك والانتقاد بغض النظر في احيان كثيرة عن الكفاءة الفردية للاشخاص.
حكومات عديدة على مدى العقود الماضية انهارت بسبب غياب فلسفة واضحة للتعيينات من الوزراء والمدراء والمفوضين ورؤساء المجالس ومن في حكمهم. لدينا هنا فجوة واضحة وتنعكس فيها ثقة شعبية متدنية في جدية العمل الحكومي. هذه الثقة المتناقصة ستشكل عبئا حقيقيا على جميع الحكومات القادمة وتدخلنا في حلقة مفرغة تحبط الجهود مهما كانت مخلصة.
ان عدم قدرتنا على ابتداع منظومة فاعلة لاكتشاف المواهب واعداد القيادات الحكومية هي امر مكلف جدا والشواهد يومية وكثيرة. في غياب هذه المنظومة الواضحة لافراز وتقييم القيادات، ندخل في متاهة العروض الفردية الاعلامية على حساب الانجازات المؤسسية ولا يتحقق مبدا الغرم بالغنم.
بتوسع الادارة الحكومية في العقود الماضية بتشكيل الهيئات والمفوضيات والمؤسسات المستقلة، كثرت المناصب العليا واصبحت ساحة التعيينات مرتبكة بشكل حساس وخطير. اذ ان التشكيك في مصداقية التعيينات يضعف من قدرة الادارة الحكومية على اقناع الناس بسياساتها وقراراتها، ويدخل الجميع في العبثية والعدمية. ان في ذلك ظلم للجميع، للمجتمع، وللحكومة، وللقيادات. الوضع لا يحتمل التأخير، والحل العاجل مطلوب لاعادة الامور الى نصابها، فنحن نستنزف القيادات بشكل مستمر وغير محمود العواقب.