عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-Dec-2019

أيها الطيار.. الآن أصبحت تعرف - دافيد أنوخ

 

هآرتس
 
أنا أعرف أن هذا ليس ما أردته أن يحدث. هذا ليس ما خططت لحدوثه. ربما هذا ليس ما اعتقدت أن يحدث. وهذا بالتأكيد ليس ما فكرت في أن تفعله عندما كنت راغبا جدا في أن تكون طيارا حربيا. السيناريوهات البطولية التي مرت بذهنك لم تكن قصف كوخ بائس وقتل تسعة افراد من عائلة السواركة، أو قتل اطفال ابرياء، طاهرين مثل اطفالي، وربما مثل اطفالك أنت. لم يكن هذا مخططك.
ليس لأنه لم تكن هناك علامات تحذير. منذ سنوات كثيرة وأساس مهمات الجيش الافضل في الشرق الاوسط، الافضل في العالم كما يقولون لنا احيانا، ليست مهمات بطولية بل مهمات احتلال سخيفة، قصف، من الجو ايضا، من قبل افضل شبابنا في الجيش الاكثر اخلاقية في العالم، بواسطة قنابل ثقيلة تلقى على تجمعات سكانية، تحول الى امر روتيني على الاقل في غزة.
ومن ما يزال متحمسا جدا لأن يكون طيارا حربيا، ايضا ازاء كل ذلك، تتملكه دوافع كثيرة للشك، أو ربما لديه هرمونات اكثر من الدافعية. مع ذلك، أنا أصدقك، أن هذا لم يكن مخططك. أنت لست كذلك، أو على الاقل لم تعتقد أنك هكذا.
تحدث اخطاء، هذا صحيح. واخطاء السلاح تكون تراجيدية بشكل خاص. أنت ايضا لم تعرف، قالوا لك إن هذا هدف، منشأة للجهاد الاسلامي، ربما. هدف نوعي؟ هذا يصعب تصديقه. مرة اخرى الحديث يدور عن استخدام مصطلحات بطولية، ربما كان لها مكان، مكان قبيح وليس جميل، بعيد جدا عن أن يكون مثاليا، لكن ربما من غير المستبعد في الميدان الحقيقي الذي فيه تدور معارك مدرعات ضد مدرعات أو معارك جوية دموية، وفي نيران في التاريخ القديم للجيش الذي تخدم فيه، الحديث يدور عن مفاهيم جلبها الى واقع القصف من الجو ضد عدو لا يوجد له سلاح جو أو قوات مضادة للطائرات، هو محاولة مضحكة من اجل الحفاظ على الهرمونات المطلوبة للخدمة العسكرية حتى في ساحة احتلال وقمع. ولكن مع ذلك، هدف، هكذا قالوا لك، وأنت صدقت ذلك وخضعت، حيث لا يمكن قيادة جيش بدون خضوع.
صحيح أنه تحدث اخطاء ودائما تكون فجوات في المعلومات بين المستوى التنفيذي والمستوى الاعلى منه، لكن بالتحديد بسبب ذاك الخضوع، أي خضوع، هو عملية مدهشة من اظهار الولاء. عندما تخضع للاوامر وتنزل موت عظيم على منطقة لا تشاهدها بنفسك، فأنت تظهر بذلك ثقة هستيرية بالجهاز وقادتك والاستخبارات والمستشارين القانونيين. أنت تقول لهم في الحقيقة: أنا لست كذلك، أنا لست ارهابيا، أنا رهن اشارتكم وأنا أعتمد عليكم بألا تحولوني الى ارهابي.
لكنك تعرف أن ذلك ليس صحيحا. ربما لم تعرف. واذا لم تكن تعرف فان هذا اهمال في فحص الوقائع حتى قبل الحادثة الاخيرة. ولكن مع ذلك، ربما لم تعرف، لأنه لا يمكن الثقة بهم. ولكن الآن أنت أصبحت تعرف، حيث يتبين الآن، على سبيل المثال، بأنه في الجيش الاسرائيلي توجد حقا مرافقة لمستشارين قانونيين (في مناسبة اخرى ربما نتحدث عن حسن نواياهم) ومصادقة حاسمة نسبيا، لكن فقط في مرحلة المصادقة الاصلية على الاهداف، التي ربما حدثت قبل بضعة اشهر من الوقت الذي دعيت فيه لقصف هذه الاهداف، دون أن يكون هناك الزام بتحديث معين (في أي سياق آخر كان القائد سيرسلك الى مهمة استنادا الى معلومات استخبارية جمعت قبل بضعة اشهر؟ واذا كان لك قائد كهذا فهل كنت ستستمر بالثقة به؟). وقائد المنطقة الجنوبية يقول: “أمور كهذه يمكن أن تحدث، لم نتفاجأ من ذلك. ومن جهة اخرى هذه ليست النتيجة التي اردناها”.
هو لم يتفاجأ. هل أنت تفاجأت؟ ايضا، قائد المنطقة الجنوبية، وهو أحد كبار القادة الذين تثق بهم بدون تحفظ عندما تختار القاء قنبلة، ينصح سكان غزة “اذا كنت تعرف أنك تعيش قرب منشأة ارهابية فيجب عليك مغادرة المكان في بداية جولة التصعيد”، حيث أن سكان غزة لديهم خيارات كثيرة، ولديهم ثروة من الموارد والامكانيات، ولا يوجد أسهل من الاستجابة لنصيحة القائد العظيم (الذي يعتقد بأن عدم الاستجابة لنصيحته يبرر موت الاطفال الطاهرين، وهو على ثقة بأنك ستواصل الثقة به حتى اصدار الأمر القادم).
لم نبدأ بعد التحدث عن جهات امنية اخرى تذكر بـ “طلب عملياتي للتأثير على المعنويات”. لنقل أنك لم تعرف، لكنك وثقت. ولكن الآن أنت اصبحت تعرف. اشخاص شجعان في مكاتب فارغة اعتقدوا بأنه ليس فظيعا اذا قتل اطفال كهؤلاء، وربما هذا كان حتى طلب عملياتي. وقد اعتقدوا أن هذا ليس فظيعا اذا كانت اليد التي ستسفك الدماء هي يدك أو يد اصدقائك في المرة القادمة. وأنت، هذا لم يكن أبدا مخططك. لكن هذا ما فعلته. هذا ما يطلب منك ومن اصدقائك القيام به الآن، وسيطلب منكم فعله مرة اخرى وبسرعة. الآن أنت تعرف. فهل ما زلت ستلتزم بالأوامر؟ اذا كان الجواب نعم، فعلى الاقل قم بوقف التملق بهذا. فمن يفعل ذلك الآن هو أنت.