عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    10-Sep-2023

الدور التشريعي لمجلس الأعيان*أ. د. ليث كمال نصراوين

 الراي

أنهى مجلس الأمة قبل أيام دورته الاستثنائية التي عقدها ابتداء من منتصف شهر تموز الماضي، حيث شهدت هذه الدورة البرلمانية إقرار جملة من التشريعات المهمة التي دارت حولها حالة من الاشتباك الإيجابي بين السياسيين والقانونيين والنشطاء الحقوقيين في مؤسسات المجتمع المدني.
 
ويبقى أهم ما يميز هذه الدورة الاستثنائية الدور التشريعي اللافت لمجلس الأعيان، والذي تجسد في جملة من التعديلات الجوهرية التي أدخلها على مشروعات القوانين المحالة إليه من مجلس النواب، وفي مقدمتها مشروعا قانون الجرائم الإلكترونية وقانون حماية البيانات الشخصية. فلم يتردد المجلس المعين في إعادة هذين المشروعين إلى مجلس النواب مع جملة من المقترحات التشريعية التي تمت الموافقة عليها من قبل المجلس المنتخب.
 
 
وبهذا يستمر مجلس الأعيان في ممارسة الدور الدستوري المناط به، والذي يتمثل في الرقابة على مشروعات القوانين التي يقرها مجلس النواب، وذلك نظرا لما يتمتع به أعضاؤه من حنكة سياسية وخبرة في العمل العام، والتي تنعكس إيجابا على مستوى النصوص القانونية التي يجري إقرارها من قبل مجلس الأمة.
 
وقد حرص المشرع الدستوري على تعزيز الوظيفة التشريعية لمجلس الأعيان ابتداء من التعديلات الدستورية لعام 2016، والتي قررت لجلالة الملك الحق في تعيين رئيس وأعضاء هذا المجلس بإرادة ملكية منفردة دون الحاجة لتوقيع رئيس الوزراء والوزير المختص. وبذلك جرى إبعاد مجلس الأعيان عن أي تجاذبات سياسية حزبية أو حتى مشاحنات شخصية ومصالحية يمكن أن تؤثر في نوعية الأشخاص الذين يجري اختيارهم لعضوية المجلس المعين.
 
وقد استمر المشرع الدستوري في تكريس الصلاحية التشريعية لمجلس الأعيان في التعديلات الدستورية لعام 2022، حيث جرى تعديل المادة (64) من الدستور لصالح التوسع في الفئات التي يمكن اختيارها للعضوية في المجلس المعين لتشمل، رؤساء وقضاة المحكمة الإدارية العليا والمحكمة العليا الشرعية، ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، ومن أشغلوا مناصب قيادية في الدولة.
 
ومن العوامل التي أوصلت مجلس الأعيان إلى هذا المستوى التشريعي المميز، والذي أصبح محط أنظار المتابعين والمنشغلين في العمل العام، حالة الثبات والاستقرار في رئاسته وتشكيلة المكتب الدائم فيه وعضوية لجانة النيابية، والتي يجري التوافق عليها كل سنتين من عمر المجلس وتجنب الحاجة لإجراء الانتخابات، ذلك على الرغم من النص عليها في النظام الداخلي لمجلس الأعيان.
 
فقد ساهمت هذه السياسة التوافقية القائمة على توزيع المناصب والعضويات في المجلس المعين في الحفاظ على حالة الود والانسجام بين الأعضاء وعدم تعكير صفو العلاقات بينهم. إلا أن هذا التناغم لا يمنع من أن يُبرز العين خلفيته السياسية ومبادئه الفكرية والأيديولوجية أثناء ممارسته لدوره التشريعي؛ وهو الأمر الذي ظهر جليا في بعض الجلسات التي عقدها المجلس خلال الدورة الاستثنائية الماضية.
 
إن استمرارية مجلس الأعيان على هذا النهج التشريعي الحكيم له أهمية خاصة ترتبط بطبيعة المجالس النيابية القادمة المتوقع تشكيلها عند البدء بتطبيق قانون الانتخاب الجديد لعام 2022، حيث جرى تخصيص مقاعد نيابية للأحزاب السياسية من خلال القائمة الحزبية الوطنية، والتي سيتم زيادة عددها مع مرور الوقت، حيث سيشهد مجلس النواب العشرون تمثيلا حزبيا بواقع (41) نائبا كحد أدنى.
 
إن الوجود الحزبي في مجلس النواب له إيجابياته الدستورية المتمثلة في تفعيل العمل المؤسسي في البرلمان وإيجاد كتل وإئتلافات نيابية تكون هي الأساس في ممارسة الدور التشريعي والرقابي على الحكومة.
 
في المقابل، فإن تمثيل الأحزاب السياسية في المجالس النيابية القادمة سيكون له تأثير مزدوج على العملية التشريعية يجب الانتباه إليه. فكل حزب سياسي سيحاول ومن منطلق دستوري مشروع أن يعكس مبادئه وأهدافه الخاصة به على مشاريع القوانين التي سيجري إقرارها، وأن يترجم مشاريعه وبرامجه الانتخابية من خلال النصوص المقترحة في مشروعات القوانين المطروحة أمام مجلس النواب.
 
وهنا، سيظهر الدور الحيوي لمجلس الأعيان في مجال العملية التشريعية أثناء المجالس النيابية القادمة، حيث سيكون صمام الأمان الذي سيوازن بين المصالح الحزبية المختلفة للنواب المنتخبين وبين المصلحة الوطنية العليا، وذلك في مجال إصدار القوانين الوضعية وتعديلها.